رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ شريف الهواري 16 مايو، 2023 0 تعليق

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث – أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة-   الحلقة الثالثة

 

ما زلنا في استعراض محاضرات المنتدى الرمضاني الثالث، ومحاضرة الشيخ شريف الهواري التي كانت بعنوان: (أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة)؛ حيث أكد الشيخ أنَّ تعميق الإيمان في القلوب هو أساس بناء الشخصية المسلمة؛ فمنه تتعمق القيم الفاضلة، والأخلاق الحسنة، كما ذكر أنَّ الإيمان واسطة العقد بين مقامي الإسلام والإحسان، وأنَّ الإنسان لن يستطيع الإذعان والتسليم والانقياد للإسلام، وبين أنَّ الإيمان قول وعمل، قول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.

     بعد الحديث عن الإيمان بوجود الله -سبحانه-، والإيمان بربوبيته، والإيمان بالأسماء والصفات، والإيمان بألوهيته، والإيمان بالملائكة، والكتب والرسل. واليوم جاء الكلام عن الركن الخامس وهو الإيمان باليوم الآخر، هذا اليوم العظيم، وكيف يُوظّف لضبط حركتك في الدنيا، لتنجو في الآخرة؟ وكيف تُفعّل الإيمان ليكون محفّز لك على الأداء المتميز طلبا للنجاة ومرضاة لله والجنة.

كيف تؤمن بهذا اليوم؟

     للإيمان بهذا اليوم أصول: الإيمان بالموت، القبر إما روضة أو حفرة، والبعث، والعرض، والحساب، والجنة، النار، هذه المحطات التي أُمرنا أن نؤمن بها كما ورد بها الدليل السمعي في القرآن والسنة، ولا شك أنها مهمة جدا إذا فعلت كما ينبغي، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من آمن باليوم الآخر في قلبه؛ فكان لشدة خشيته ولشدة خوفه - رضي الله عنه - يقول: «والله لا أدري ما يُفعل بي ولا بكم وأنا رسول الله». لذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- قمة في هذا الباب، لم لا؟ وقد رُبّوا على يد النبي - صلى الله عليه وسلم .

نماذج من سير الصحابة في هذا الباب

     وحين نطالع سيرة الصحابة في هذا الباب، نسمع العجب: فهذا صحابي يحكي مع بعض التابعين، يقول لهم: لقد رأيت الجنة والنار حقيقة، فقالوا: وكيف ذاك؟ فقال: لقد رأيت الجنة والنار بعيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعينيْ رسول الله آثر عندي من عينيّ هاتين -أي أصدق عندي من عينيّ هاتين- النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف لي هذا اليوم، وبعض التابعين يقول: أدركت أكثر من ثلاثين صحابيا لو قيل لأحدهم: إن القيامة غدا، ما وجد ما يزيد أو يضيف، والمعنى أنه أدرك هذا العدد لو قيل لأحدهم انتبه قيامتك غدا ما أضاف شيئا جديدا، ليس لعدم تصديقه ولا لزهده ولا لغروره، بل لكونه كان يعمل بكامل الجهد والطاقة، لم يدّخر وسعًا ولا جهدا.

     وأحدهم يقول: والله لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقينا! أي لو كُشِف الغطاء عن اليوم الآخر ها هي ذي الجنة، وها هي ذي النار، تعال وانظر لتتعظ وتعتبر وتعمل، قال: والله ما ازددت يقينا! لأن يقينه أصلا في القمة.

     أتدرون لماذا؟ لأن التفعيل لمعنى هذا اليوم في قلوبهم كان حقيقيا، ولأن الحراك الذي ينبغي للإيمان في قلوبهم كان على أمثل صوره.

الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره

      ونختم بالركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، وما أروع هذا الركن العظيم!، فكيف نُفعّل هذا الركن في قلوبنا؟

- أولا: لابد أن يكون لديك إيمان حقيقي بأن الله -عز وجل- لمَّا خلق القلم قال: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة: الأرزاق، والآجال، والأحوال؛ فجرى القلم بما هو كائن، وأنك في هذه الدنيا مُبتلَى وممتحَن ومختبَر، فإذا وقع ما تحب فعليك الشكر؛ لأن الشكر زيادة، وإذا وقع ما لا تحب، فقل لنفسك: لا تحسبه شرا لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا، ذكّرها بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو التفعيل الحقيقي.

      ولا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، لقمان الحكيم يقول لولده: واعلم يا بني أنك لن تتقرب إلى الله -عز وجل- بأعظم من أن ترضى بقضائه وقدره فيما تحب وفيما تكره، في الحالتن يكون عندك رضا بقضاء الله وقدره، وتسليم أنه الأحسن والأنفع لك في الدنيا وفي الآخرة.

أعظم ثمرة

     لو أن الإيمان صحّ في قلوبنا على نحو ما ذكرنا، وقمنا بتفعيله بهذا المفهوم الذي بيّناه باختصار شديد، كيف ستؤدى العبادات؟ ستؤدى بمثالية، وستثمر الثمرة المرجوة من فرضها ومن إلزامنا بأدائها بعون الله وتوفيقه.

الصلاة

      فلو أخذنا الصلاة مثالا، كيف نفهم هذه القضية؟ أسألك أسئلة عدة، أنت أصلا لماذا تصلي؟ إيمانا بالله الذي خلقك وبذلك أمرك، ولهذا المعنى العظيم {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}؛ لتكون متذكرا لربك -سبحانه وتعالى- ولإيمانك به. ثم كيف تصلي؟ أنا أصلي كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي». إذا صليت من هذا المنطلق لله -تبارك وتعالى- بإخلاص وصدق، واقتديت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أداء الصلاة كما ينبغي، فماذا تنتظر؟ {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}. ستثمر الصلاة في حياتك، وستكون إنسانا مثاليا؛ لأن الصلاة ستقودك إلى قمة المثالية بعون الله وتوفيقه.

الزكاة

     كذلك الزكاة، قد يقول قائل: ما علاقة هذا بذاك؟ العلاقة قوية جدا ولا انفكاك بفضل الله -عز وجل-، إذا صحّ الإيمان على نحو ما ذكرنا. كيف تتعامل مع المال أيها المسلم يا من لديك المال؟ تتعامل من منطلق أن المال مال الله، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، وأنت بهذا -بفضل الله تبارك وتعالى- تطهّر نفسك كما في نص الآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}، والمعنى أن هذه الزكاة طهارة لك من الشح والبخل والأنانية، ومن العُجب والغرور، ومن الاستعلاء والاستغناء، ومن ثم تتم الطهارة حتى للفقير من الحقد والحسد والكراهية.

الصيام

     لو قلنا: الصيام، فتؤدي الصيام من خلال قاعدة إيمانية متحركة قادرة على دفعك لاغتنام الصيام، وخصوصا من خلال المعنى المشهور الذي هو عنوان الصيام عندنا، من صام رمضان إيمانا واحتسابا، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ فالإيمان هو الذي دفعك لأداء الصيام من منطلق حرصك على احتساب الأجر والثواب عنده -سبحانه وتعالى-، لتنجو بذلك في اليوم الآخر.

الحج

     الحج، وما أدراك ما الحج؟ قمة التوحيد، توحيد المعبود -سبحانه وتعالى-، وتوحيد المتبوع - صلى الله عليه وسلم - القائل: «خذوا عني مناسككم».

المعاملات

     ولو أننا فعلا انطلقنا في معاملاتنا من قاعدة إيمانية فاعلة، فما أعظم الأثر الذي ستتركه هذه المعاملات في الآخرين! صدق ووفاء وأمانة وعهد وأداء متميز ونصح، معاملات متميزة مع القاصي والداني، ومع الأقارب والأباعد، ومع المسلمين وغير المسلمين، حتى مع البهائم والأنعام منضبطة بهذا الإيمان الذي يغذيها ويضبط حركتها على أرض الواقع.

الأخلاقيات والسلوكيات

     كما في تفسير الآية عن ابن عباس وغيره {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال: أي إنك لعلى دين عظيم، فالدين هو العقيدة والشريعة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، بل انظروا لعجيب تربيته لأصحابه في هذا الباب! أفضل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا، أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. والأحاديث في الباب كثيرة جدا.

الأحكام والحدود

     قضية الإيمان مع الأحكام والحدود قضية عجيبة! أنت تؤمن أن الله خصّ نفسه بحق الحكم والتشريع {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، هذا المعنى لو كان فيه حراك للإيمان حقيقي، فسيدفعك للإذعان والتسليم لحكمه -سبحانه وتعالى.

     ولذلك قال المولى -عز وجل- في كتابه -كما في سورة النساء-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، بل الأروع أن جعل الإذعان لحكمه من دلائل الفلاح في الدنيا والآخرة {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

أثر الإيمان في القلب

     إن أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة يظهر من خلال حراك الإيمان في القلب لدفع الجوارح والأركان لأداء العمل الصالح بإخلاص ومتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك تعالوا نطوف مع الدليل، مع القرآن لنتعلم بعض المعاني المهمة، كيف أن الإيمان إذا فُعّل في صورة العمل الصالح المفروض منه والمسنون بشرطي الإخلاص والمتابعة، يثمر الحياة التي لا نظير لها؟ التي يسعى إليها كل عاقل وكل منصف وكل مسلم صادق في إسلامه لله -تبارك وتعالى.

التفعيل الحقيقي للإيمان

     الخلاصة، ما أروع أن نقوم بتفعيل حقيقي للإيمان في قلوبنا ثم تَحَرّكنا من خلال هذا المنطلق، هذا هو طريقنا للتفعيل الصحيح لمقام الإسلام بإحسان في صورة العمل الصالح بإخلاص ومتابعة، هذا الذي سنحيا به الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة ونحقق به الطمأنينة والسكينة، الذي به الثبات والبذل والتضحية والصبر والاحتساب والاحتمال، الذي به الأداء المتميز، وبه ترك المخالفات والمنكرات، والتغلب على النفوس حينما تميل أو تركن.

 

أثر الإيمان

     إن للإيمان أثرا لا نظير له بفضل الله -تبارك وتعالى- في إيجاد الصورة المثالية والشخصية المثالية الآسرة والمعبرة، التي تقول ها أنا ذا، أنا مسلم، هذا أثر إيماني عليّ، صورة مثالية ودعوة صامتة للآخرين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك