رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 1 فبراير، 2022 0 تعليق

محاضرات المخيم الربيعي لتراث الأحمدي ومبارك الكبير – الشيخ غزاي الأسلمي: حسن الظن باللــــه مــــن أعظــــــم العبادات

 

يكمن حسن الظن بالله في ارتباطه بحياة المسلم في كل شؤونه، فحسن الظن بالله من أعظم العبادات، وهو من واجبات التوحيد، كما أن سوء الظن بالله من نواقض التوحيد كما قال الله -تعالى- {الظانين بالله ظن السوء}؛ ولهذا من أحسن ظنه بالله فنظر إلى سعة كرم الله ورحمته وجوده وإحسانه ولطفه بعباده؛ فإن الله يمنحه الرحمة والقبول والتوبة.

     وحسن الظن مبني على العلم بصفات الله -تعالى-، ولهذا بين -سبحانه وتعالى- أن الجزاء من جنس العمل؛ فمن أحسن الظن بالله كان الله عند ظنه، وهذه سنة الله في الخير والشر، أن الجزاء من جنس العمل، «من ستر مسلما ستره الله»، من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة»، والعكس بالعكس «من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته»، فمن أحسن ظنه بالله كان الله عند ظنه، ومن ظن بالله ظن السوء تركه الله وظنه.

أنا عند ظن عبدي بي

     والعبد الذي يحسن الظن بالله يسبغ عليه كراماته، وينثر عليه عطاياه، يقول الله -عز وجل- في الحديث القدسي «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني» معناه -كما قال العلماء-: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن قبول العمل عند العمل، إذا دعا المسلم ربه وهو يحسن الظن بالله أن الله يستجيب دعوته وجد الله عند ظنه، إذا تاب وأناب واستغفر إذا عظم ذنبه وجد الله عند ظنه.

     خطب عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي -كما قال الراوي- خطبة بليغة عظيمة، وفي أثناء خطبته قطعها وبكى ثم قال: «اللهم إن ذنوبي عظيمة وإن رحمتك أوسع، وإن قليل عفوك يمحو ذنوبي كلها فاغفر لي»، فبلغ الحسن البصري هذا القول فقال: «لو كان شيء يكتب بماء الذهب لكتب هذا».

حسن الظن بالله عبادة

     وحسن الظن بالله عبادة كما أن الصلاة والصوم والحج عبادة، ودليل ذلك ما رواه الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن حسن الظن بالله من حسن العبادة»، وسبب ذلك: أنه متى ما حسن ظن المؤمن بالله، حصل له ما يرجو، ونجا مما يخاف، فتأملوا حينما أحاط المشركون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»؛ فكانت العاقبة أن مكن الله له ورد كيد عدوه.

النبي -صلى الله عليه وسلم - يوم بدر

     وتأملوا ما رواه أصحاب السنن عن عمر قال: «نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين يوم بدر وهم ألف رجل، ثم نظر إلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، والأسباب المادية تقتضي غلبة الكثرة، إلا أن الرجاء بالله يعظم حينما تضعف الأسباب، قال: فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة ورفع يديه وهتف بربه قائلا: اللهم إن هذه قريش جاءت بخيلها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدت، اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلا تعبد في الأرض، ولا زال يهتف بربه ويناشده حتى سقط رداؤه عن كتفية؛ فأشفق عليه أبو بكر والتزمه وأعاد الرداء إلى كتفيه وهو يقول: «يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك لما رأى من إلحاح النبي وحسن الظن بربه، فأمد الله رسوله والمؤمنين بالملائكة، ونصر الله جنده وهزم المشركين.

الحجاج وقتل الحسن البصري

     ولهذا يروي يونس بن عبيد الله أنه لما جاء رسول الحجاج لقتل الحسن البصري، وكان الحسن في طائفة البيت فرفع الحسن يديه وقال: «يا صاحبي عند كل شدة، ويا غياثي عند كل كربة، ويا مؤنسي عند كل وحشة، ويا حاضري عند كل كربة، ويا رازقي عند كل حاجة، يا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب صل عليهم وصل على محمد وعلى آل محمد، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا» قال: فنجاه الله -عز وجل.

بلاء يعقوب -عليه السلام

     روى ابن أبي الدنيا أنه لما طال البلاء بيعقوب -عليه السلام- عندما فقد يوسف وبعده بنيامين، استئذن جبريل ربه فأذن له، فقال جبريل ليعقوب: يا يعقوب تملق ربك، قال: يا جبريل وكيف أقول؟ قال: قل: يا كثير الخير، يا دائم المعروف، قال: فأوحى الله -عز وجل- إليه: لقد دعوتني بدعاء لو كان ابناك ميتين لنشرتهما لك» فهذا يدل على أنه ينبغي أن يعظم الرجاء بالله في هذا الموطن، موطن قلة الحيلة.

مما يقوي حسن الظن بالله

     ومما يقوي حسن الظن بالله ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم، فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله عنده تسعا وتسعين رحمة يرحم بها الخلق يوم القيامة»، وعن عمر - رضي الله عنه - قال: «قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، فَقَالَ: للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا متفقٌ عليه». فلا يليق بمسلم حين يعلم بسعة رحمة الله وكرمه أن يقنط من رحمة الله، ولهذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «لو يعلم الفاجر ما عند الله من رحمة ما قنط من جنته أحد»، وفي الأحاديث: «يأتي أناس من المسلمين يوم القيامة بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويجعلها على اليهود والنصارى»، «والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل».

المواطن التي ينبغي أن يحسن المؤمن ظنه فيها

     وكذلك من المواطن التي ينبغي أن يحسن المؤمن ظنه بالله فيها مواسم الخيرات، كرمضان ويوم عرفة، والساعة الأخيرة من يوم الجمعة؛ لأن الله -سبحانه- يمنح عباده نفحات رحمته؛ ليتعرضوا لها وليعلم الصادق من الكاذب؛ ولهذا كان عبدالله بن المبارك -رحمه الله- واقفا بعرفة وهو يوم عظيم يباهي الله به، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبدالرحمن من أشقى الناس؟ فقال: أشقى الناس من ظن أن الله لا يغفر له في هذا اليوم «هذا هو حسن الظن بالله وأنه في هذا الموطن لا ينبغي إلا أن يستحضر المرء سعة كرم الله ورحمته وجوده، ولربما قال الإنسان إنما يستجيب الله لأهل الخير والإحسان والمعروف، فمن لذوي المعاصي والمقصرين والمذنبين؟!.

وسعت رحمته كل شيء

     الله -سبحانه- قد وسعت رحمته كل شي؛ء ولهذا قال سفيان بن عيينة: «لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنة الله عليه؛ إذ قال: {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ}.

ولهذا إنما يحسن المؤمن ظنه بالله إذا أحسن العمل، كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: «إن المؤمن أحسن العمل فأحسن الظن، وإن الفاجر أساء العمل فأساء الظن».

أقسام الناس في حسن الظن

الناس في الظن قسمان: أحدهما يحسن الظن بالله والآخر يسيء الظن بربه؛ ولهذا قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله».

     فالمؤمن الذي يحسن الظن بالله يخلص دعاءه له -سبحانه- كما قال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، وأخلص استعانته بالله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وأخلص استغاثته بالله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، وأخلص توكله على الله {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}، وأخلص أعماله وأقواله وعبادته لله فكان الله عند ظنه.

أما الذي أساء الظن بالله فظن أن الله لا يغفر الزلة، ولا يشفي المريض، ولا يقضي الحاجات، فتوجه إلى غير الله ليطلب المدد منه، ولجأ إلى من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وأساء الظن بالله فكان الله عند ظنه.

حسن الظن بالله عند قرب الأجل

     وإحسان الظن بالله عند قرب الأجل ينفع صاحبه؛ ولهذا لما حضرت الإمام أحمد الوفاة قال لابنه: يا بني اقرأ علي الأخبار في حسن الظن بالله حتى يلقى الله على ظن حسن، ولما مرض معاوية - رضي الله عنه - مرضه الذي مات فيه، وفد إليه الناس يعودونه؛ فقال لأهله: مهدوا لي فراشا وأسندوني، وأوسعوا رأسي دهانا ثم أكحلوا عيني بالإثمد ثم ائذنوا للناس يدخلوا ويسلموا علي قياما ولا تجلسوا عندي أحدا، ففعلوا ذلك؛ فلما خرجوا من عنده أنشد يقول:

وإذا المنية أنشبت أظفارها

                                         ألفيت كل تميمة لا تنفع

وقيل لما دنا منه الموت تمثل بهذا البيت

هو الموت لا منجى من الموت والذي

                                         نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع

     ثم رفع يديه وقال اللهم أقل العثرة واعف عن الزلة، وعد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا يثق إلا بك؛ فإنك واسع المغفرة، وليس لذي خطيئة منك مهرب، ومات - رضي الله عنه -؛ فهذا يدل على أن السلف -رحمهم الله- كانوا يحرصون على إحسان الظن بالله عند قرب الأجل، بل إن ذوي المروءة والشهامة والنبل من الناس إذا أحسن الإنسان بهم الظن ما خيبوا ظنه فيما يقدرون عليه، فما ظنك بأكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأرحم الرحمين إذا أحسن المرء به الظن؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك