محاضرات المخيم الربيعي لتراث الأحمدي ومبارك الكبير – الدعوة السلفية دعوة للعلم
الحقيقة أن الكلام عن فضائل العلم يطول به المقام، فحسبنا أن نُذَكّر ببعض ما جاء في كتاب الله -تبارك وتعالى- وبما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من فضل العلم وشرف أهله، فالله -سبحانه وتعالى- شرف أهل العلم في كتابه في مواضع كثيرة؛ فقال -عز وجل-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}؟ والجواب: لا يستون، وإنما حذف الجواب؛ لأنه متقرر عند السامعين أنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم.
وفي قوله -سبحانه وتعالى-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}، ويكفي في شرف العلم وأهله أن الله -سبحانه وتعالى- استشهد أهل العلم ورفع قدرهم وأخبر أنهم يعلمون من دون الخلق؛ لأنه واحد وهو المتفرد بالألوهية، وقد جاءت شهادتهم بعد شهادة الملائكة المقربين الذين يسبحون الله -عز وجل- الليل والنهار لا يفترون، وهذا كما قال أهل العلم في التفسير من أشرف ما يكون للعلم وأهله.
يرفع الله أهل العلم
وأيضًا أخبر الله -عز وجل- أنه يرفع أهل العلم، قال -تعالى-:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}؛ فأهل العلم يرفعون ويشرفون على إخوانهم الذين شاركوهم في الإيمان بالله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيتقدمون عليهم؛ لذا حرص أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم، وتفرغوا له وشدوا له الرحال، وثنوا عند نبي الله - صلى الله عليه وسلم - الركب، وفاتهم في أول الأمر ما فاتهم من الدنيا، فأبو هريرة - رضي الله عنه - وهو ممن أسلم متأخرا أي قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين تقريبًا- إلا أنه فاق الصحابة في الحفظ لملازمته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يلزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على جوع شديد وفقر وحاجة، حتي إنه كان ليخر مغشيًا عليه أحيانًا من شدة الجوع، ولا يترك مجالس النبي - صلى الله عليه وسلم .
مطلب أساسي للداعية
العلم مطلب أساسي للداعية إلى الله -عز وجل-؛ فمن يريد أن يدعو إلى الله -سبحانه وتعالى- فالعلم هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الدعوة، والدعوة إلى الله -عز وجل- عمل صالح يحبه الله -سبحانه وتعالى-، وهذا العمل لابد له من علم قبل الدخول فيه، فهذا الإمام البخاري -رحمه الله- بوب بابا في كتابه: باب (العلم قبل القول والعمل)، ثم ذكر قول الله -عز وجل-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، فبدأ بالعلم قبل العبادة والعمل، وهذا كما هو متقرر عند أهل السنة والجماعة أن العمل الصالح لا يقبل إلا بشرطين: الشرط الأول: الإخلاص، والشرط الثاني: أن يكون وفق هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يحتاج إلى علم؛ بحيث تكون عبادتك وعملك ودعوتك وفق الكتاب والسنة حتى يقبل الله -عز وجل- منك هذه الدعوة وهذه الطاعة؛ ولهذا فالعلم هو الأساس الذي تبنى عليه الدعوة.
العلم حصن للدعوة
فالدعوة إذا ُبنيت على غير علم تخبط أصحابها؛ ولهذا قال الله -عز وجل-: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وإذا لم يكن عند الدعوة علم يحصنها من الضلال تخبطت، وهذا الذي حصل في كثير من الدعوات البعيدة عن العلم، حصل أن تخبط أهلها وتخبط دعاتها وتخبط رؤساؤها فحرفوا نص الكتاب الصريح، وخالفوا السنه النبوية، ومازال هذا الضلال يمتد ويتسع مع مرور الزمان حتى صار أصحابها في واد والإسلام في واد آخر؛ وهذا سببه البعد عن العلم الشرعي الذي يعصمك من الخطأ والضلال.
العلم زاد الداعية
العلم الشرعي يعد الزاد للداعية، وكما تعلمون أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالداعية إلى الله إذا لم يكن عنده علم يدعو الناس إليه فإلى أي شيء يدعو؟ وإذا لم تكن عنده قواعد أو ركائز في العلم فإلام يدعو الناس؟ ولهذا قال الله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فما الحكمة؟ الحكمة: تطلق على كتاب الله، وتطلق على سنة رسول الله، والدعوة إلى الله تكون بالحكمة والعلم النافع وتذكير الناس بما أمرهم الله -تعالى- به، وما نهاهم عنه.
الدعوات الجاهلة
فالداعية إذا كان جاهلا ربما أفسد أكثر مما يصلح، قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: «من عبد الله بالجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح»؛ ولهذا فإن أعداء الإسلام يشجعون الدعوات الجاهلة، فالدعوة إذا كان فيها جهل أو كان فيها غلو وكان فيها وحشية لا تتفق مع القرآن ولا تتفق مع السنة، فإنهم يشجعون هذه الدعوات وربما يمدونها بالمال، ويمكنون لها في الأرض مثل دعوات التصوف ودعوات الخروج والتكفير، لو نظرت فيها لرأيت أنها تساند وتعان من أعداء الله -عز وجل- وأنها تضر بالإسلام؛ لأنها تشوه صورة الإسلام، وتنفر الناس عن دين الإسلام؛ ولهذا قال الله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال الله -تعالى- على لسان رسوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} والبصيرة هي العلم النافع والمعرفة التامة بالقرآن والسنة ومعرفة ما يجب على الإنسان أن يقدمه للناس، فهذا علم قائم بذاته.
بماذا تبدأ؟ وكيف تبدأ؟
فكونك تعرف أيضا بماذا تبدأ؟ وكيف تبدأ؟ فهذا علم أيضا يحتاجه الداعية؛ لهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسل معاوية إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قوما أهل كتاب» هذا أولا تمهيد لمعاذ أن يستعد لجدال هؤلاء، أنت عندما تأتي لجدال قوم أهل كتاب وعلم ليسوا مشركين ولا جهلة ولا وثنيين هذا يعطينا التفاته وإشارة إلى اختلاف حال الدعوة في البيئة الشركية الوثنية عن الدعوة في بيئة أهل الكتاب، فأهل الكتاب يتفقون معك في المعتقدات والنبوات والرسالات والإيمان بالملائكة والإيمان بالجنة والإيمان بالنار وأمور كثيرة فيها تحذير وتبديل وتغيير، لكن هذه الأصول موجودة ولهذا نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذا، والقرآن مليء بإقامة الحجج على أهل الكتاب وبيان باطلهم، وبيان تحريفهم لكتبهم، وبيان ما اقترفوه بحق أنبيائهم.
معاذ من علماء الصحابة
ومعاذ - رضي الله عنه - كان من علماء الصحابة الذين شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان أعلم الصحابة وكان معاذ له مسجد موجود إلى يومنا هذا، وهذا فضل الدعاة أنهم إذا أنشؤوا دعوة فالله -سبحانه وتعالى- يجري عليهم الأجر إلى يوم القيامة، تخيل أنك تأتي إلى قرية أو بلد مشرك كافر تقيم فيها دعوة التوحيد فهؤلاء وأولادهم وأولاد أولادهم لك أجرهم إلى يوم القيامة، وهكذا لو علمت إنسانا في بلدك الخير وعلمه هو لأولاده وأولاده علموه لأولادهم وهكذا، فالأمر لا يشترط أن تسافر إلى أقصى الدنيا، المسلمون اليوم بحاجة إلى التعليم؛ فالنبي قال لمعاذ ذلك ليستعد ثم قال له - صلى الله عليه وسلم -: «فليكن أول ما تدعوهم إلية شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، قال أهل العلم: هذا يفيد أن العلم يرتب أولويات الدعوة، الإنسان إذا تعلم العلم النافع الشرعي يعلم بماذا يبدأ؟ عندما أتي إلى قوم أدعوهم إلى الله -عز وجل- أعلم بماذا أبدأ؟ أبدا بدعوتهم إلى التوحيد أم أبدا بدعوتهم أن لبس الخاتم من الذهب للرجال حرام مثلا؟
اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم
لذلك من يدعو على بصيرة وعلى علم وعلي اقتداء فدعوته تكون فيها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، كم مكث النبي في مكة يدعو الناس إلى التوحيد؟ ثلاث عشرة سنة وهو يدعوهم إلى التوحيد، غالب دعوته التوحيد مع تحذير من المنكرات والفواحش والدعوة إلى مكارم الأخلاق، لكن كانت صلب دعوته التوحيد، هذا لا يمكن أن يتعلمه الإنسان إلا عن طريق الكتاب والسنة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: «فإن هم أطاعوك في ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» فما بدأ بالصلاة، هل تنفع المشرك الصلاة؟ لا إذا لم يكن عنده إيمان وتوحيد ما تنفعه صلاته؛ ولهذا يبدأ الداعية بالتوحيد أولا ثم بالصلاة «فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم».
الأولويات والمنطلقات والأسس
فالعلم الشرعي يعلم الإنسان الأولويات في الدعوة والمنطلقات والأسس التي يبني عليها دعوته، فلا شك أن العلم الشرعي والرجوع إلى أهل العلم والاقتداء بهم وسؤالهم فيه العصمة من الخطأ، وفيه العصمة من الزلل والوقوع في الفتن؛ ولهذا الدعوة السلفية القائمة على الكتاب والسنة هي أقوى الدعوات وأصحها وأسلمها من الشرور والفتن، وأنجح الدعوات في العالم كله، والثمرات لهذه الدعوة -والحمد لله- الكل يلمسها والكل يشعر بها، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
لاتوجد تعليقات