رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 4 أغسطس، 2022 0 تعليق

محاضرات المخيم الربيعي – الإسلام دعوة العلم والعمل (2)

 

دعوة الإسلام ليست دعوة عبادة فقط إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم  معلمًا يستغل كل أوقاته في التعليم

المرأة في الجاهلية كانت تُقتل وفي الإسلام أصبحت فقيهة عالمة مستشارة يرجع إليها كبار الصحابة

كان النبي صلى  الله عليه وسلم يقرئ أصحابه القرآن ويعلمهم الحكمة وأمور الدين

 

ما زلنا نستعرض محاضرة الشيخ د. وليد الربيع التي ألقاها في المخيم الربيعي لفرع جمعية إحياء التراث في منطقة الأحمدي والصباحية بعنوان: (الإسلام دعوة العلم والعمل)؛ حيث بين د. الربيع أنَّ الدعوة السلفية هي دعوة الرجوع إلى مصادر الإسلام الأصيلة، والتمسك بالأحكام الشرعية التي أنزلها الله -تعالى- على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الإسلام النقي الصافي الخالي من الانحرافات العقدية والعبادية والشركيات والضلالات والبدع، ثم ذكر بعضا من مظاهر الجاهلية وذكر منها قتل الأولاد، واليوم نستكمل الحديث عن هذا الموضوع.

أنواع النكاح في الجاهلية

     ومن مظاهر الجاهلية كذلك، أنواع النكاح، ذكرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء، قالت: النكاح -نكاح الناس اليوم- أن يطلب الرجل يد ابنة رجل آخر فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر، كان الرجل يقود امرأته إذا طهرت من طمثها، قال لها أرسلي إلى فلان الوجيه أو الفارس أو الشاعر أو الغني، اذهبي فاستبضعي منه، ثم تأتي فيعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، وهذا ما يسمونه نكاح الاستبضاع.

     قالت: ونكاح آخر، يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومرت ليالي تناديهم وتقول: قد علمتم ما قد جرى منكم، وهذا ولدك يا فلان، فلا يستطيع أن يمتنع منه ويُنسب إليه.

     قالت ونوع رابع، وهو أن يجتمع ناس كثير يدخلون على المرأة، وهذا نكاح البغايا يضعون رايات على بيوتهن وأماكنهن والناس يأتوهن، فإذا حملت من هذا الجمع الغفير تنادي على من تشاء وتنسب الولد إليه.

     ومن نكاح أهل الجاهلية أن يتزوج الرجل امرأة أبيه بعد موته، قال ربنا -عز وجل-: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلً}، يقول ابن عباس كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، وسُمِّي مقتا لأن الزوج الجديد سيكره الزوج القديم، فالولد سيمقت أباه.

تبادل الزوجات

       والأعجب من هذا كان عند الجاهلية تبادل الزوجات، قال عبدالرحمن بن زيد فيما أخرجه الطبري بسنده وابن كثير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال: هذا شيء كانت تفعله العرب، يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلّي عن امرأتك وأنزلّك عن امرأتي وأزيدك، قال فأنزل الله -عز وجل- في سورة الأحزاب {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}، قالت: فلما بعث الله محمدًا -[- هدم النكاح في الجاهلية كله إلا النكاح في الإسلام اليوم، هذه أمثلة، ولو جئنا إلى الربا والاسترقاق واستضعاف اليتامى الأمر يطول.

منتهى الجهل والضلال

     فالمقصد من هذا العرض التاريخي ومن هذه المقدمة أن هذا كان حال الناس، منتهى الجهل والضلال في العقائد والأخلاق والمعاملات المالية والأحوال الأسرية فضلا عن السلب والنهب واستباحة الحرمات، فكيف استطاع النبي -[- في عشرين سنة أن ينقل العرب هذه النقلة النوعية؟، كيف استطاع أن يغير هذا التغيير الجذري في عشرين سنة؟، هذا المجتمع الجاهلي الذي ليس له معالم للعلم ولا للحضارة، مجتمع يعيش في الضلال، مجتمع يغذي فيه الرجل كلبه ويقتل ولده؛ لأن الكلب يحميه ويحرسه، كيف استطاع النبي في عشرين سنة أن يقلب هذه الموازين؟!

جيل من الفقهاء والحكماء الربانيين

     ولهذا تجد أنه في عشرين سنة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج جيل من الصحابة فيه الكثير من الفقهاء والحكماء الربانيين، ليس فقط الرجال، بل النساء أيضًا، الخلفاء الراشدون، عبدالله بن مسعود، عبدالله بن عمر، عبدالله بن الزبير، عبدالله بن عمرو بن العاص، زيد بن ثابت، أبي بن كعب، أبو هريرة، أبو سعيد الخدري، جابر، أبو موسى، علماء أفذاذ قضاة محدثون فقهاء.

حتى النساء أمهات المؤمنين

     حتى النساء أمهات المؤمنين، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة أقل من عشرين سنة وكان الصحابة يرجعون إليها، بل كانت تستدرك عليهم كما عقد بدر الدين الزركشي في كتابه (الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة)، ذكر أن عائشة استدركت على كبار الصحابة وأولهم أبوها - رضي الله عنه -، ورجع إلى رأيها، واستدركت على عمر، واستدركت على عليٍّ، واستدركت على ابن عباس، وعبدالله بن عمر، بما كان عندها من العلم، وكذلك استدركت استدراكات عامة، بلغها بعض الأحكام فصوبت هذه الأحكام. وكان معاوية يرسل إليها من الشام وهي في المدينة يستفسر منها، وكان عمر - رضي الله عنه - إذا حدث خلاف يقول: ارجعوا إلى عائشة.

      فانظروا، في الجاهلية كانوا يقتلون البنت، وفي الإسلام أصبحت فقيهة عالمة مستشارة يرجع لها كبار الصحابة لمعرفة ما كان عليه النبي ويأخذون بقولها، بل هي تستدرك وتصوّب لهم.

كيف استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحقق هذا الأمر؟!

كيف في عشرين سنة نقل هؤلاء من قمة الفوضى والضلال إلى قمة الإسلام والنظام.

أولا: بالعلم والتعلم

      فدعوة الإسلام دعوة علمية، نلمس هذا من الآيات التي خاطب الله -تعالى- فيها نبيه قال -عز وجل-: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}، وفي آيات أخرى يقول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. ومن ثم قال -عز وجل-: {ووجدك ضالا فهدى}، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يلخص هذا الأمر في صحيح مسلم، حديث طويل في آخره يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما وميسرا»، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان هاديا رحيما، ومعلما حكيما.

رفق النبي - صلى الله عليه وسلم

     في حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة والنبي دعاه وعلمه، يقول معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان معلما، فدعوة الإسلام ليست دعوة عبادة فقط، إنما كان النبي معلما، له منهج في التعليم، وكان يستغل كل أوقاته في التعليم، اتخذ دار الأرقم دارا للتعليم، كان يجتمع هو وأصحابه يقرئهم القرآن ويعلمهم الحكمة والسنة، ويعلمهم الدين، كذلك لما انتقل إلى المدينة اتخذ المسجد معهدا تعليميا.

الإسلام دعوة علمية

     فانظر كيف أن الإسلام دعوة علمية، أول ما أُنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله -تعالى-: {اقرأ}. العرب أمة أمية كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا والشهر هكذا» وهذا وصف للواقع ليس معناه أن الأمية أمر مستحسن، فكان قليل من العرب من يُحسن الكتابة، ومع ذلك أول كلمة نزلت من السماء أوحى الله بها إلى النبي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وهذا تكليف للنبي وللأمة من بعده، فلابد أن تكون الأمة، أمة قراءة {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وهذا فيه إشارة إلى ضرورة محو الأمية.

محو الأمية

     ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - حرص على أن الناس تقرأ وتكتب ويتعلمون، فأول نقطة نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في منهجه هي محو الأمية، كما جاء في طبقات ابن سعد قال أحد الصحابة: أسر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سبعين أسيرا، وكان يفادي بهم، من كان عنده مال فليفك نفسه ومن لم يكن عنده مال ويُحسن الكتابة فليعلم صبيان المسلمين، قال: وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون؛ فمن لم يكن له فداء، دفع إليّ عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلّمهم فإذا حَذِقوا فهو فداء، قال: وكان زيد بن ثابت ممن عُلِّم.

زيد بن ثابت - رضي الله عنه 

     زيد بن ثابت - رضي الله عنه - من نجباء أطفال المدينة، لما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كما أخرج ذلك البخاري تعليقا أُتِيَ بزيد بن ثابت إلى النبي فأُعجِبَ به، فقالوا له: هذا غلام من بني النجار، قرأ فيما أنزل الله إليك بضعة عشر سورة، فاستقرأني، فقرأت سورة ق، فقال لي: تعلم كتاب اليهود، فإني لا آمن اليهود على كتابي. ولسان اليهود العبرانية. يقول: فتعلمته في نصف شهر حتى كتبت له إلى اليهود، وأقرأ له إذا كتبوا إليه. وفي رواية أخرى أخرجها الحافظ ابن حجر واستحسن إسنادها، قال فيما رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت أن النبي أمره أن يتعلم السريانية وهي لغة أهل الشام، يقول: فتعلمتها في سبعة عشر يوما؛ فمن ذكائه ونجابته تعلم الكتابة على أيدي أسرى بدر، ثم تعلم العبرانية في خمسة عشر يوما، ثم تعلم السريانية في سبعة عشر يوما وأصبح مترجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكاتب الوحي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك