رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 10 أغسطس، 2022 0 تعليق

محاضرات المخيم الربيعي – الإسلام دعوة العلم والعمل (3)

 

ما زلنا نستعرض محاضرة الشيخ د. وليد الربيع التي ألقاها في المخيم الربيعي لفرع جمعية إحياء التراث في منطقة الأحمدي والصباحية وكانت بعنوان: (الإسلام دعوة العلم والعمل)، وقد أكد د. الربيع في ختام محاضرته اعتناء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعلم والتعلم وأنه كان السبب في نقل هذه الأمة من قمة الفوضى والجاهلية إلى قمة الإسلام والنظام.

التعلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم

المحدثون (مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي)، عقدوا كتبا في جوامعهم وصحاحهم (باب العلم)، ذكروا فيه الأحاديث الكثيرة، لو أخذنا مرورًا سريعًا على صحيح البخاري (كتاب العلم)، ونظرنا فقط في الزخم الكبير، والجهد العظيم، والاستمرارية في التعلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. على سبيل المثال:

تعليم الإنسان من أول يوم في الإسلام

النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على تعليم الإنسان من أول يوم في الإسلام، عمير بن وهب كافر يُسمى شيطان قريش، اتفق مع أحد الكفار على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت قصة طويلة، الشاهد فيها أن الرجل أسلم، فلما أسلم قال النبي للصحابة: فقّهوا أخاكم في الدين وأقرئوه القرآن.

اختبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه

    كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختبر أصحابه، قال البخاري باب (طرح الإمام المسألة)، ثم ذكر حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم..الخ».

حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم

      وفي البخاري باب (من قعد حيث انتهى به المجلس)، ثم ذكر حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا في المسجد والناس معه؛ إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف الثالث، فبين لهم النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه»، يقول ابن حجر في هذا الحديث: فيه فضل ملازمة حِلَق العلم والذكر، وجلوس العالم والمُذكّر في المسجد، أيضا لما يأتيه الوفود كان يحثهم على العلم، جاء مالك بن الحويرث قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - ونحن شببة متقاربون، فمكثنا عنده بضعة وعشرين ليلة، وكان رسول الله رحيما رفيقا. فلما ظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، قال: ارجعوا إلى أهليكم فمروهم وعلموهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمّكم أكبركم.

تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يدًا بيد

      وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعلّم الصحابة يدا بيد، ويتابعهم ويراجع لهم، يقول ابن مسعود: والله لقد أخذت من فيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة، والله لقد عَلِمَ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم، يقول ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن. ويقول ابن مسعود: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفي بين كفيه.

استغلال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمواقف

      كثير من الصحابة كان يقول بينما أنا أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لي كذا وكذا، حتى في الجنازة يقول في حديث البراء: هل تعرفون أمر البرزخ وما يكون فيه المؤمن والكافر؟ لما حضرت الجنازة رفع النبي رأسه ثم خفضها ثم قال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، ثم ذكر لهم هذا الحديث العظيم في شأن أمر من أمور العقيدة، وهو ما يجري في القبر، حتى في الخطبة، كان يترك الخطبة ويعلم. يقول في الحديث المتفق عليه أن رجلا دخل المسجد فقال: يا رسول الله، رجل غريب يسأل عن دينه، فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الخطبة ودعا بكرسي وجلس يعلم الرجل ثم عاد إلى خطبته، قطع الخطبة حتى يعلم هذا الإنسان أمور دينه، هذا يفيدنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معلما حكيما دؤوبا لا يترك فرصة إلا ويعلم.

الإسلام دعوة علمية

      بعد هذا البيان أدركنا أن الإسلام دعوة علم من أول يوم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معلما؛ فالدعوة السلفية دعوة إلى الإسلام الصحيح، ومن ثم هي دعوة علم، دعوة عمل كما قال -عز وجل-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ}، قال المفسرون: الهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، فمطلوب من الإنسان المنتسب إلى هذه الدعوة المباركة أن يطلب العلم، وهنا لنا وقفات:

الوقة الأولى: ليس للعلم سن

      أول وقفة أنه ليس للعلم سن، أخرج البخاري عن عمر أو ذكره تعليقا قال عمر - رضي الله عنه -: تفقهوا قبل أن تسودوا، قال البخاري تعليقا: وبعد أن تسودوا، وقد تعلم أصحاب النبي في كبر سنهم، فالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بُعث على رأس الأربعين، وكان أول من أسلم أبو بكر وكان أصغر من النبي بسنتين وصاحب النبي عشرين سنة، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عمره ستين سنة.

      وعمر - رضي الله عنه - أسلم قبل الهجرة بشيء قليل كان عمره قريبا من الثلاثين سنة، فطلب العلم وهو كبير، وصار عمر بن الخطاب، الخليفة الراشد، المحدث الملهم؛ فليس في العلم سن.

      وقيل لعمرو بن العلاء هل يحسن بالشيخ أن يتعلم؟ قال: إن كان يحسن به أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم؛ لأن بالعلم يدرك معالي الأمور، وينأى بنفسه عن سفاسف الأمور، وعن الخطأ في العبادة وفي العقيدة، ويقول ابن عقيل الفقيه الحنبلي: إني لأجد من لذة الطلب وأنا ابن ثمانين أشد ما أجد وأنا ابن أربعين.

أمثلة لمن طلب العلم وهو كبير

وأضرب لكم بعض الأمثلة ممن طلب العلم وهو كبير وأصبح فقيها وهو كبير:

      هذا صالح بن كيسان من التابعين، ولد في المدينة سنة أربعين، طلب العلم -كما يقول أصحاب السير والتراجم- كهلا وأصبح من كبار التابعين.

وقاضي القضاة في مصر الحارث بن مسكين، يقول الذهبي في السير: إنما طلب العلم على كِبَر.

      الحافظ عيسى بن موسى الملقب بخنجار، قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب العلم على كبر السن، ورحل في طلب الحديث وهو كبير.

       والكسائي صاحب القراءة السبعية وشيخ العربية، يقول الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على كِبَر، وكان قد جاء من سفر فجلس مع جماعة من النحويين وقال: قد عييت، قالوا: تجلس معنا وتلحن باللغة العربية؟! فقال: وماذا قلت؟ قالوا: إذا تعبت قل أعييت، وإذا انقطعت بك الحيل قل عييت. ومن هنا كانت انطلاقته لطلب العلم، وكان إماما في النحوية. يقول الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي. فضلا عن أنه صاحب قراءة مشهورة.

      العز بن عبدالسلام سلطان العلماء، العالم الشافعي الكبير، لم يطلب العلم إلا بعد كبر؛ لأنه كان فقيرا جدا في بدايته وطلب العلم على كِبَر. وغيرها من الأمثلة الكثير على أن العمر ليس حاجزا لطلب العلم، ويستطيع الإنسان أن يطلب العلم حتى لو كان كبيرا.

ما العلم المطلوب؟

      العلم مجال واسع، لكن ينبغي على الإنسان أن يكون فطنا، كما يقول الشاطبي -في مقدمة الموافقات-: العلم عُقَد ومُلَح، العُقَد يعقد عليها القلب، ومُلَح مما يُستعان به؛ فلا تخلط بين العُقَد والمُلَح. فالعُقَد هي العلوم الأصلية التي يعقد عليها الإنسان دينه، ما يرجع إلى معرفة الله ومعرفة الطريق إليه، ومعرفة المآل، علم العقيدة، علم الحديث، علم التفسير، علم الفقه، هذا ما يحتاج إليه الإنسان، أما الأخبار والحكايات والقصص والتراجم هذا مما يستعين به الإنسان، كما يقول ابن عبد البر: إن الزهري كان يُحَدّث، فإذا انتهى مجلس الحديث قال: هاتوا من مُلَحِكم، فهذا يقول بيت شعر، وهذا يقول حكاية، وكان ابن عباس يُدرّس، فإذا انتهى من التدريس قال: حمّضونا -أي أعطونا أخبارا وقصصا.

      ومن ثم تجد أن كبار العلماء ليس عندهم هذه الحكايات، فلا تجد الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين يحدثونك بقصص وحكايات، إنما العلم، فلا تضيع وقتك وحياتك في أخبار وقصص وحكايات، بل عليك بصلب العلم.

العلم حقائق شرعية

      العلم حقائق شرعية ينبني عليها اعتقاد وعمل، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن العلماء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم»، فالعلم هو الوحي والحقائق الشرعية التي جاءت في الكتاب وفي السنة، فالمقصد من ذلك كله أن النبي -[- بفضل الله -سبحانه وتعالى أولا وآخرا وتسديده وتوفيقه- استطاع أن يُنشئ أمة من ذلك الحطام، ومن ذلك الظلام، ومن ذلك الجهل، أنشأ أمة هي خير الأمم بتوفيق الله -تعالى- ثم بالتعليم المستمر.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك