رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 17 فبراير، 2019 0 تعليق

محاذير التفسير الشخصي للقرآن

 

- انتشر عبر وسائل التواصل تفسير أحد الأطباء للآية رقم 22 من سورة الحجر، من أن تفسير {وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}، أي أن جسم الإنسان لا ينبغي له أن يخزن الماء، وأن فيه ضرراً بالغا عليه، وعدَّد بعض الأمراض التي سببها زيادة التخزين للماء، ولكنه -مع الأسف- غفل عن تفسير العلماء للآية الكريمة، وتجاهل الجوانب العلمية لأهمية الماء لجسم الإنسان والكائنات عموما.

- ففي سياق التفسير للآية رقم 22 من سورة الحجر من قوله -تعالى-: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} يدل على دور الرياح في تحفيز السحاب لإنزال المطر بقدر مناسب، ومكان مناسب لكي يتم تخزينه في باطن الأرض فتنتفع به المخلوقات، وليس للإنسان دور يذكر في هذا الإعجاز الرباني.

- وعلى الرغم من أن الرياح لها دور في نقل حبوب اللقاح إلى النباتات، إلا أن المفسرين يرون أن عملية إرسال الرياح لواقح لها علاقة مباشرة بنزول المطر، واستخدام حرف العطف (فاء) الذي يدل على الترتيب والتعقيب، يوحي بسرعة نزول المطر بعد إرسال الرياح لواقح للسحاب.

- ويقول ابن كثير: «وقوله -تعالى-: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} أي تلقح السحاب فتدر ماء، وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها، وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج، بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج.

- وقال -سبحانه-: {فأسقيناكموه}ولم يقل: {فسقيناكموه} أي لتشربوه وهذا فيه دلالة على أن المقدار الأكبر من المطر يذهب إلى الأرض، ويخزن بقدرة الحكيم العليم؛ لذا قال بعدها -سبحانه-: {وما أنتم له بخازنين} أي: أن قدرة التخزين لله -سبحانه-؛ فهو المسؤول عن صرفه، وليس لكم أن تمنعوه عن أحد؛ فهو بيد الله يسقيه من يشاء، ويمنعه عمن يشاء.

- ويقول الطبري: ويحتمل أن المراد: وما أنتم له بحافظين، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم، ونجعله معينا وينابيع في الأرض، ولو شاء -تعالى- لأغاره وذهب به، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك؛ ليبقى لهم طول السنة، يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.

- وقد مهد الله لهذا المعنى بالآية السابقة لها من قوله -سبحانه-: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (الحجر:21). يخبر -تعالى- أنه مالك كل شيء، وأن كل شيء سهل عليه، يسير لديه، وأن عنده خزائن الأشياء من الصنوف جميعها، {وما ننزله إلا بقدر معلوم} كما يشاء وكما يريد، ولما له في ذلك من الحكمة البالغة، والرحمة بعباده، لا على (وجه) الوجوب، بل هو كتب على نفسه الرحمة. وما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه حيث شاء عاما هاهنا، وعاما هاهنا. ثم قرأ : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } (رواه ابن جرير).

- ويُعدّ الماء أساس الحياة على وجه الأرض؛ فقد قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ففتقناهما وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.

- فالماء يُغطّي حوالي 71% من سطح الأرض، ويُشكِّل معظم أجسام الكائنات الحية؛ إذ تُشكِّل نسبة الماء لدى الشخص البالغ 70-90% من جسمه الكلّي، وما يقارب 99% من الجسم الزجاجي للعين، و90% من الدم، و79% من القلب، و75% من عضلات الجسم وأعضائه الداخلية، و75% من العقل، و30% من العظام.

- وللماء أهمية كبيرة لجسم الإنسان تتلخص في عملية مساعدة الجسم على امتصاص الغذاء من الأمعاء، وإعطائه المرونة الكافية، ويدخل الماء في تركيب اللعاب، و الدموع، ويعمل على موازنة درجة حرارة الجسم، ويساعد في طرد السموم منه، عن طريق البول والعرق، ويمنع ترسب الأملاح، وينشط الدورة الدموية، ويحافظ على حيوية الجسم وطاقته، ويعزز الجهاز المناعي للجسم، ويحسن وظائف الكلى.

- ولا يستطيع الإنسان الاستغناء عن الماء؛ فقد أشارت الدراسات إلى أنّ جسم الإنسان لا يستطيع العيش لأكثر من 8-10 أيام من دون ماء، والمشكلات الصحية عند انخفاض نسبة الماء في جسم الإنسان لا تحصى.

- لذا لا يجوز نشر تفسير شخصي لآيات القرآن الكريم، بحجة أنه التفسير الأوحد، وأن ما ذهب إليه العلماء والمفسرون من قبل ليس مهما.

لندن  7/2/2019

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك