رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. مصطفى أبو سعد 4 فبراير، 2014 0 تعليق

متى يحــدث الصدام مـع المـراهـق؟ (2) عندما نعرض عليهم ما نريد بلغة الأمر المباشر


التركيز على نقاط القوة لدى المراهقي يحولها إلى نقاط تميز والتميز أعظم من القوة

شجع أبناءك على ممارسة ما يستمتعون به من خلال مشاركتهم واحترام اختياراتهم وهواياتهم

 

الأمر يعني الإلزام ووجوب الفعل، والإلزام يعني الإكراه والإجبار.

وهما كلمتان تنفر منهما النفس الإنسانية؛ لذا يقع الصدام مع المراهقين عندما نعرض عليهم ما نريد بلغة الأمر المباشر.

وعندما نكثر من استخدام أسلوب: «افعل.. لا تفعل» دون بيان أو توضيح أو مسوغ.

وحتى لا يقع الصدام مع المراهق، ينبغي أن نستعمل لغة المعايير أو لغة التسويغات، ومتى أتقنها الأهل والمربون، فإن عدد المواقف التي نصطدم بها مع المراهق سيقل قلة ملحوظة.

ما لغة المعايير؟

لغة المعايير ببساطة هي أن نطلب من المراهق فعل أمر ما؛ لأنه سيؤدي إلى نتائج إيجابية، ثم نشرع في بيان تلك النتائج الإيجابية المتوقعة، وتأثيراتها عليه.

وعندما نطلب إليه ترك أمر أو عدم فعل شيء معين، نبين له أن هذا الفعل سيؤدي إلى نتائج سلبية، ثم نشرع في بيان تلك النتائج السلبية المتوقعة، وتأثيراتها عليه.

لغة المعايير هي منهج إسلامي

     إن إسلامنا العظيم يشير إلى هذه اللغة، فعندما أمرنا بالصلاة وإدامتها والمحافظة عليها، بيّن لنا لماذا طلب إلينا أن نصلي؟ مع أن الله -تبارك وتعالى- قادر على أن يأمرنا بذلك دون بيان لحكمة أو ذكر لمنفعة، فقال في الحث على الصلاة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } (العنكبوت:45).

ولما نهانا عن شرب الخمر قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:91).

     ولما حثنا النبي  صلى الله عليه وسلم على إلقاء السلام على من عرفنا وعلى من لم نعرف، بيّن ثمرات هذا السلوك، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم.

وقال  صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام». رواه ابن ماجه.

كان بإمكانه أن يقول: صلّوا فقط، ويقول: لا تشربوا الخمر، ويلتزم المسلم دون أدنى اعتراض، لكنه يعطينا قواعد منهجية للتعامل مع الإنسان وتربيته، من خلال منظومة التشريعات الإسلامية، وآلية تطبيقها في حياة المسلم.

وما أجمل العلم الذي أنتجه العالم المبدع صاحب البصمة (الشاطبي)، رحمه الله وهو يبين المقاصد والعلل.. ولعمري إنه العلم الذي تحتاجه الأمة في نهضتها والأسرة في نهضة أبنائها.

خامسا: عندما نطلب إليهم فعل أشياء في وقت يمارسون فيه أشياء ممتعة

عالم المراهقة يختلف عن عالم الصغار وعالم الكبار، عالم له متطلباته واحتياجاته، عالم له خصوصيته ومقاييسه، فالشيء الممتع في عالم المراهقين، قد يكون بائسا ومملا في عالم الكبار.

لذا يقع الصدام مع المراهق عندما لا ننتبه إلى هذه المسألة، فنطلب إليهم فعل أشياء -حتى لو كانت في نظرنا مهمة- وهم يمارسون أشياء أخرى ممتعة بالنسبة لهم؛ لأن الأهل سيظهرون في تلك اللحظة بصورة الشخص الذي يحرم المراهق من الأشياء التي تسره وتسعده.

ولذلك إذا رأيت المراهق يستمتع بفعل شيء كاللعب بلعبة، أو مطالعة قصة أو ممارسة هواية، أو متابعة برنامج معين، فلا تفرض عليه أن يترك تلك المتعة ليفعل شيئا تطلبه إليه، ولكن اطلب إليه متى ما انتهى.

الجوانب المختلفة لحياة التلاميذ

     هذا هو عنوان الدراسة التي أجرتها منظمة (سيرش إنستيتيوت) الأمريكية، على أكثر من 100000 شاب، واحتوت الدراسة 152 سؤالا، وكان من نتائج هذه الدراسة أن: 19٪ من الشباب قالوا: «من حقهم أن يمضوا ثلاث ساعات أو أكثر كل أسبوع في تلقي الدروس، أو ممارسة فنون المسرح، أو الفنون الأخرى».

كما أوصت الدراسة بتوفير الأدوات والمواد، التي تعينهم على ممارسة ما يستمتعون به، والسماح لهم بالتمرين عليه، واحترام الأوقات التي يتمرنون فيها، مع إظهار الدعم والاهتمام.

إذاً ما الطريقة التي نطلب بها إلى  أبنائنا ما نريد وهم منغمسون في متعتهم؟

     نذّكر المراهق بأن عليه فعل كذا بعد الانتهاء من لعبه أو مطالعته أو مشاهدته، وهذا الأمر لا ينطبق على الأمور التي لا تقبل التفاوض، مثل الصلاة، والذهاب إلى المدرسة، فلا نقصد أن نقول للمراهق: لا تنس أن تصلي بعد الانتهاء من اللعب، بل نذكره بأن الأذان على الأبواب، وبقي للإقامة عشر دقائق مثلا.

قصة: فرس عائشة رضي الله عنها

وهذا الذي ذكرته الدراسة وأوصت به، سبق إليه الإسلام، وكان جزءا من منهجية النبي صلى الله عليه وسلم في التربية، أن يحترم اختيارات الآخرين، ويراعي مشاعرهم.

فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها (مخدعها) ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب. قال صلى الله عليه وسلم : «ما هذا يا عائشة؟».

قالت: بناتي (أي لعبي) ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟

قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان.

قال: فرس له جناحان!! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟

قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه» رواه أبو داود.

سادسا: عندما نركز على اصطياد السلبيات

يقع الصدام مع المراهق عندما نركز على السلبيات التي تصدر عنه، أو عندما نتحدث دائما عن نقاط الضعف لديه، أو عندما نشير باستمرار إلى الأخطاء التي يقع فيها، وفي الوقت نفسه نترك الإيجابيات ونتجاهلها.

     إن التركيز على السلبيات ونقاط الضعف من شأنه أن يقلل من احترام المراهق لنفسه، ويشعره بأنه كائن ضعيف، لا يمكنه الاستقلال عن والديه، وأن نقاط الضعف تلك ولدت معه، وستعيش معه، وعلى الدوام ستبقى جزءا من شخصيته، ومهما حاول أن يغيرها فلن يستطيع، والمحصلة هي شاب محبط، ضعيف الشخصية، ضعيف الثقة بالنفس.

أرنب في المدرسة

هل أركز على نقاط ضعفي أم قوتي؟

من أجمل وأروع القصص الرمزية التي غيرت قناعات عديدة في حياتي وأعدها منهجا لتطوير الذات والتميز.

     إن أرنبا دخل المدرسة، فأجري له اختبار قدرات، فكانت النتيجة أن الأرنب يتقن العدو السريع والقفز فقط، بينما لا يتقن السباحة والعوم في الماء، فَعُدَّ الجري السريع والقفز نقطة قوة في شخصية الأرنب، لا داعي أن تركز عليها المدرسة، وإنما يجب التركيز على نقطة الضعف، وهي عدم القدرة على السباحة.

     وكانت التوصية التركيز على مهارة السباحة، وتقرر أن يدرس الأرنب في الصباح دراسة نظامية، وبعد الظهر يتدرب على السباحة بواقع ساعتين يوميا ولمدة سنة دراسية كاملة، وفي نهاية العامة أعيد اختبار قدرات الأرنب فوجدوا أنه لم يتقدم خطوة واحدة باتجاه إتقان السباحة، وأنه لم يتعلم أي شيء في السباحة.

فقرروا أن يعيد السنة الدراسية، وأن يدرس في الصباح دراسة نظامية، وبعد الظهر يتدرب على السباحة بواقع ثلاث ساعات يوميا، ولمدة سنة دراسية كاملة.

خرج الأرنب من المدرسة وهو مصاب بالإحباط، فرآه طائر (البوم)، فسأله عن سبب تعاسته وإحباطه، فأخبره الأرنب القصة كاملة.

ضحك البوم وقال: لم أر أغبى منك أيها الأرنب ولا أغبى من مدرستك تلك، لو أنك أمضيت سنة كاملة تتعلم لمدة ساعتين يوميا كيف تطور مهارة الجري والقفز لديك، لأصبحت أسرع أرنب وأفضل عداء في الغابة.

والسؤال: إلى ماذا ترشدنا القصة؟

- أهمية التركيز على نقاط القوة لا على نقاط الضعف لدى المراهق، وهذا عكس ما يتلقاه المراهقون من تربية، أو ما يعطى في دورات التعامل مع المراهقين أو دورات تطوير الذات.

- التركيز على نقاط القوة لدى المراهق يحولها إلى نقاط تميّز، والتميز أعظم من القوة، وأن يكون المراهق متميزا يعني أن يكون (رقم واحد) أو (الرقم الصعب)، وأن يكون في المقدمة، وأن يكون من النخبة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك