متى تبدأ التربية الأخلاقية للطفل؟
التربية الأخلاقية للطفل تبدأ عندما يكون الطفل ذا قدرة على أن يعي مسألة إيجاد العلاقات, وهذا الأمر يكون في الشهر الرابع من عمر الطفل ففي هذه السن يكون الطفل قادراً على إيجاد علاقة مع أمه وأبيه,حيث يقوم بتبادل الإرادة والأمر والنهي ومن هذه السن تبدأ عملية التربية وتكون ضرورية.
ومن مرحلة الرضاعة يجب أن يتعلم الطفل بالتدرج ضوابط ومقررات وثقافة عائلته, مثلاً يجب أن يتعلم أنه يستطيع أن يرتضع الحليب من ثدي أمه بشرط ألا يعض حلمة ثدي أمه ويؤذيها, وله الحرية أن يمسح وجه أمه ولكن أن يضربها على وجهها فهذا أمر ممنوع وغير مقبول.
وفي السنة الثالثة يجب أن يتعلم الطفل حسن الأعمال وقبحها, والضرر والخسارة الناتجة عن القبح, ويجب أن يعلم أن العمل السيئ هو العمل الذي يجب ألا يقوم به وأن العمل الحسن هوالعمل الذي إذا قام به الطفل يلقى تشجيعا ومحبة وتحسيناً على صنعه,فيكافأ على العمل الحسن ويعاقب على أداء العمل السيئ.
إن الاستفادة من الأرضية التي يمتلكها الأطفال ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن الطفل يستطيع أن يتعلم,هنا يجب علينا أن نقوم ببناء الأسس الأخلاقية وصور المعاملة والسلوك مع الطفل وذلك في سن السادسة والسابعة من عمره, وهذه الأسس يستطيع الطفل الاستفادة منها طول حياته, وبالأخص فإن سن السادسة والسابعة لدى الطفل تمثل بدء مرحلة تمييز العمل الحسن من العمل السيئ.
أما فيما يرتبط بتعلم الأخلاق بصورة عملية ونظرية؛ فإن هذا الأمر يؤجل إلى مابعد السادسة والسابعة من العمر؛ حيث يستطيع بشكل كامل أن يشعر بالحسن والقبيح، ويشعر أحياناً من قريب أو بعيد بالمسائل الشرعية والمذهبية, وفي كل هذه المراحل فإن القدوة لها تأثير مهم وضروري على الوضع التربوي للطفل.
ملاحظة مهمة
إن الطفل بحاجة إلى الوقت اللازم كي يستطيع الإحاطة بما يتعلق بحياته وعلاقته بالآخرين، وإننا لانستطيع في يوم وليلة أن نعلم الطفل كل ما يتعلق بحياته, فالأصول تقتضي التدرج في التعلم والفهم وتقتضي أن يكون لذلك زمان معين.
إن الإنسان لا يستطيع أن يفرض الضوابط والنظام على أي عمر من الأعمار, فلعله بالإمكان أن نقف ساعة بدون أية حركة ولكن هذا الأمر لا يمكن أن نفرضه على طفل في عمر الثالثة أو الرابعة؛ حيث يكون في هذه السن في حال حركة دائبة ومستمرة, فهو يتحرك باستمرار من دون أن يكون هناك هدف أو دليل لحركته, ويتكلم باستمرار من دون أن يشعر بأن هناك ضرورة لكلامه, وعلى هذا الأساس فإننا نستطيع في كل عمر أن نملي على الطفل ونعلمه شيئاً خاصاً أو أن نتوقع منه أمراً خاصاً, وبدون الاهتمام بالضوابط والمقررات المرسومة لعملية التربية فإن هذه العملية سوف تتعثر وتنقلب إلى فوضى وعندها لا نحصل على الفائدة المرجوة من التربية.
1ـ أهمية التربية الخلقية للأطفال
تضمن القرآن الكريم دستوراً للأخلاق والآداب في جميع مجالات ونشاطات الإنسان، فلم يترك جانباً منها إلا وكان له فيه توجيه وإرشاد.
ومن هذه التوجيهات القرآنية المباركة في مجال التربية الخلقية للأولاد قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13) وقوله عز وجل: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (لقمان:16-19)، فهذه الآيات الكريمات تضمنت دستوراً كاملاً من الأخلاق الرفيعة؛ حيث بدأت بحق الله تعالى لأنه أعظم الحقوق وأجلها، فأمرت بإخلاص العبادة، والنهي عن الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأكبرها، ثم تضع هذه الآيات الولد في مجال من المراقبة الصارمة الكاملة على جميع تحركاته ونشاطاته، فتبين أن الله لا يخفى عليه قدر ذرة في هذا الكون الفسيح؛ مما يوحي للولد بتمام وقوعه تحت بصر الله تعالى وسمعه ومراقبته الكاملة.
وفي جانب آخر توجه الآيات الولد إلى الدعوة من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على تبعات ذلك، وألا يسوقه صلاحه واستقامته إلى الكبر، والغطرسة، واحتقار الناس؛ بل يؤمر بضد ذلك من التواضع وخفض الجناح، والتأدب في محادثة الناس.
وهكذا القرآن الكريم في آيات قليلة يضع دستوراً متكاملاً من الأخلاق والآداب الاجتماعية والفردية مع الله تعالى، ومع كل ذي حق من الناس فيعيش الولد في هذه الحياة وقد تبين له الصواب الصحيح من الخطأ الصريح، فيعرف الهدف من الحياة؛ فلا يكون هملاً ضائعاً بلا نظام يقوده ويقوم سلوكه ويوجهه.
وقد تضمنت السنة المطهرة آداباً وأخلاقاً وتوجيهات كثيرة في هذا المجال، وجاءت بمثل ما جاء به القرآن من التوجيه نحو التزام الأخلاق الحسنة ونبذ السيئ منها. يقول عليه الصلاة والسلام مبيناً منزلة الأخلاق في الإسلام: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار»، ويقول أيضاً: «إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق، ويبغض سفسافها»، فالقائم الصائم المتطوع بهاتين العبادتين العظيمتين لا يبلغ فضل درجة المتحلي بالأخلاق الحسنة، المعامل للناس بطيب نفس، المترفع عن رذائل الأخلاق وسيئها؛ وذلك لأن التطوع بالصيام والقيام من المستحبات وليس من الواجبات، أما الالتزام بحسن الخلق في المعاملة من حقوق المسلم الواجبة، فلا يقوم التطوع مقام الواجب في المنزلة والمكانة، فضلاً عن ما في التزام الأخلاق الحسنة مع الناس من المشقة والمجاهدة التي توجب عظيم الأجر والمثوبة.
وهذه الأخلاق الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم، والسنة المطهرة أخلاق ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تتطور، فلا يمكن بحال أن يصبح الكذب والخيانة في يوم ما من الفضائل، أو الصدق والأمانة من البلاهة والغباء، أو الشتم وبذاءة اللسان من الأدب؛ بل إن ما جاء الإسلام بذمه فهو مذموم إلى يوم القيامة، وما جاء بتحسينه ومدحه فهو كذلك إلى يوم القيامة لا يتغير ذلك أبداً.
وهذا الثابت في الأخلاق الإسلامية يعد من أهم خصائصها وأعظم مميزاتها، التي تنفرد بها عن القيم والأخلاق الوضعية التي يتعارف عليها الناس بعيداً عن وحي الله المبارك.
وهذه الأخلاق -وإن كانت بأمر من الله - لا تصدر عن الإنسان قسراً وفرضاً، بل هي في النفس الإنسانية راسخة تصدر عنها هذه الأفعال بسهولة ويسر، فالخُلق لا يسمى خلقاً حتى يكون نابعاً عن حب ورسوخ داخل النفس، فمن بذل المال على سبيل الندرة لا يعد كريماً سخياً؛ إنما الكريم الذي السخاء والكرم خلقه الدائم الذي لا ينفك عنه، حتى وإن لم يصدر عنه البذل والعطاء لقلة ما في يده.
وفي العموم فإن كل ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أخلاق فإنها لصالح الإنسان ولنفعه، وهي مدعومة بالحجة البالغة، والبرهان الواضح على خيرها وفضلها والمجال فيها واسع للتفكر والتدبر والتأمل لمعرفة عظم هذه التعاليم، ومدى صلاحها للبشر.
وقد أوجد نظام الإسلام في تعاليمه المباركة مجالات كبيرة وواسعة للتطبيق العملي الواقعي لهذه الأخلاق، فلا يقتصر التوجيه الإسلامي إلى هذه الأخلاق على الجانب النظري المتمثل في المواعظ والخطب؛ بل أوجد من المجالات، والعلاقات البشرية المتنوعة، ما يسع تطبيق وممارسة كل هذه الأخلاق والآداب المختلفة. فعلاقة الإنسان بربه ، وعلاقة الآباء بالأبناء، وعلاقة الرجل بأهله، وعلاقته بأقربائه، وجيرانه، والرجل في الطريق، كل تلك مجالات واسعة يجدها المسلم وينطلق من خلالها ليمارس تلك الآداب والأخلاق الإسلامية العظيمة.
وتهدف التربية الخلقية في الإسلام إلى مرام سامية وذلك من خلال تطبيقها وممارستها في واقع الحياة، ومن هذه الأهداف:
1-إرضاء الله تعالى والتزام أمره.
2-احترام الإنسان لذاته وشخصيته.
3-تهذيب الغرائز، وتنمية العواطف الشريفة الحسنة.
4-إيجاد الإرادة الصالحة القوية.
5-اكتساب العادات النافعة الطيبة.
6-انتزاع روح الشر عند الإنسان، واستبدالها بروح الخير والفضيلة.
ولتحقيق هذه الأهداف النبيلة عند الولد، فإن المربي المسلم يستغل فترة الطفولة، وصغر سن الولد، وضعفه وحاجته إليه، وقوة سلطته عليه في توجيهه وتربيته على المنهج الإسلامي القويم؛ فإن تكوين «العادة في الصغر أيسر بكثير من تكوينها في الكبر، وذلك لأن الجهاز العصبي الغض للطفل أكثر قابلية للتشكيل، وأيسر حفراً على سطحه»، ويكاد يجمع علماء النفس والاجتماع والتربية على أن شخصية الطفل، وما سوف يؤول إليه من اتجاهات انفعالية ومزاجية: تتحدد في السنوات الأولى من عمره؛ لهذا كان استغلال هذه الفترة الحرجة من عمر الطفل في توجيهه نحو الخير، وتركيز المعاني الحسنة في نفسه وعقله، له الأثر الأكبر-بعد توفيق الله- في استقامته وصلاحه عند كبره واشتداد عوده. ويشير إلى هذا المعنى الإمام الماوردي رحمه الله مؤكداً أهمية فترة الطفولة في توجيه الولد وتأديبه، فيقول: «فأما التأديب اللازم للأب، فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها، وينشأ عليها، فيسهل عليه قبولها عند الكبر، لاستئناسه بمبادئها في الصغر؛ لأن نشأة الصغير على شيء تجعله متطبعاً به، ومن أغفل في الصغر، كان تأديبه في الكبر عسيراً».
وفي مراحل عمر الولد يلاحظ المربي ويراعي من خلال ممارسته للتربية طبيعة الإنسان، وتكوينه وطبيعة خلقته، فهو كما جاء في الحديث أجوف لا يتمالك، أي: إنه خال من الداخل، ولا يمكنه أن يملك نفسه ويحبسها عن شهواتها وملذاتها، فهو بطبيعته لا يحب التقيد والتكلف، بل يهوى الانطلاق والانفلات من كل قيد ورباط، يقول مِسْكَوَيْه مبيناً هذاالمعنى: «إن الصبي في ابتداء نشوئه يكون على الأكثر قبيح الأفعال إما كلها وإما أكثرها.. ثم لا يزال به التأديب والسنن والتجارب حتى ينتقل في أحوال بعد أحوال».
والمربي عندما يدرك أبعاد المهمة الصعبة التي كلف بها، يستعد للصبر على مشقة التربية والتوجيه، التي تستفرغ جهد سنوات من العمر، فلا يمل طولها، ولا يزهد في أجرها عند الله تعالى، ويدرك إدراكاً لا يخالجه شك أن تحسين الخلق، واستبدال القبيح منه بالحسن، ممكن بالتدريب والمتابعة والمجاهدة، ومهما وجد في ولده من بلادة في الطبع، وسماحة في السلوك، وسوء خلق، فإن تعديل ذلك ممكن تحقيقه، وهذا ما أكَّده الغزالي رحمه الله حيث قال: «لو أن الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله[: «حسنوا أخلاقكم»، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق».
واستدلال الإمام الغزالي، واستشهاده بإمكانية تعديل خلق الحيوان، فيه دليل واضح على إمكانية تعديل خلق الولد، خاصة عند صغر سنه، ونعومة أظفاره، فإذا كان هذا جائزاً في حق الحيوان الأعجم، ففي حق الولد الذي هو أعقل وأقدر على الفهم من البهيمة أولى وأقرب للحصول والتحقيق، لهذا لا ينبغي للأب أن ييأس من إصلاح خلق ولده، بل يلتزم الصبر والمجاهدة والتدريب، حتى يصلحه الله بفضله.
لاتوجد تعليقات