مبعوث الأزهر في نيوزيلندا لـ(الفرقان): الحادث الأخير مؤلم والمحنة تحمل في طياتها منحة
(من المحن تأتي المنح)، بهذه الكلمات بدأ د. علاء عبد المجيد مبارك -مبعوث الأزهر في جمهورية نيوزيلندا-، حديثه حول الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته أكثر من 50 مسلمًا داخل مسجد أثناء انتظارهم للصلاة، وقال مبعوث الأزهر في حواره مع (الفرقان): إن الحادث رغم صعوبته، إلا أنه دفع المجتمع النيوزيلندي إلى التعرف على الإسلام، وطلب النسخ المترجمة من القرآن الكريم والكتب الإسلامية، وظهرت المنحة خلف المحنة، بالتعاطف التام مع الأقلية المسلمة في نيوزيلاندا، وكثافة المصلين في التراويح في شهر رمضان هي أكبر دليل على حب الناس للعبادة وللمساجد.
- في البداية، نريد أن نتعرف على طبيعة عملك في نيوزيلندا؟
- عملي هنا واعظ للمسلمين، وعضو بلجنة الفتوى، ومبعوث الأزهر إلى المركز الإسلامي في الساحل الشمالي في أوكلاند، بجمهورية نيوزيلندا.
وأعمل إمامًا للمركز الإسلامي منذ يونيو 2016م، وطبيعة عملي بالمركز، إلقاء الخطب، ولاسيما الجمعة، وإمامة الصلوات الخمس، وصلاة التراويح في رمضان، وإلقاء المحاضرات والدروس الدينية للجالية المسلمة في المركز، والإشراف على الأنشطة الدينية والعلمية فيه.
- كيف تقرأ هذا الحادث الإجرامي الذي استهدف المصلين؟
- أستطيع القول بعد السنوات الثلاث التي قضيتها هنا: إن هذا الحادث الأليم الذي وقع لإخواننا في مسجدين بمدينة (كرايست تشيرش)، هو حادث فردي، لا يعكس أبدا تعامل المجتمع النيوزيلندي حكومة وشعبًا مع الجالية المسلمة؛ فالجالية هنا إجمالًا تستطيع أن تمارس معتقداتها وعباداتها وأنشطتها الدينية بحرية دون تقييد بما لا يخالف النظام العام للدولة، وهذا ليس خاصًا بالجالية المسلمة فقط دون غيرها، بل هذا لجميع الجاليات أو الأديان والمعتقدات الأخرى؛ فالدولة هنا تكفل حرية ممارسة العقائد للجميع، وفي الحقيقة نيوزيلندا من أقل دول العالم عنصرية في التعامل مع المسلمين، وإن كان هذا لا ينفي تمامًا وجود بعض أفراد المجتمع الذين يحملون أفكارًا عنصرية متطرفة تجاه المسلمين، إلا أن هذا ليس سمة عامة للمجتمع النيوزيلندي.
- هل استشعرتَ هذا المعنى بعد حادث نيوزيلندا الأخير رغم صعوبته؟
- مما لا شك فيه أن هذا الحادث المروع الذي وقع لإخواننا في كرايست تشيرش، حادث مؤلم بما تحمله الكلمة من معنى؛ فهو جرح جديد في جسد أمتنا، وما أكثر جراحاتها، إلا أننا نستطيع أن نقول: إن هذا الحادث ينطبق عليه قول الله -تعالى-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
فقد تحملُ المحنةُ بين طياتها الكثير من المنح؛ فبعد وقوع هذا الحادث كانت هناك الكثير من المنح، ومن أهمها لفت انتباه الكثيرين إلى الدين الإسلامي والجالية المسلمة؛ فهناك الكثيرون في مثل هذه البلاد لا يعرفون شيئًا عن الإسلام سوى ما يسمعونه في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعد وقوع هذا الحادث، رأينا هنا إقبالًا كثيفًا من هؤلاء على المساجد والمراكز الإسلامية، في محاولة للتعرف على الجالية المسلمة، وما تمارسه من أنشطة دينية وثقافية في مساجدها، ورؤية هذه المساجد والمراكز الإسلامية والتعرف عليها، وهذا تبعه محاولة التعرف على الدين الإسلامي ومعتقداته وعباداته وأخلاقه التي ينادي بها، وطلبُ النسخِ المترجمة من القرآن الكريم والكتب الدينية والدعوية.
ولا شك أن هذه فرصة عظيمة للمسلمين في هذه البلاد لعرض دينهم وقضيتهم بصورة عادلة، وإظهار الصورة الحقيقية الطيبة عن الإسلام، ونفي الشبهات والإشاعات التي تثار حول الإسلام والمسلمين.
- كيف كان رد فعل الشعب النيوزيلندي والحكومة النيوزيلندية تجاه الجالية المسلمة؟
- بعد وقوع الحادث، كان رد الفعل من المجتمع النيوزيلندي على مستوى الحدث، سواء كان ذلك على الجانب الحكومي، أم الجانب الشعبي.
والدليل على هذا ما رأيناه من مظاهر الدعم والتعاطف مع الجالية المسلمة، سواء كان على المستوى الحكومي من خلال تصريحات المسؤولين ومواقفهم التي تعبر عن رفضهم التام لهذه الحادثة، بدءًا من رئيسة الوزراء، وأعضاء الحكومة، والبرلمان، والأحزاب السياسية، وغيرهم.
أم كانت على المستوى الشعبي من خلال ما رأيناه من باقات الورود، وكروت الاعتذار، وعبارات الأسف المصاحبة للدموع التي حضر بها أصحابها إلى المساجد؛ لتعبر عن رفض المجتمع النيوزيلندي لهذه الحادثة واستنكاره لهذه المأساة.
ومن مظاهر الدعم والتعاطف التي رأيناها من الحكومة والشعب مع الجالية المسلمة، أنه لأول مرة في تاريخ نيوزيلندا تفتتح جلسة البرلمان بقراءة القرآن الكريم، كما أذيع -لأول مرة أيضاً- الأذان لصلاة الجمعة في الراديو والتليفزيون، وارتداء بعض النساء غير المسلمات للحجاب، ومنهن رئيسة الوزراء، تضامنًا مع المسلمين وحضور صلاة الجمعة معهم.
كما يجب هنا أيضًا أن الإشادة بالدور الذي قام به الأمن النيوزيلندي ومازال، منذ وقوع هذه الحادثة، في الحفاظ على أمن الجالية الإسلامية، وتأمين المساجد ليل نهار من خلال وجوده أمام المساجد في أوقات الصلوات، والأنشطة الدينية، والدوريات التي تمر بين الحين والآخر.
- نريدك أن تحدثنا أيضا عن انتشار الإسلام في نيوزيلندا رغم الحملات التي تمارس ضده.
- من خلال ما رأيته وعايشته هنا في نيوزيلندا أستطيع أن أؤكد أن انتشار الإسلام في أوروبا عموما، وفي دولة نيوزيلندا خصوصا، يسير بطريقة طيبة وبخطى ثابتة، قد يتأثر هذا أحيانًا بالأحداث التي تثار عن المسلمين على الساحة العالمية، وكيفية تناول الإعلام الغربي لهذه الأحداث عن البلاد الإسلامية، وما يحدث فيها، لكن هذا لا يمنع من رؤية انتشار الإسلام في أوساط هذه المجتمعات غير المسلمة.
-هل يمكنا القول: بأن الإعلام الغربي نجح في تشويه صورة الإسلام، وصناعة إسلاموفوبيا تصد الناس عن الإسلام الحقيقي؟
- طبعًا لا نغفل ما تقوم به بعض وسائل الإعلام الغربي خصوصا، ومنصات الـ(سوشيال ميديا) عموما من محاولات تشويه الإسلام، وصناعة الإسلاموفوبيا في محاولات مستميتة لمنع انتشار الإسلام في أوروبا، ونجح الإعلام في أزمنة كثيرة في تشويه حقيقية الإسلام والمسلمين عند الكثيرين في هذه المجتمعات؛ ممن لا يعرفون شيئًا عن الإسلام، إلا من خلال ما يبثه هذا الإعلام؛ ومما يؤكد هذا أنك تجد مؤيدين لمثل هذه الحادثة في أوساط هذه المجتمعات.
وفي الختام ينبغي التنبيه على وجوب تعامل المسلمين في هذه البلاد مع هذه الأحداث تعاملًا ينطلق من أحكام الشريعة الإسلامية التي من أهمها قول الله -تعالى-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
فيجب علينا في ردود أفعالنا تجاه ما حدث أن نكون ملتزمين بأحكام شريعتنا الإسلامية؛ بحيث يكون رد الفعل موافقا لتلك الشريعة الغراء؛ فلا ينبغي أن يؤاخذ المجتمع بخطأ أحد منه، أو حتى بعض أفراده، وليس هناك مسوغ شرعى لإيذاء أحد، لا ذنب له، ولا جريرة له فيما حدث؛ فليس هذا من أحكام شريعتنا ولا من ديننا.
لاتوجد تعليقات