رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد السيد الحمدون 7 نوفمبر، 2022 0 تعليق

ما من إنسان إلا وله بطانتان

ما من إنسان إلا وله بطانة من أصدقاء السوء أو أصدقاء الخير، أو من يأمره بخير ومن يأمره بغير ذلك، وإن كان صالحا في ظاهر الأمر والله -سبحانه وتعالى- هو الذي يوفق الإنسان في الاختيار الصحيح في الأمور المختلفة، فيقيه -بفضله ومنه وكرمه- بطانة السوء، من صاحب أو زوجة أو وزير أو غير ذلك، فيتجنب آراءهم الفاسدة، وتحريضاتهم غير الحكيمة، ويوفقه لبطانة تعمل معه صالحة تهديه بهداية الله إلى صالح الأعمال والأقوال والأفعال.

 

     وقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في أكثر من حديث، منها ما رواه البخاري وغيره عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -  صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي الهَيثَم: «هَلْ لَكَ خادمٌ؟» قَالَ: لَا. قال: «فإذا أَتَانَا سَبْي فَأتِنَا». فأُتِيَ النَّبِيُّ -  صلى الله عليه وسلم - بِرَأسَين لَيسَ معهُما ثَالثٌ فَأَتَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ، قَالَ النَّبِيُّ -  صلى الله عليه وسلم -: «اختَر مِنْهُما». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْتَرْ لِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -  صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المُستَشَارَ مُؤتَمَنٌ، خُذ هَذا فَإِنِّي رأيتُه يُصَلي واستَوصِ بِهِ خَيرا». فَقَالَتِ امرأته: مَا أَنتَ بِبَالغ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ -  صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أنْ تُعْتِقَهُ. قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ -  صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّهَ لَم يَبْعَث نَبِيا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَان: بِطَانَةٌ تَأمُرَهُ بالمَعروفِ وتَنْهَاهُ عَن المُنْكَر، وبِطَانَةٌ لَا تَألُوهُ خَبَالًا، وَمن يُوقَ بِطَانَةَ السُّوء فَقَد وُقي». فأشار النبي -  صلى الله عليه وسلم - بالبطانة الصالحة إلى زوجته التي أمرته بخير مع أن هذا قد يؤدي للمشقة عليها وعلى زوجها في الخدمة، لكنه أعظم لأجرهما عند الله -تعالى-، وهكذا بطانتك الصالحة تهديك إلى الخير.

البطانة هم الأولياء والأصفياء

     والبطانة: الأولياء والأصفياء. وبطانة الرجل: صاحب سره وداخلة أمره، الذي يشاوره في أحواله. والبطانة أيضا السريرة، فسمى من يطلع على السريرة: بطانة. وقوله في الحديث: «لا يألوه خبالا» أي: لا يقصر ولا يترك جهده فيما يورثه الشر والفساد، قال الله -سبحانه وتعالى-: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانةً مِنْ دُونِكم لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً}. وقال الله -عز وجل-: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلاَّ خَبالاً}.

والخبال: الشر والفساد، وقد يكون ذلك في الأفعال، والأبدان، والعقول.

العصمة من بطانة الشر وأهله

     فينبغي لمن سمع هذا الحديث أن يتأدب به، ويسأل الله العصمة من بطانة الشر وأهله، ويحرض على بطانة الخير وأهله. قال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى وأهل الأمانة ومن يخشى الله. قال سفيان: وبلغني أن المشورة نصف العقل. وقال الحسن في قوله -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159).

     قال ابن بطال: وقد علم أنه ليس به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده. وفي هذا الحديث كذلك إثبات الأمور لله، فهو الذي يعصم من نزعات الشيطان، ومن شر كل وسواس خناس من الجنة والناس، وليس من خليفة ولا أمير ولا غيرهم ممن له ولاية وشأن بين الناس إلا والناس حوله رجلان: رجل يريد الدنيا والاستكثار منها، فهو يأمره بالشر ويحضه عليه ليجد به السبيل إلى انطلاق اليد على المحظورات ومخالفة الشرع، ويوهمه أنه إن لم يقتل ويغضب ويُخِفِ الناس ويقصهم ويضيق عليهم لم يتم له شيء، ولم يرض بسياسة الله لعباده ببسط العدل وبخمد الأيدي، وأن في ذلك صلاحًا للعباد والبلاد.

     وَفِي مَعْنَى هذا الحديث حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلًا فَأَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرًا صَالِحًا إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ». قَالَ اِبْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ الْوَزِيرَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكَ وَالشَّيْطَانَ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ؛ النَّفْسَ الْأَمَارَةَ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسَ اللَّوَّامَةَ الْمُحَرِّضَةَ عَلَى الْخَيْرِ؛ إِذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ مَلَكِيَّةٌ وَقُوَّةٌ حَيَوَانِيَّةٌ. ويحتمل غير ذلك من صديق أو زوجة أو ولد وما إلى ذلك.

     قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَمْلُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْلَى؛ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ لَا مَنْ عَصَمَتْهُ نَفْسُهُ؛ إِذْ لَا يُوجَدُ مَنْ تَعْصِمُهُ نَفْسُهُ حَقِيقَةً إِلَّا إِنْ كَانَ اللَّهُ عَصَمَهُ.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك