رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 25 أبريل، 2016 0 تعليق

ما ذمه القرآن من أخلاق الإنسان (7)

- لما كانت الدنيا دار ابتلاء وامتحان بكل ما فيها من نعيم وعذاب وخير وشر، كان لزاما على الإنسان أن يتحصن بما يعينه على اجتياز هذا الامتحان، ومن أهم ما يحتاجه العبد: التفاؤل، والتعامل بإيجابية -كما يقولون- في الأوضاع جميعها، وعدم القنوط، وعدم اليأس.

قاطعني.

- وما الفرق بين اليأس والقنوط؟

- اليأس: انقطاع الأمل، وعادة يكون في القلب.

- القنوط: ظهور أثر اليأس على الجوارح. وهما كلمتان تستخدمان في معنى واحد تجاوزاً.

كنت وصاحبي في جلسة علمية بعد صلاة العصر، نقرأ في مدارج السالكين، وتفرع نقاشنا إلى تفاصيل موضوع اليأس والقنوط.

     دعني أقرأ لك ما ورد في القرآن من آيات عن اليأس والقنوط، يقول تعالى: {لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}(فصلت: 49 - 51)، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}(الشورى: 28)، {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا}(الإسراء: 83)، {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}(هود: 9-10).

وماذا عن تفسير هذه الآيات؟

- أخذ صاحبي يقرأ من أحد كتب التفسير.

- يعني أنه في حال الإقيال ومجيء المرادات لا ينتهي قط إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها ويطمع بالفوز بها، وفي حال الإدبار والحرمان يصير آيسا قانطا؛ فالانتقال من ذلك الرجاء الذي لا آخر له إلى هذا اليأس الكلي يدل على كونه مبتذل الصفة، متغير الحال. وفي قوله: {يؤوس قنوط} مبالغة من وجهين: أحدهما من طريق بناء فعول، والثاني: من طريق التكرير واليأس من صفة القلب، والقنوط أن يظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهرة.

     ثم بين -تعالى- أن هذا الذي صار آيسا قانطا لو عاودته النعمة والدولة، وهو المراد من قوله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته} فإن هذا الرجل يأتي بثلاثة أنواع من الأقاويل الفاسدة والمذاهب الباطلة الموجبة للكفر والبعد عن الله -تعالى-، فأولها: أنه لابد أن يقول هذا لي وفيه وجهان، الأول: معناه أن هذا حقي وصل إلي؛ لأني استوجبته بما حصل عندي من أنواع الفضائل وأعمال البر والقربة من الله، ولا يعلم المسكين أن أحدا لا يستحق على الله شيئا؛ ذلك لأنه إن كان ذلك الشخص عاريا عن الفضائل فهذا الكلام ظاهر السفاد، وإن كان موصوفا بشيء من الفضائل والصفات الحميدة، فهي بأسرها إنما حصلت له بفضل الله وإحسانه، وإذا تفضل الله بشء على بعض عبيده، امتنع أن يصير تفضله عليه بتلك العطية سببا لأن يستحق على الله شيئا آخر؛ فثبت بهذا فساد قوله، إنما حصلت هذه الخيرات بسبب استحقاقي. والوجه الثاني: أن هذا لي، أي لا يزول عني، ويبقى علي وعلى أولادي وذريتي.

- والنوع الثاني: من كلماتهم الفاسدة أن يقول: (ما أظن الساعة قائمة). يعني: أنه يكون شديد الرغبة في الدنيا، عظيم النفرة عن الآخرة، فإذا آل الأمر إلى أحوال الدنيا، يقول: إنها لي وإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول: (ما أظن الساعة قائمة).

- والنوع الثالث: من كلماتهم الفاسدة أن يقول: «ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى» يعني: أن الغالب على الظن أن القول بالبعث والقيامة باطل، وبتقدير أن يكون حقا فإن لي عنده للحسنى، وهذه الكلمة تدل على جزمهم بوصولهم إلى الثواب من وجوه، الأول: أن كلمة إن تفيد التأكيد، الثاني: أن تقديم كلمة لي تدل على هذا التأكيد، الثالث: قوله: «عنده» يدل على أن تلك الخيرات حاضرة مهيئة عنده، كما تقول: لي عند فلان كذا من الدنانير، فإن هذا يفيد كونها حاضرة عنده؛ فلو قلت لي: إن لي عند فلان كذا من الدنانير، لا يفيد ذلك، والرابع: اللام في قوله: «للحسنى» تفيد التأكيد، الخامس: للحسنى يفيد الكمال في الحسنى.

أي: لا يمل دائماً من دعاء الله في الغنى والمال والولد، وغير ذلك من مطالب الدنيا، ولا يزال يعمل على ذلك، ولا يقتنع بقليل، ولا كثير منها؛ فلو حصل له من الدنيا ما حصل، لم يزل طالبا للزيادة.

(وإن مسه الشر) أي: المكروه، كالمرض، والفقر، وأنواع البلايا (فيؤوس قنوط) أي: ييأس من -رحمه الله تعالى-، ويظن أن هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك، ويتشوش من إتيان الأسباب على غير ما يحب ويطلب.

إلا الذي آمنوا وعملوا الصالحات، فإنهم إذا أصابهم الخير والنعمة والمحاب، شكروا الله -تعالى- وخافوا أن تكون نعم الله عليهم، استدراجا وإمهالا وإن أصابتهم مصيبة في أنفسهم وأموالهم وأولادهم، صبروا ورجوا فضل ربهم فلم ييأسوا.

- جميل هذا الكلام، وماذا ورد في السنة؟

- في الحديث عن أبي رزين قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم ضحك ربنا -عز وجل- من قنوط عباده وقرب غيره، فقال أبو زرين: أو يضحك ربنا -عز وجل-؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، فقال أبو زرين: لن نعدم من رب يضحك خيراً». السلسلة الصحيحة.

وقرب (غيره) أي: تغير الحال، وفي بعض الكتب (خيره) بالخاد.

وفي الحديث إثبات صفة (الضحك) لله -عز وجل- بما يليق به -جل وعلا- دون تشبيه ولا تمثيل، ودون كيفية، ولكن نثبت هذه الصفة كما أثبتها أعلم الخلق بالله بوحي من الله -تعالى-.

- هذا في وجوب الأمل وعدم اليأس في جميع الأحوال، ولاشك أن الأعظم في قضية (القنوط) أن يقنط العبد من رحمة الله بتكفير الذنوب وقبوله توبة العبد؛ فهذا من صفات الكافرين، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}الزمر: 53- 55). {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(الحجر: 55-56).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك