رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 23 مايو، 2016 0 تعليق

ما ذمه القرآن من أخلاق الإنسان (10)

- وصف الله الإنسان في كتابه بأنه (ظلوم جهول قتور كفور عجول خصيم هلوع...) وصفات أخرى جاءت كلها بصيغة المبالغة، لكثرة ظلمه وجهله وكفره وعجلته، وذلك أن معظم الناس هذا حالهم، أما المؤمن فينبغي أن ينظر في نفسه، ويرى ما فيه من أخلاق سيئة فيتخلص منها، ومن أخلاق حميدة فينميها؛ لأن الأخلاق من كسب الإنسان.

- وماذا عن علاقة الإنسان بربه؟

كنت وصاحبي في حوار بعد ساعة من صلاة العصر وقبل المغرب بساعة في مايو؛ حيث تمتد فترة ما بين العصر إلى المغرب لثلاث ساعات.

- ماذا تعني بعلاقة الإنسان بربه؟!

- أعني قوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} (العاديات: 6)، وقوله سبحانه: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}(الفجر: 15-16).

- في تفسير هذه الآيات كلام جميل في كتب التفسير، لنجلس على هذا الكرسي قبالة البحر لأقرأ لك شيئا من ذلك من هاتفي.

أخذنا مجلسنا، فتحت كتب التفسير.

قوله تعالى: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهنن كلا}.

بين تعالى أنه يعطي ويمسك ابتلاء للعبد.

      وقوله تعالى: {كلا}، وهي كلمة زجر وردع، وبيان أن المعنى لا كما قلتم، فيه تعديل لمفاهيم الكفار، بأن العطاء والمنع لا عن إكرام ولا لإهانة، ولكنه ابتلاء، بعد ما بين -سبحانه- صحة المفاهيم في العطاء والمنع، جاء في هذه الآيات وبين حقيقة فتنة المال إيجابا وسلبا جمعا وبذلا.

وقد تكرر في القرآن التعرض لإبطال ذلك كقوله: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} (المؤمنون:55-56).

ففاء التفريغ مرتبطة بجملة {إن ربك لبالمرصاد} (الفجر:14)، بما فيها من العموم الذي اقتضاه كونها تذييلا.

والمعنى: هذا شأن ربك الجاري على وفق علمه وحكمته.

     والمراد بالإنسان الجنس وتعريفه تعريف الجنس فيستغرق أفراد الجنس، ولكنه استغراق عرفي يراد به الناس المشركون؛ لأنهم الغالب على الناس المتحدث عنهم، وذلك الغالب في إطلاق لفظ الإنسان في القرآن النازل بمكة كقوله: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (العلق:6-7)، {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه} (القيامة:3). {لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} (البلد: 4-5)، ونحو ذلك ويدل لذلك قوله تعالى: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى} (الفجر:23).

وتقديم: {ربي} على فعل: {أكرمني} وفعل: ( أهانني )، دون أن يقول: أكرمني ربي أو أهانني ربي، لقصد تقوي الحكم، أي : يقول ذلك جازما به غير متردد.

وجملتا: {فيقول} في الموضعين جوابان لـ(أما) الأولى والثانية، أي: يطرد قول الإنسان هذه المقالة كلما حصلت له نعمة وكلما حصل له تقتير رزق.

     وأوثر الفعل المضارع في الجوابين لإفادة تكرر ذلك القول وتجدده كلما حصل مضمون الشرطين. وحرف: { كلا} زجر عن قول الإنسان: {ربي أكرمني} عند حصول النعمة. وقوله: {ربي أهانن} عندما يناله تقتير فهو ردع عن اعتقاد ذلك؛ فمناط الردع كلا القولين؛ لأن كل قول منهما صادر عن تأول باطل، أي ليست حالة الإنسان في هذه الحياة الدنيا دليلا على منزلته عند الله -تعالى-.

     وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً، أما المؤمن فليس كذلك، المؤمن إذا أكرمه الله ونعّمه شكر ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضل من الله -عز وجل- وإحسان، وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق، وإذا ابتلاه الله -عز وجل- وقدر عليه رزقه صبر واحتسب، وقال هذا بذنبي، والرب -عز وجل- لم يهني ولم يظلمني، فيكون صابراً عند البلاء، شاكراً عند الرخاء، وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر فيقول مثلاً: لماذا أعطاني الله المال؟ ماذا يريد مني؟ يريد مني أن أشكر. لماذا ابتلاني الله بالفقر، بالمرض وما أشبه ذلك؟ يريد مني أن أصبر. فليكن محاسباً لنفسه حتى لا يكون مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم؛ ولهذا قال تعالى: {كلا} يعني لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق ولكنه تفضل منه، ولم يهنك حين قدر عليك رزقه، بل هذا مقتضى حكمته وعدله. ثم قال تعالى: {بل لا تكرمون اليتيم}، يعني أنتم إذا أكرمكم الله -عز وجل- بالنعم لا تعطفون على المستحقين للإكرام وهم اليتامى؛ فاليتيم هنا اسم جنس، ليس المراد يتيما واحدا بل جنس اليتامى.

- لقد ذكر الله -تعالى- من أسمائه، (الرب) في هذه الآية وذلك أن اسم (الرب) يناسب الرزق والعطاء والمنع هو الذي يتكفل بشؤون خلقه، وفي الآية الأخرى أيضا التي هي: {إن الإنسان لربه لكنود}، ذكر الله اسم (الرب)، لمناسبته.

- سوف نتحدث عن هذه الآية -إن شاء الله- مستقبلا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك