رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 7 مارس، 2016 0 تعليق

ما ذمه القرآن من أخلاق الإنسان

ذكر الله -عزّ وجلّ- كلمة (الإنسان) في (56) آية من كتابه العزيز في معظمها ذم لأخلاقه وتصرفاته.

- وماذا عن كلمة (ناس)؟!

- (الناس) في القرآن ورد عامة دون مدح أو ذم في مواضع كثيرة، أما الكلمة فقد وردت (172) مرة، ولكن (الإنسان) يذكر الله خُلقاً أو تصرفاً له، ثم يستثنى: (الذين آمنوا) أو (المصلين)؛ مما يدفع المؤمن أن يتحلى بالأخلاق الحميدة ولا يجعل عذره (الغالبية)، أو (أكثر الناس)؛ لأن النجاة لا تكون باتباع (الأكثر)، بل (الأصلح).

- وما أخلاق الإنسان التي ذمها القرآن؟

- استطيع أن أذكر بعضها، مثلا:

اللجوء إلى الله في الشدة والغفلة عنه في الرخاء.

العجلة في الأمور.

 -المجادلة بغير حق.

- اليأس والقنوط بسرعة.

- كفر النعم وعدم أداء حق شكرها.

- شدة حب المال.

- ظلوم، قتور.

- كثير الغدر.

قاطعني، كل هذا ذكر في القرآن؟!

- نعم، استمع لبعض الآيات.

{وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (يونس:12).

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} (الزمر:8).

     المقصود من هذه الآية، بيان أن الإنسان قليل الصبر عند نزول البلاء، قليل الشكر عند وجدان النعماء والآلاء؛ فإذا مسه الضر أقبل على التضرع والدعاء مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً مجتهداً في ذلك الدعاء طالباً من الله -تعالى- إزالة تلك المحنة، وتبديلها بالنعمة والمنحة، فإذا كشف -تعالى- عنه ذلك بالعافية أعرض عن الشكر، ولم يتذكر ذلك الضر ولم يعرف قدر الإنعام، وصار بمنزلة من لم يدع الله -تعالى- لكشف ضره، وذلك يدل على ضعف طبيعة الإنسان وشدة استيلاء الغفلة والشهوة عليه، وإنما ذكر الله -تعالى- ذلك تنبيهاً على أن هذه الطريقة مذمومة، بل الواجب على الإنسان العاقل أن يكون صابراً عند نزول البلاء شاكراً عند الفوز بالنعماء، ومن شأنه أن يكون كثير الدعاء والتضرع في أوقات الراحة والرفاهية. حتى يكون مجاب الدعوة في وقت المحنة، عن رسول الله صلى الله لعيه وسلم أنه قال : «من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء عند الرخاء» (صححه الألباني).

- وهل هذا التصرف جبلّي (فطري) أم مكتسب؟!

- إن الله لا يذم الإنسان لفطرة فطره عليها؛ فإن ابن آدم فطر على الخير، وإنما يذمه على أخلاق وتصرفات سيئة اكتسبها بسبب الغفلة والإعراض عن الله، وتزيين الشيطان، وفي هذه الآيات ذكر الله كلمة (مسّّ) بالنسبة للضر، و(المس) أولى درجات اللمس، وكأن الضر لم يتمكن منه.

- بل مجرد مسه، وكذلك في النعمة، يقول تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ} (هود:9)، (أذقنا)، و(الإذاقة) مجرد بداية الأكل بالتعرف عليه بطرف اللسان.

وذلك أن أحداث الدنيا، لا تتعدى (المس والإذاقة)، وهذه بدايات المصائب والنعم، أما المصائب الحقيقة والنعم الحقيقية فهي في الآخرة.

دخل الاستراحة طالبان عن أحد الزملاء، لم يكن موجوداً في مكتبه، ولم نكن نعرف عنه شيئا فغادرا، وتابعنا الحديث.

- إن المؤمن يستثنى من هذه القاعدة التي ذكرها الله عن الإنسان في السراء والضراء وذلك من باب العقيدة، المؤمن لديه عقيدة وهي أن الدنيا دار ابتلاء بحلوها ومرها؛ ولذلك لا يغتر إذا أتته النعمة، ولا ينهار إذا حلت به مصيبة، وحاله كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم .

عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عجبا لأمر المؤمن! كله خير، وليس لأحد إلا للمؤمن، إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» مسلم.

     المؤمن في ذكر دائم لله، دائم على صلاته، يحافظ عليها، يشكر نعم الله بقلبه، ولسانه، ويصرفها في مرضاة الله، وإذا أصابته المصيبة، ولا بد من المصيبة والبلاء، صبر، وازداد إقبالا على الله؛ لأنه يعلم أن المصيبة نتيجة الذنب في الغالب: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30)، فإذا انجلت المصيبة ازداد إقبالا على الله وتقويما لنفسه، هكذا هي عقيدة المؤمن وتصرفاته، في السراء والضراء وليس كتصرفات (الإنسان) التي ذمها الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك