ما تقـــــارب بـــــــه الإمــــامان ابــــــن بـــــــــــاز والألبــــــاني
لا شك أن هذين العلمين ابن باز والألباني لهما الهمة العالية والعناية الفائقة، وكل منهما له جهود عظيمة في العقيدة، وقد جعل الله على أيديهما الخير الكثير، وحصل بسببهما النفع العظيم للإسلام والمسلمين، وكان بينهما - رحمهما الله - تقارب بالعمل وقواسم مشتركة، فمن ذلك رفعهما لراية السنة ومنهج السلف الصالح، والعناية بصحة الحديث النبوي من ضعفه، والبذل والعطاء العلمي مشافهة ومكاتبة، وتراث علمي مكتوب ومسموع، وكذلك اتفاقهما في مبدأ قول الحق دون مبالاة للمخالف قريبا كان أو بعيدا؛ فقد قال ابن باز رحمه الله تعالى: "وإني بحمد الله منذ عرفت الحق في شبابي وأنا أدعو إليه وأصبر على الأذى في ذلك، ولا أحابي في ذلك أحدا، ولا أداهن في ذلك أحدا، أقول الحق وأصبر على الأذى، فإن قبل فالحمد الله، وإن لم يقبل فالحمد الله"، أما الشيخ الألباني فقد قال عندما سعى خصومه في الكيد له: "لقد كان لهذا كله آثار عكسية لما أرادوه، إذ ضاعف من تصميمي على العمل في خدمة الدعوة حتى يقضي الله بأمره".
وكذلك من الأوجه المقاربة استفادة كل منهما من صاحبه: فقد كتب الشيخ الألباني للشيخ ابن باز كلاما يتعلق بالأموال الربوية المودعة في البنوك وأنه – الألباني – توصل إلى أنها تنفق في وجوه الخير غير الطعام والشراب واللباس، وأنها تدفع قيمة للمحروقات من بنزين وحطب وإصلاح حمامات وطرق.. فكتب إليه الشيخ ابن باز موافقا له على رأيه.
وكتب ابن باز كتابا إلى الشيخ الألباني يطلب منه الإطلاع والإفادة بما لديه حول مقالة زعم صاحبها عدم صحة نسبة «المسند» إلى الإمام أحمد.. إلى آخر الرسالة.
ومن الأوجه المقاربة تواضعهما وهضم نفسيهما عند مدحهما، وأكتفي بمثال لكل منهما: أما الإمام ابن باز فلما مدحه أحد أهل العلم بقصيدة، وفضله فيها على ابن أدهم في الزهد، وعلى حاتم في الكرم، وجعله مساويا لشريح في القضاء، كتب ابن باز خطابا إلى المجلة وذكر في خطابه أن تلك القصيدة كدرته، وأنه يبرأ إلى الله من الرضا بها وأنه كرهها وامتعض منها.
أما الألباني فكلما مدح هضم نفسه، ثم ذكر الأثر المشهور عن أبي بكر: "اللهم لا تؤاخذني بما يقولون".. وأحيانا يبكي عند ذكر المدح أو البشائر له.
وكذلك من الأوجه المقاربة حصول كل منهما على جائزة الملك فيصل العالمية.
ومن الأوجه المقاربة المحبة المتبادلة بينهما، والمشاركة في الآلام والآمال، والقصص في ذلك كثيرة وطيات الرسائل المتبادلة تثبت ذلك، فمن رسائل ابن باز للألباني: " محبكم مستعد لكل حاجة في إمكانه قضائها، جعلني الله وإياكم من المتحابين في جلاله إلى أن نلقاه سبحانه".
ولما بلغ الألباني موت الشيخ ابن باز لم يتمالك نفسه من البكاء؛ فدمعت عيناه دمعات حارة، وتكلم بكلمات رقيقة بارة، وكان مما قاله: "لقد كان الشيخ عبد العزيز من خيرة العلماء، نسأل الله تعالى أن يجعله مأواه الجنة، ولو أن هذه الحياة دامت لأحد لدامت للمصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وألحقنا وإياه بالصالحين" ولم تمض ستة شهور حتى توفى الشيخ الألباني، وهذه أيضا إحدى وجوه المقاربة.
نسأل الله تعالى أن يلحق الإمامين بالصالحين.. اللهم آمين.
لاتوجد تعليقات