رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 28 مارس، 2011 0 تعليق

ما الذي لا يخشاه قادة اليهود؟!


«إسرائيل لا تزال تخاف الرواية الفلسطينية» هو عنوان مقال للكاتب اليهودي «جدعون ليفي» في صحيفة هآرتس العبرية ، الذي وثق فيه أكذوبة «شعب بلا أرض أتى أرضاً بلا شعب» مؤكداً أنه وبعد أكثر من 100 سنة من الصهيونية وأكثر من 60 سنة من وجود الدولة لا تزال إسرائيل تحتاج إلى الإخفاء، والتنكر، والطمس على الحقائق والتغطية عليها، من أجل تسويغ وجودها؛ لا يوجد برهان أكبر من ذلك على عدم ثقتها بعدلها.

       ويرى «جدعون ليفي» أن دولة غطت بخراج «الكيرن كيميت» 416 قرية ضائعة وجدت في البلاد مئات السنين، ولا تترك علامة تدل عليها، ولا حتى لافتة، يجب في آخر الأمر أن تعطي لمواطنيها التاريخ كله لا فصولا مختارة فقط منه». ويؤكد الكاتب أن الحل لهذا التزوير بعد أن يستجمع – الكيان اليهودي – الشجاعة: «أن تقترح خطة تراث حقيقية - الحقيقة الكاملة- لا محو فصول تاريخية كاملة ولا سحق تراث أبناء البلاد من العرب القدماء الضاربة جذورهم فيها أكثر من أكثر مواطنيها اليهود. ويتساءل «جدعون ليفي» : إذا كان كل شيء عدلاً في العام 1948، فلماذا نخفي ونهمل الحقائق؟ أيستطيع تراث دعائي أن يغير وجه التاريخ؟ وإذا كان الماضي مشكلاً إلى هذا الحد، فربما ندعه إلى أن نستجمع الشجاعة لروايته كاملاً؟!

      والواقع أن الحركة الصهيونية والكيان الغاصب نجحا في «عَبْرَنة» أكثر من 7000 اسم لمواقع فلسطينية، منها أكثر من 5000 موقع جغرافي، وعدة مئات من الأسماء التاريخية، وأكثر من 1000 اسم لمغتصبة يهودية.

       فالذي يجري إذاً هو اغتصاب للتاريخ والرواية والحقوق بعد أن اغتصبت الأرض والمقدسات، وهذا مثال حي لتعي الأمة حجم المؤامرة التي ما زالت مستمرة لسلب فلسطين والقدس من أصحابها تاريخا وتراثا مثلما سلبت منهم حسا وواقعا.. فاللص المغتصب كعادته يسيئه التذكير بما سلبه وتنعم به، يعمل جاهدا على طمس كل الحقائق حول ما تم اغتصابه والكيفية التي سلكها في عملية السرقة!!

         وفي اتجاه آخر ومنذ بداية مشروع الحركة الصهيونية في إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين حرصت الحركة على الربط بين الدين اليهودي واللغة العبرية لترسيخ الحياة والهوية اليهودية؛ لذلك انتشرت ظاهرة إطلاق أسماء يهودية على المواليد انطلاقا من المقولة الصهيونية «الشعب اليهودي الواحد»، وللتأكيد على تواصل الجيل الجديد مع الجيل القديم من اليهود، وفي اتجاه آخر وظفوا كذلك أسماء الأعياد الدينية والمناسبات التاريخية اليهودية وأطلقوها على مسميات مواليدهم الجدد.

          وتسرد د. سناء صبري في كتابها: «الهوية اليهودية وأسماء الأعلام العبرية» مسيرة  عبرنة المسميات في الكيان الصهيوني الغاصب للتأكيد على الهوية اليهودية منذ قيام ما تسمى «دولة إسرائيل» على أرض فلسطين في 15 مايو 1948؛ حيث تم الإعلان أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة، وبناء على ذلك بذلت السلطات جهودا كبيرة للغاية من أجل تغيير نمط الأسماء التي كان اليهود يتسمون بها في أثناء شتاتهم؛ لكي يتماشى مع البعد الثقافي للأيديولوجية الصهيونية واستخدام اللغة العبرية باعتبارها عاملاً مساعداً على الوحدة الثقافية للجماعات اليهودية التي تجمعت على أرض فلسطين بهدف تكوين الدولة العبرية المنشودة .

        وتضيف د. سناء صبري أن: هناك العديد من الشخصيات السياسية والأدبية المهمة قامت بتغيير اسمها لكي تتماشى مع الثقافة العبرية الجديدة بعد إنشاء الدولة، نذكر منها مثلاً: «دافيد جرين» الذي غير اسمه إلى «دافيد بن جوريون»، ومن أشهر الأدباء نذكر مثلاً: «آحاد هاعام» الذي كان اسمه: «آشر تفي جينزبرج» و«بن جوريون» الاسم الأدبي المستعار الذي اتخذه «ميخا جوزيف بيرد يشفسكي»، و «أفنير كرميلي» الاسم المستعار للكاتب «شراغاغفني». مما سبق، يتضح  أن عملية عبرنة الأسماء الأجنبية تعد عنصراً من عناصر الثقافة القومية، وأن هذا الاتجاه يأتي في إطار تحقيق الهوية القومية اليهودية.

        وقد نشرت دراسة على شبكة الإنترنت كتبها «جدعون طوري» ، بعنوان: «عبرنة أسماء الأعلام في إسرائيل كترجمة ثقافية»، ركزت هذه الدراسة على أهمية تسمية المواليد بأسماء عبرية وضرورة عبرنة أسماء الآباء والأجداد، وتغيير ألقاب العائلات التي جلبها معهم المهاجرون إلى إسرائيل ، واستبدال أسماء جديدة، تكون عبرية الأصل. ووصف جدعون طوري هذه العملية بأنها تحتوى إحدى الظواهر البارزة لبلورة الثقافة العبرية الجديدة في إسرائيل».

          فبالرغم من مسارات العلمنة التي تجتاح المجتمع الإسرائيلي، وتؤثر على فكر اليهود، فإننا نجد أن الاتجاه العلماني نفسه ينادي بضرورة الارتباط بالتراث الثقافي للشعب اليهودي، وأنه نوع من أنواع إبداعات الأدب الشعبي والتراث اليهودي.

        وتواصلت حملات التهويد والعبرنة والصهينة على جبهة التعليم أيضا؛ إذ أصدر وزير التعليم الإسرائيلي «جدعون ساعر» قرارا بإلزام طلاب المؤسسات الأكاديمية العليا، بزيارة ما أسماها الأماكن التراثية اليهودية في القدس وأنحاء الضفة لتعرفها وفهمها.

         وكانت وزيرة التعليم الصهيونية السابقة «ليمور لبنات» أطلقت هجوما على الرواية العربية باسم» خطة المائة مصطلح لتعليم الصهيونية»، وكان ذلك في مطلع العام الحالي 2005م، ومضمون تلك الخطة التربوية التعليمية كما زعموا أنها تهدف إلى تعميق الصهيونية والديموقراطية والتراث اليهودي داخل المدارس في «إسرائيل»، واشتملت الخطة التي جرى تعميمها على المدارس اليهودية بما فيها المدارس العربية هناك على مائة مصطلح تشرح أهم وأبرز الأحداث المتعلقة بالصراع عبر مصطلحات مركزة موجهة ومعسكرة صهيونيا مثل : «إعلان قيام إسرائيل» و«أنواع الاستيطان» و«إيلي كوهين» «وبنيامين زئيف هرتسل» و«جيش الدفاع» و«حروب إسرائيل» و«حوماه ومجدال - أي السور والبرج» و«زئيف جابوتنسكي» و«محاكمة ايخمان»وكذلك عن «المنظمات العسكرية الصهيونية قبل قيام الكيان الغاصب» وعن «الهجرات اليهودية قبل قيام الدولة»و «وعد بلفور»و»يد فشيم - الكارثة أو المحرقة»، كما كانت حكومة الاحتلال اتخذت قبلها قرارا بتعليم»تراث زئيفي»أيضا في المدارس العربية فضلاً عن اليهودية .

         ومع كل تلك المؤسسات العاملة على تزوير التاريخ، وتغيير المسميات ، واختراع التراث والمقدسات، وسك المصطلحات ، حتى أسماؤهم الشخصية لم تسلم من التبديل والتحسين، لتتوافق مع مشروع العبرنة الذي انتهجوه، ليصنعوا رابطاً بهذه الأرض، إلا أن الناظر لحالهم وجهدهم يتعجب من مستوى الخداع الذي يمارسونه، ونتساءل : ما مصير شتات اليهود في فلسطين حينما ينالهم - سونامي - يقتلع وجودهم من تلك الأرض المباركة؟ هل يبقى لهم تراث وتاريخ ومسميات، أم يعودون لثقافتهم وارتباطاتهم الأصلية؟ وهذا ما أكده (شلومو ساند) في كتابه «اختراع الشعب اليهودي» بأن أبناء الشعب اليهودي في أنحاء العالم لا يتحدثون ولا يقرؤون أو يكتبون العبرية، ولا يهضمون المشهد الحضري أو الريفي للمكان، كما أنهم لا يعيشون مباشرة انقسامات وهموم وأفراح وأتراح المجتمع الإسرائيلي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك