رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سيد أحمد ولد باب/ نواكشوط 17 أبريل، 2012 0 تعليق

مالي في قبضة الجيش وتمرد الأزواديين يربك دول الجوار

 

أنهت مجموعة قليلة من صغار الضباط حلم الماليين في تداول سلمي للسلطة قبل شهرين من انتخابات الرئاسة، معيدين البلاد إلى مربع الانقلابات العسكرية بعد أن أطاحوا بالرئيس المنتخب والمنتهية ولايته (آمادو توماني توري) في انقلاب فاجأ كل المراقبين.

فجر  الثاني والعشرين من مارس 2012 أعلن ضابط في الجيش برتبة نقيب يدعى ( آمادو كوناري) عن تولي مجلس عسكري انتقالي مقاليد الحكم في البلاد بعد يوم من الاضطرابات بالعاصمة المالية باماكو.

أسباب الانقلاب

        لا يعوز القادة العسكريون في أفريقيا عادة مسوّغات الحكم، لكن النقيب آمادو سانوجو يرى أن الأسباب التي دفعته مع رفاقه للإطاحة بالرئيس المنتخب كانت وجيهة: «إنه إنسان ضعيف وفاسد» كما يقول.

        أما الانتخابات فقد قال النقيب سناجو: إنها كالرقصة السيئة يجب ألا تحدث في الأصل؛ لأن الماليين يدفعون الآن الثمن من وحدتهم الترابية، مستغربا كيف يمكن إجراء انتخابات رئاسية ونصف الماليين رهائن لدى الحركة الوطنية لتحرير أزواد والمجموعات المسلحة التابعة لها؟!

        وقال سانجو في خطب بثتها التلفزة المحلية: إن الجيش لا يريد البقاء في السلطة، لكنه يرفض إجراء الانتخابات في ظل وضع أمني هش، كما اتهم الضباط الكبار بالفساد والتلاعب بأرواح الجنود الماليين الذين قال إنهم أرسلوا إلى جبهات القتال دون ذخيرة، بينما تقاتل المجموعات المسلحة مدعومة بترسانة من الأسلحة القادمة من ليبيا وبعض دول الجوار الأفريقي.

        مواقف قوبلت بالرفض من قبل الدول الأفريقية والعربية؛ حيث دعت مجموعة غرب أفريقيا إلى اجتماع طارئ عشية الانقلاب بالعاصمة العاجية «أبيدجان»، أعلنت فيه رفضها للانقلاب العسكري، ودعت الطغمة العسكرية الحاكمة إلى إعادة الحياة الدستورية سريعا إلى مالي والإفراج عن الرئيس وأعضاء حكومته المحتجزين من قبل قوات الحرس الرئاسي وبعض القوات المساندة للانقلابيين.

        وذهبت دول الإكواس إلى أبعد من ذلك؛ حيث دعا قادة الأركان إلى اجتماع طارئ بالعاصمة «أبيدجان» لتقييم الوضع وتشكيل قوة مشتركة من أجل حسم الموقف عسكريا لصالح العودة السريعة للحياة الدستورية.

سقوط الإقليم يربك الانقلابيين

        غير أن الأوضاع السياسية المتسارعة لم تمهل الطغمة العسكرية الحاكمة أكثر من أسبوع؛ حيث سقطت مدينة (غاو) الإستراتيجية بيد الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وبعدها سقطت مدينة (تيمبكتو) التاريخية، ليعلن المسلحون الأزواديون إكمال السيطرة على ولايات الإقليم الأربع بعد شهرين من القتال.

        سقوط أحرج الضباط الممسكين بالسلطة، وأفقدهم أبرز مسوّغات الانقلاب (الحالة غير المستقرة في الشمال)، مما دفع بهم إلى العاصمة البوركينية بحثا عن حل للمأزق الذي تعيشه الحكومة المركزية في باماكو، ولاسيما بعد أن فرضت دول الإكواس حصارا اقتصاديا خانقا على مالي لحمل الانقلابيين على التخلي عن السلطة وإعادة الحياة الدستورية للبلاد.

        وقد توجت مساعي الانقلابيين باتفاق مع وزير خارجية بوركينافاسو (جبريل باسوليه) باتفاق يقضي بالإفراج عن أعضاء الحكومة وتسليم السلطة لحكومة مدنية والعفو عن قادة الانقلاب العسكري.

        وقد تعهد الانقلابيون خلال الوثيقة التي وقعوها بباماكو مع الوسيط البوركيني بنقل السلطة إلى رئيس البرلمان تمهيدا لإجراء انتخابات عامة خلال أربعين يوماً.

        ونص الاتفاق على أن يتولى رئيس الجمعية الوطنية (ديونكوندا تراوري) رئاسة البلاد على أن يصدر أيضا عفوا عن أعضاء حكومة مالي السابقة وقادة الانقلاب الحاليين.

        وأعلن وزير خارجية بوركينا فاسو جبريل باسوليه باسم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أن مهمة الرئيس الانتقالي تنحصر في تنظيم اقتراع رئاسي خلال المهلة الدستورية المحددة بأربعين يوما.

        وأعلن باسوليه أن الرئيس الحالي للمجموعة رئيس ساحل العاج الحسن وتارا رفع العقوبات التي فرضتها المنظمة على مالي «فورا» بعد توقيع هذا الاتفاق.

 استقلال الإقليم بعد شهور من القتال

        الأوضاع السياسية المرتبكة بالعاصمة المالية باماكو قوبلت بخطوات متسارعة من قبل الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي أعلنت رسميا  استقلال الإقليم عن جمهورية مالي، ودعت المجموعة الدولية إلى الاعتراف بها.

وقال الأمين العام للحركة بلال الشريف: إن الدولة الجديدة تتطلع إلى التعاون مع دول الجوار، وتعترف بحدود الدول المجاورة.

        ودعا بلال الشريف في إعلان الاستقلال يوم الجمعة 6-4-2012 دول العالم إلى الاعتراف بأحدث الدول الأفريقية، كما عبر عن تطلع بلاده لدخول الهيئات التابعة للأمم المتحدة.

        وقد جاء الإعلان عن الدولة الأزوادية بعد يومين من إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد وقف إطلاق النار بناء على دعوة الأمم المتحدة والدول الكبرى، كما أعلنت الحركة عن تشوقها لتوفير الحرية للأزواديين.

وفي باريس سارع مندوب الحركة الأزوادية بالعاصمة الفرنسية إلى نفي العلاقة بين الدولة الأزوادية والقاعدة أو جماعات العنف المسلح.

        وقال عضو المكتب التنفيذي للحركة: إن القاعدة لا مكان لها في الدولة الأزوادية وأن الحكومة المالية هي المسؤولة عن تفاقم العنف في المنطقة، وقد دفعت الثمن بتفريطها في استقرار البلاد وتشجيعها التمييز ضد السكان الأزواديين، وإن الدولة الجديدة تهدف بالأساس إلى توفير الحرية للشعب الأزوادي الذي عانى ويلات الاستعمار والاحتلال.

        ورغم أن الحركة لم تعلن رسميا عن عاصمة الدولة الوليدة إلا أن مدينة غاو الإستراتيجية  أو تيمبكتو ذات التاريخ الضارب في القدم تبدوان الأكثر قربا من نيل لقب عاصمة البلاد.

        ومن المنطقي أن يكون بلال الشريف قائد الحركة الوطنية لتحرير أزواد أول رئيس للدولة الوليدة لكونه من قاد الحركة للتحرير والاستقلال في ظرف سنتين من توليه مقاليد الحركة الوليدة.

ردود فعل غاضبة

        وزراء الخارجية في دول الميدان  عقدوا قمة طارئة بنواكشوط لبحث أزمة الشمال المالي وإمكانية التدخل العسكري لمواجهة الجماعات المسلحة بإقليم أزواد.

        وزير الخارجية الموريتاني حمادي ولد حمادي  قال: إن اجتماع نواكشوط يأتي في وقت شهدت فيه مالي تمردا مسلحا كلف دولة شقيقة خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والمنشآت وشرد عشرات الآلاف من مواطنيها الأبرياء، لجؤوا إلى دول الجوار قبل الإطاحة بنظامها الدستوري الذي جاء عن طريق انتخابات رئاسية علق عليها الكثير من الآمال.

        وقال ولد حمادي الذي تستضيف بلاده القمة الطارئة: «إن  تلك الظرفية استغلت من  طرف قوات التمرد والمجموعات المرتبطة بالعصابات الإرهابية التي بسطت سيطرتها على معظم إقليم شمال مالي قبل إعلان «استقلال أزواد» من جانب واحد عبر الفضائيات الدولية وهو الإعلان الذي بادرنا إلى رفضه رفضا باتا، كما يعلم الجميع».

        وأضاف الوزير: «إن مواقف موريتانيا تنسجم مع مواقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي حضرت الجزائر وموريتانيا اجتماعاتها بصفة مراقب والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي بشكل عام».

        وأوضح أنه من الطبيعي «أن ترحب موريتانيا بالاتفاق الموقع بين الانقلابيين والمفاوض المعتمد من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بشأن إعادة النظام الدستوري وتسليم السلطة لرئاسة مؤقتة عهد إليها بتشكيل حكومة انتقالية تتولى تنظيم انتخابات رئاسية حرة وشفافة وديمقراطية».

        ورجا أن يقود هذا الاتفاق، إلى مرحلة انتقالية هادئة وجامعة تخرج منها جمهورية مالي الشقيقة بنظام حكم مركزي شرعي، جدير بضمان عودة الأمن والسلم المدني والوئام الوطني والاستقرار إلى مالي.

        ودعا كافة القوى الحية في مالي إلى رص الصفوف ولم الشمل وتوحيد الجهود من أجل تجاوز هذه المحنة الأليمة وإعادة بناء وحدة جميع مكونات الشعب المالي الشقيق وانسجامه على أسس سليمة وقوية ومستدامة.

        ومن جانبه قال الوزير الجزائري عبد القادر مساهل عن تقديره للتضامن الذي عبرت عنه موريتايا تجاه الجزائر بعد اختطاف العاملين في القنصلية الجزائرية في غاو المالية، الذين يعد تحريرهم إحدى أولويات الحكومة الجزائرية.

        وأوضح الوزير الجزائري أن لقاء اليوم يأتي في ظرف يتميز بالوضعية الخطيرة والمقلقة في جمهورية مالي الجارة «وشريكتنا في الإستراتيجية الجهوية لدول الميدان».

        وأبرز أنه من المهم التذكير «بأن حكوماتنا وإزاء تطور الأوضاع في مالي عبرت عن مواقف متطابقة تدعو إلى إرساء سريع وفعلي للوضعية الدستورية والتوقف عن اللجوء للقوة والعودة إلى الحوار للوصول إلى حل سياسي ومستدام في شمال مالي».

        وقال الوزير الجزائري: إن حل مشكلة شمال مالي يجب أن يضع في عين الاعتبار المطالب الهادفة إلى ترقية حقوق سكان الشمال في العيش في ظروف أفضل وفي المشاركة في صنع القرار.

        وأشار الوزير إلى أن الوضعية الإنسانية تشكل أحد المشاغل الأساسية، مبرزا أن البلد المجاور يؤوي لاجئين ماليين، وثمن في هذا السياق استقبال موريتانيا والنيجر لأعداد كبيرة من اللاجئين رغم الصعوبات الناجمة عن الجفاف هذه السنة.

        وتناول الحديث بالمناسبة وزير الدولة، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، والاندماج الأفريقي والنيجريين في الخارج السيد محمد بازوم، فعبر عن القلق من السرعة والسهولة التي سقط بها شمال مالي ولاسيما الثكنات والمدن، مشيرا إلى ما يمثله ذلك من تهديد ومخاطر على دول الجوار مثل النيجر مهنئا دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا التي تستعد لتحرك عسكري ضد المتمردين في مالي.

ودعا إلى تكثيف الجهود للعمل على مكافحة الإرهاب الذي هو الهدف المشترك لدول الميدان.

        وترى الدول الأفريقية المجاورة أن الحراك القائم بدولة أزواد الجديدة أفرز نتائج بالغة الخطورة على المنطقة بأسرها، وأن قوافل المسلحين باتت تجوب مناطق شاسعة من التراب المالي دون رقيب أو حسيب وسط مخاوف من أن تنقل عملياتها القتالية إلى الدور المحيطة بالإقليم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك