رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد عمارة 8 فبراير، 2016 0 تعليق

ماذا يحدث في ليبيا؟ هل تكون الوجهة المقبلة للغارات الغربية؟

استغل تنظيم الدولة الخلاف السياسي فصعد نشاطه العسكري، وأحكم سيطرته على مدينة (سرت) القريبة من حقول نفطية في ليبيا

أعلنت كلّ من إيطاليا وفرنسا استعدادها للتدخل (العسكري) لمواجهة تنظيم الدولة، ولاسيما في حال أخفق الليبيون في تكوين حكومة موحدة

تنظيم الدولة يحاول بناء أسطول لشن حرب بحرية على الغرب، وضرب السفن التي تعبر البحر المتوسط؛ مما سيكون له تداعيات غير عادية على العالم الغربي

يخشى بعضهم من التدخل العسكري المحتمل في ليبيا، وأنه قد يكون تكراراً لسيناريو التدخل الروسي في سوريا

 

 

خلال أسابيع من العمل الدبلوماسي بين طرفي الصراع في ليبيا برعاية المجتمع الدولي وصولًا لاتفاق (الصخيرات)، تصاعدت أنشطة تنظيم الدولة في ليبيا، وهو أمر شغل انتباه المجتمع الدولي، وتصدر أجندة أولوياته كما يبدو أكثر من فرص نجاح الوصول لنتائج ملموسة سياسيًّا، ليطفو على السطح الحديث عن التدخل العسكري في البلاد من الجديد.

 

أطراف المشهد الليبي

     الطرف الأول هو حكومة طرابلس برئاسة خليفة محمد الغويل، وبرلمانها المتمثل في المؤتمر الوطني العام الذي يسيطر عليه أعضاء حزب العدالة والبناء، وهو منبثق من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، ويدعمه عدد من الفصائل الليبية المسلحة مثل جماعة فجر ليبيا المسلحة التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس ولها صلة قوية بمدينة مصراتة، وهي من أبرز الفصائل الليبية المسلحة وأقواها التي ارتبط اسمها بالثورة التي قامت ضد الرئيس السابق معمر القذافي في 2011، فضلا عن عدد من الجماعات والكتائب المسلحة الأخرى: مثل كتيبة 17 فبراير، وكتيبة أنصار الشريعة، وكتيبة راف الله السحاتي، وغيرها.

     الطرف الثاني: هو برلمان طبرق المعترف به، الذي تم حله بعدما أصدرت المحكمة العليا في طرابلس حكمًا ينزع الشرعية عنه، ويدعم هذا الطرف عسكريًّا اللواء خليفة حفتر، الذي عينه برلمان طبرق وزيرًا للدفاع؛ حيث قاد ما يسمى بعمليات الكرامة في مايو 2014، ووصفها بعضهم بأنها تمثل انقلابًا عسكريًّا ضد الثورة الليبية.

     الطرف الثالث: هو المجلس الرئاسي الذي تَكوَّن مؤخرًا، ويمارس أعماله من تونس، ويستهدف توحيد طرفي الصراع الرئيس على حكومة وحدة وطنية لفض النزاع بين السلطتين؛ ذلك النزاع الذي بدأ منذ حوالي عام ونصف ببدء (حفتر) في (عمليات الكرامة).

والطرف الرابع: هو أنصار تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقاتل طرفي الصراع؛ فتهاجم قوات (حفتر) تارة، وتستهدف ثوار فجر ليبيا تارة أخرى، وهو دور مماثل لما تقوم به في سوريا واليمن.

مستجدات الحوار والفراغ السياسي!

     أيد مجلس الأمن الدولي بالإجماع اتفاق تكوين حكومة وحدة وطنية في ليبيا، بعد أسبوع من اتفاق مدينة الصخيرات الذي نص على تكوين حكومة الوفاق الوطني، ودعا مجلس الأمن الدولي بأعضائه الـ15 إلى دعم الحكومة الجديدة التي سيكوِّنها المجلس الرئاسي الليبي، وينص الاتفاق على أن حكومة الوفاق الوطني ستوحد السلطتين المتنازعتين، وتحكم في فترة انتقالية مدتها عامان، يعقبها انتخابات تشريعية.

     وبالفعل كوَّن المجلس الرئاسي الليبي حكومة وطنية برئاسة رجل الأعمال الليبي فايز السراج، ضمت 32 حقيبة وزارية تُمثل بطريقة كبيرة المناطق والتوجهات المختلفة، ولكن برلمان (طبرق) رفض التكوين الجديد للحكومة بواقع 89 صوتًا من أصل 104 أعضاء حضروا الجلسة، وطالبوا بتكوين حكومة مصغرة، تضم 17 حقيبة وزارية فقط، وبحسب عضو برلمان طبرق فهمي التواتي فإن الأعضاء أقروا الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية، إلا أنهم رفضوا المادة الثامنة المتعلقة بنقل صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية إلى مجلس رئاسة الحكومة، التي بموجبها أضحى منصب اللواء المتقاعد خليفة حفتر شاغرًا.

تصاعد نشاط تنظيم الدولة

     في وسط الجهود الدبلوماسية المبذولة دوليًّا ومحليًّا للوصول لحل للخلاف السياسي، وعدم الوصول حتى الآن لحل سياسي حاسم، تصاعد نشاط تنظيم الدولة العسكري في الفترة الأخيرة، وأحكم سيطرته على مدينة (سرت) القريبة من حقول نفطية في ليبيا، والتي أصبحت قاعدة للتنظيم لشن هجماته على أهداف عسكرية ونفطية ازدهرت خلال الشهر الماضي بوضوح، ومن أبرزها:

     هجوم تبناه التنظيم على مركز للشرطة الليبية أدى لمقتل 74 شخصًا، كما استمر التنظيم في استهداف مناطق قرب ميناء السدرة النفطي؛ حيث يُعد مصفاة رئيسة للنفط في ليبيا يقع بين مدينة سرت، وبلدة رأس لانوف، وبحسب المتحدث باسم حرس المنشآت النفطية فإن مسلحي التنظيم أصبحوا على مايقرب من 30 إلى 40 كيلومترًا من الميناء.

وتأتي تلك الهجمات بعد سيطرة من التنظيم على النظام التعليمي والقضائي والمؤسسات الإعلامية في مدينة سرت، التي يسيطر التنظيم على 420 كم من شريطها الساحلي!

نشاط التنظيم ليس بمنأى عن الرصد الغربي

     بالرغم من عدم حل الخلاف السياسي حلا حاسماً، فإن ذلك لم يشغل المجتمع الدولي كثيرًا بعكس نشاط التنظيم المتصاعد، ولاسيما في سرت، لتعلن كلّ من إيطاليا وفرنسا استعدادها للتدخل (العسكري) لمواجهة تنظيم الدولة، ولاسيما في حال أخفق الليبيون في تكوين حكومة موحدة قريبًا على حد وصف وزيرة الدفاع الإيطالية (روبرتا بينوتي) التي قالت مُنذ أيام قليلة: «إن الدول الغربية مستعدة لمواجهة تنظيم الدولة في ليبيا».

     وهو الموضوع نفسه الذي أكدت عليه فرنسا بحسب صحيفة (لو فيجارو) الفرنسية وموقع روسيا اليوم؛ فإن باريس تؤكد أن الدعم الفرنسي للمبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا (مارتن كوبلر) يأتي بدافع الحرص على إعداد سيناريو بديل يسبق التدخل، ويتمثل في الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، توكل إليها مهمة الحرب على داعش، معتمدة في ذلك على تحالف دولي مستعد لمدها بالقوات والسلاح، وفي حال فشل هذا السيناريو، فإن ذلك لن يكون ذريعة لإثناء باريس عن (إنجاز المهمة) وتكوين تحالف عسكري تتولى قيادته للتدخل في ليبيا.

دعم الحكومة الجديدة

وهذا يعكس السعي الغربي لدعم الحكومة الجديدة حتى تواجه تلك الحكومة تنظيم الدولة في ليبيا، وإمكانية الدعم الغربي لتلك المواجهة جويًّا، أما إذا فشل في التوافق على حكومة فهذا لا يمنع الغرب من مواجهة التنظيم في ليبيا مباشرة!

     وأكدت صحيفة (لوفيجارو) الفرنسية أن فرنسا انتهت إلى الاقتناع بأنه لا مفر من التدخل لضرب سرطان داعش وأورامه التي بدأت بالانتشار في ليبيا، وهذه القناعة أصبحت أكثر من راسخة في أذهان المخططين العسكريين الفرنسيين، على أن يكون التدخل في ظرف لا يتجاوز 6 أشهر.

واعتمدت الصحيفة على ذلك نظرًا لكثرة الطلعات الجوية الفرنسية فوق السماء الليبية، وبالفعل شنت طائرات (مجهولة الهوية) غارات جوية على مواقع للتنظيم في (سرت)، ولكن تقارير صحفية أفادت بأنها (طائرات فرنسية).

     وفي سياق متصل، ازدادت المخاوف البريطانية من تنظيم الدولة في ليبيا؛ حيث ظهر جلياً على لسان الأدميرال البريطاني (كلايف جونستون) -الذي يشغل أعلى رتبة بحرية في المملكة المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو)- عندما قال في تصريحات نقلتها صحيفة (ديلي ميل) البريطانية: إن مسلحي (داعش) في ليبيا يخططون لتنفيذ أعمال إرهابية في المياه الإقليمية الليبية.

      لافتًا إلى أن تنظيم الدولة الإرهابي يحاول بناء أسطول كي يستخدمه لشن حرب بحرية على الغرب، وهناك فرصة خطيرة أمام داعش لاستخدام نظام أسلحة متطور جدًّا في ضرب السفن التي تعبر البحر المتوسط؛ مما سيكون له تداعيات غير عادية على العالم الغربي.

     وأضاف (جونستون) أنه على الغرب ألا يعتقد أن البحر المتوسط يتعلق فقط بالهجرة، ولكنه يمتد بطول الشمال الإفريقي، كما أنه الطريق الذي يدخل منه داعش إلى ليبيا، ويسيطر التنظيم من خلاله على مدينة سرت وأماكن أخرى؛ مما سيكون له عواقب وخيمة على طرق التجارة البحرية.

نبحث خيارات عسكرية!

     هكذا أكد (بيتر كوك) -المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)- وقال (كوك): إن الولايات المتحدة أرسلت بالفعل عددًا صغيرًا من العسكريين إلى ليبيا لمحاولة (إجراء محادثات مع قوات محلية للحصول على معلومات أوضح لما يحدث هناك على وجه التحديد.

وقال البيت الأبيض: إن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) أصدر توجيهات لمستشاريه في مجال الأمن القومي يوم الخميس للتصدي لمحاولات تنظيم الدولة الإسلامية للتوسع في ليبيا ودول أخرى.

     كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش سيعقد اجتماعًا الثلاثاء المقبل في روما، ويأتي هذا الاجتماع لدراسة محاربة تنظيم الدولة في ليبيا، ويبدو أنه جاء تكليلًا لجهود إيطاليا في إقناع حلفائها الغربيين، الذي عبرت عنه وزيرة الدفاع الإيطالية عندما قالت: عملنا بدأب أكبر مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين. في سياق حديثها عن عمل منسق في مواجهة تنظيم الدولة في ليبيا.

مخاوف الدول الغربية

     وتزداد مخاوف الدول الغربية من التنظيم في ليبيا، نظرًا لشعورهم بأن التنظيم يحاول أن يصنع عاصمة جديدة له في ليبيا، وبعدها في شمال إفريقيا، بعد انحسار نشاط التنظيم مؤخرًا في العراق والشام بعد ضربات التحالفات الدولية التي وجهت ضده، واستهدفت أيضًا حقول البترول التي يسيطر عليها هناك.

     كما يخشى الغرب من أن يكون التنظيم قاعدة لاستقبال مجندين جدد من أوروبا وغيرها وتدريبهم، وبعد ذلك قد يتوجه أعضاء التنظيم مستقبلًا إلى أوروبا عن طريق الهجرة غير الشرعية المنتشرة على السواحل الشمالية لإفريقيا؛ مما قد يُهدد أمن الدول الأوروبية.

     ومن ناحية أخرى يخشى بعضهم من أن التدخل العسكري المحتمل قد لا يكون مرتبطًا فقط بمواجهة تنظيم الدولة، وأنه يمكن أن يستهدف جماعات مسلحة ارتبطت بالثورة الليبية على أنها جماعات (إرهابية) أسوة بما تفعله روسيا في سوريا، ومما يعزز ذلك اهتمام روسيا بتصاعد تنظيم الدولة في ليبيا وإعرابها عن قلقها من ذلك؛ مما قد يؤدي إلى تدخلها لمحاربة الجماعات (الإسلامية) المسلحة، وتكرار سيناريو سوريا في استهداف معارضي (بشار الأسد) تحت مسوغ محاربة (تنظيم الدولة والجماعات الإرهابية الأخرى)، ولا سيما في ظل وجود دول عربية كمصر والإماراتك ولذلك قد أبدت روسيا قلقًا حول الوضع الليبي، وسبق لها أن تدخلت بشكل منفرد كما تشير التقارير، ويمكن أن تبدي اهتمامًا بمثل هذا السيناريو المحتمل

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك