ماذا نريــــــد مــــــن المــــــــــــــــــــــــرأة؟
لقد حمل الإسلام المرأة مسؤوليات كثيرة ومهمات جسيمة، فضلاً عن خطابها بالتكاليف الشرعية؛ وذلك نظرا لطبيعة المرأة الخاصة.
فالمرأة مطالبة بالقيام بحقوق الزوجية من حسن التبعل لزوجها والقيام بواجباتها بوصفها زوجة مطيعة مخلصة لزوجها كما قال [: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه» أخرجه أحمد، ومعلوم أن السجود لغير الله محرم، والمقصود هو بيان وجوب طاعة الزوج، فليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج؛ ولهذا قال [: «إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت»، ومن عظم حق الزوج على زوجته أنها تستأذنه في بعض نوافل العبادات كما قال [: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره، فإنه يؤدى إليه شطره» أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: قيل لرسول الله [: أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره» أخرجه النسائي، وقال [: «نساؤكم من أهل الجنة: الودود الولود العؤود على زوجها، التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول: لا أذوق غمضا حتى ترضى» أخرجه النسائي.
وعلى المرأة مسؤولية تربية الأبناء ورعايتهم وحسن تنشئتهم؛ لأنها المحضن الأول الذي ينشأ فيه الأطفال ويتعلمون مبادئ الخير وأبجديات الحياة وأسس الأخلاق والآداب؛ ولهذا قال [: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» إلى أن قال: «والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها» الحديث متفق عليه، وفي لفظ مسلم: «والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم»، قال الخطابي: «ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك» أهـ، ولهذا كفيت المرأة أمر العمل واكتساب الرزق لتتفرغ لهذه المهمة العظيمة والوظيفة الجليلة.
ومن أولى أوليات المسلمة العناية بالعلم الشرعي على اختلاف أبوابه ومجالاته، وأول ذلك العناية بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا، وقد كان السابقون يعتنون بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا قبل البدء بدراسة العلوم الأخرى، قال ابن أبي حاتم: «لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن»، ثم العناية بدراسة العقيدة الصحيحة أخذا من كتاب الله وسنة رسوله [ وفق منهج سلف الأمة الكرام، كما دونها العلماء المحققون من السابقين والمعاصرين في مؤلفات موثوقة ومشهورة، ثم الحرص على معرفة الأحكام الفقهية فيما تحتاج إلى معرفته من أمور العبادات والمعاملات لتعبد الله على بصيرة وتجتنب الزلل في القول والعمل والبعد عن الجهل والقول على الله بغير علم.
وقد كان في نساء السلف عالمات فقيهات مثل أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وغيرهما، ومن الصحابيات أم سليم بنت ملحان وزينب بنت أم سلمة ومعاذة العدوية وغيرهن، وممن بعدهن كريمة بنت محمد بن حاتم راوية صحيح البخاري التي رحل إليها أفاضل العلماء، وكان لها مجلس بمكة للحديث، وفاطمة بنت علاء الدين السمرقندي من الفقيهات الجليلات التي أخذ عنها الكثير من الفقهاء.
ومن زينة العلم «العمل الصالح»؛ فالعمل الصالح ثمرة العلم وفائدته، وقد ذم الله تعالى الذين لا يعملون بعلمهم، فقال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}، وقال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} قال المفسرون: في هذه الآية الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به وأنه نزول إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه.
وقد كان في نساء سلف الأمة من العابدات اللاتي يضرب بعبادتهن المثل في قيام الليل وصيام النهار والمداومة على قراءة القرآن والمحافظة على الذكر، وهكذا ينبغي أن تكون المسلمة في حرصها على عمارة وقتها بالطاعة والعبادة، لا أن تكون مع الغافلات اللاهيات، فقد حذر الله من اتباع الغافلين فقال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} وقال تعالى {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}.
وعلى المرأة أيضا مسؤولية النصح والإرشاد لغيرها، فمن بركة الله تعالى على العبد وتوفيقه له أن ييسر له تكميل نفسه وأن يسعى في تكميل غيره، فمن أهم واجبات المسلمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه وظيفة الرسل وأتباع الرسل كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
وبعض الناس يحصر هذا الواجب في الرجال فقط دون النساء، مع أن النصوص الشرعية لم تفرق بينهما في وجوب القيام بهذه الفريضة، كما أن التاريخ يشهد بقيام طائفة كبيرة من النساء بالدعوة إلى الله تعالى، وكان لهن الفضل العظيم في هداية من دعونه، فهذه أم سليم تعرض الإسلام على زوجها مالك بن النضر وعلى ابنها أنس، وعلى أبي طلحة عندما جاء لخطبتها وجعلت إسلامه مهرها، ولحقت أم حكيم بنت الحارث بزوجها عكرمة بن جهل وكان قد فر إلى اليمن وحثته على الإسلام والقدوم على النبي [ بعد أن أخذت له الأمان، ومعلوم أن الدعوة إلى الله تعالى تقوم على العلم والحلم والرفق والصبر مع مراعاة الحكمة وتقدير المصالح والمفاسد
ومن مسؤوليات المرأة أن تكون قدوة لغيرها في خلقها وسمتها، كما قال [: «إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة»، والسمت هو الهيئة ويطلق على السكينة والوقار، فمراعاة الهيئة الإسلامية من الحشمة والوقار والسكينة والخلق الرفيع والبعد عن سفاسف الأمور مطلوب شرعا؛ لأن ذلك من توقير العلم والسنة، ومن أبلغ سبل الدعوة حيث إن كثيرا من الناس يتوقف في قبول الحق حتى يراه واقعا ماثلا أمامه، فالقدوة الصالحة من أعظم وسائل الدعوة كما قال الحسن البصري: «عظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك»، وقال: «الواعظ من وعظ الناس بعمله لا بقوله».
إن المسلمة تنتظرها مسؤوليات جسام، ويؤمل منها القيام بدور بارز في المجتمع، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بعد أن تتحلى المسلمة بالعلم النافع والعمل الصالح والخلق الرفيع؛ لتكون مثالا يقتدى وأسوة تحتذى لغيرها من بنات جنسها.
لاتوجد تعليقات