رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 27 أكتوبر، 2014 0 تعليق

ماذا دها الإعلام؟!

 لقد فاق الإعلام اليوم في خطورته أكثر الأسلحة فتكاً وأشدها بأساً، فقد يطيح بحكومات، ويتحكم في مصائر شعوب، ويفضي إلى إزهاق  أرواح، ويعيد تعريف أشياء!

وفي السنوات الأخيرة تعاظم دور الإعلام تعاظماً لم يسبق له مثيل، ولاسيما إبان فترة ما يسمى بالربيع العربي؛ حيث كان للإعلام نصيب الأسد في السباق الحامي الذي يرمي إلى تحقيق مكاسب وأهداف على حلبة الصراع بين الفرقاء.

 

     ويؤسفني أن أقول إن أغلب القائمين على أمر الإعلام اليوم لا يلقون بالاً لأخلاقيات المهنة الإعلامية، ولا يأبهون للقيم والمثل في الحقل الإعلامي، بل كثير منهم لا يحترم عقل المتلقي الذي يخاطبه بالرسالة الإعلامية، لدرجة أنه لا يتورع عن الكذب الفاضح، والتناقض السخيف، فينشر الشائعات من أجل الحصول على مكاسب رخيصة دون تثبت أو تحرٍّ، ويلمِّع الشخصيات التي تتفق مصلحته معها، في مقابل تشويه صورة المناوئين له! حتى صار المتلقي في حيرة من أمره، وهو يرى ما يرى من أخبار مفبركة، وتصريحات متناقضة، وتحليلات يصادم بعضها بعضاً؛ فهو لا يدري من يصدق ومن ويكذب، في ظل زخم متلاطم من وسائل الإعلام التي ما زالت إلى يومنا هذا تحاول أن تؤكد مصداقيتها وحياديتها، وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى!  

       قد تجد حلقة كاملة في برنامج تلفزي، يمثِّل فيها الضيوف أدواراً مدفوعة القيمة، وقد تجد مقطع فيديو مفبركاً بكامله في الإنترنت، وقد تجد خبراً في صحيفة سرِّبت من خلاله معلومات مضللة، وقد تجد مقالاً في موقع إلكتروني لا يخلو من تحامل وافتراء على شخصيات أو جهات مناوئة لفكر الكاتب وتوجهه! بل وصل الأمر ببعضهم أن يهاجم أصدقاء الأمس حين ارتبطت مصالحه بآخرين، وأن يمدح أعداء الماضي حين دارت الدائرة عليهم، ولا يستحي في ذلك كله أن يناقض ما قاله من قبل، ولا أن ينقلب على ما كان يدعو إليه ويتشدق به!

     وإنني اليوم لأجد نفسي مبهوراً أمام حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أتأمل دقة التعبير النبوي في الحديث الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه: (الرجل يغدو من بيته فيكذبُ الكذبة تبلغ الآفاق)، فإن لم يكن هذا الوصف الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام منطبقاً على ما يفعله بعض الإعلاميين اليوم ومن يظهر في أجهزة الإعلام من سياسيين وغيرهم، من كذب وافتراء وتضليل، فعلى من ينطبق هذا الوصف؟!

     فلا غرو أن يكون جزاء أمثال هؤلاء أليماً بقدر فداحة الإثم الذي ارتكبوه على أوسع نطاق يصل إليه فضاء الإعلام، إذسمّموا بكذبهم العقول وشوّهوا صور الأبرياء، وربما تسببوا في إزهاق الدماء وهتك الأعراض، فيكون الجزاء من جنس العمل: «فأتينا على رجُل مستلقٍ لقفاهُ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شِقّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخراه إلى قفاهُ، وعيناهُ إلى قفاه» قال: «ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح الأول كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى».

     قال ابن القيم رحمه الله: «الكذب متضمن لفساد نظام العالم، ولا يمكن قيام العالم عليه لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمن لفساد المعاش والمعاد، ومفاسد الكذب اللازمة له معلومة عند خاصة الناس وعامتهم، كيف وهو منشأ كل شر، وفساد الأعضاء لسان كذوب، وكم أزيلت بالكذب من دول وممالك، وخربت به من بلاد، واستلبت به من نعم، وتقطعت به من معايش، وفسدت به مصالح، وغرست به عداوات، وقطعت به مودات، وافتقر به غني، وذلَّ به عزيز، وهتكت به مصونة، ورميت به محصنة، وخلت به دور وقصور، وعمرت به قبور، وأزيل به أنس، واستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدواً مبيناً، ورد الغني العزيز مسكيناً، وهل ملئت الجحيم إلا بأهل الكذب الكاذبين على الله، وعلى رسوله، وعلى دينه، وعلى أوليائه، المكذبين بالحق حمية وعصبية جاهلية» (مفتاح دار السعادة (2/73))

     هذا غير الدور الخبيث الذي تؤديه بعض الأجهزة الإعلامية في تحريف العقائد، وزعزعة الثوابت، وطمس القيم، وإفساد الأخلاق؛ حتى صار (الغزو الثقافي) هو الاستعمار الجديد الذي تُستَخدم فيه أسلحة من نوع جديد، أشد فتكاً من الأسلحة التقليدية!

    لقد تحول الإعلام اليوم من رسالة سامية إلى مطية رخيصة لأصحاب الأهواء، يوجهونها حيث اتفقت مصالحهم وأُشبعت أطماعهم، دون حياء ولا ورع، ليثبتوا أن المزاعم القائلة بحياد الإعلام لا تعدو أن تكون ضرباً من الخيال الذي لا يسنده الواقع!

     ولكننا نعود لنقول: إن من بين هذه الظلمة الإعلامية ينبعث بصيص من الأمل، تبثه الأجهزة الإعلامية التي تحمل رسالة هادفة، ترمي إلى تصحيح العقيدة  لترتبط بالله جل وعلا، وتزكية المجتمع ليسير على هدي النبوة؛ ومع  قلة  هذه الأجهزة في ظل الغثائية الطاغية، فإنها لا شك سوف تبدد يوماً حُجُبَالظلام؛ فإن الحق أبلج، وإن كان قليل الأنصار، وإن الباطل زهوق لجلج، وإن كثر دعاته ومناصروه.

     وليوقن القائمون على هذه الأجهزة الرسالية أنهم على ثغر من الثغور مأجورون عليه إن شاء الله تعالى؛ لما فيه من نفع متعدٍّ وخير عميم؛ فقد يكونون سبباً في هداية الآلاف، بل الملايين الذين سيضافون إلى ميزان حسناتهم، فليستعينوا بالله جل وعلا، ولا تضرهم قلة السالكين،أو تغرهم كثرة الهالكين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك