رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 24 يناير، 2016 0 تعليق

مؤتمر صناعة التطرف- قراءة في تدابير المواجهة

الصحافة الصفراء في أوربا تشوه صورة الإسلام من خلال التركيز على نماذج المتطرفين والإرهابين وإظهار الدين الإسلامي على أنه دين عنف وجهل

من الضروري وجود قنوات مناسبة للشباب لتفريغ طاقاتهم والمشاركة إيجابيًا في مجتمعاتهم

أكد هذا المؤتمر أن هناك حالة استنساخ للأفكار الغربية المعلبة التي درجت المؤسسات والمراكز البحثية الغربية على نشرها في مجتمعاتنا حتى أصبحت من المسلمات

الانترنت ساهم في انتشار التطرف وجعله يصل إلى أماكن لم يستطع التوصل إليها

 

شهدت مكتبة الإسكندرية، الأحد 3 يناير 2016، افتتاح مؤتمر (صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية)، الذي عقد في الفترة من 3 إلى 5 يناير 2016 بمكتبة الإسكندرية، وشهد مشاركات من 18 دولة عربية تضم خبراء في مجالات التطرف والإرهاب وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والإسلامية ويأتي المؤتمر وفق توصية للمؤتمر المنعقد العام الفائت الذي تناول القضية ذاتها، وأوصى بأهمية عقد سلسلة من المؤتمرات لمناقشة الموضوع ذاته.

افتتح المؤتمر الدكتور إسماعيل سراج الدين -مدير المكتبة-، وامتد المؤتمر لثلاثة أيام مشتملاً على جلسات نقاشية عدة، على جانبه ثم تناول عدداً من القضايا والعناوين المهمة المتعلقة بالموضوع الرئيسي للمؤتمر.

 

     وشارك في المؤتمر ما يقارب من250 مفكراً من العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية؛ مما رفع آمال بعضهم أن يأتي المؤتمر بجديد عن مؤتمر العام الماضي وغيره من المؤتمرات التي عقدت في دول عدة إلا أن الأمر لم يكن كذلك؛ حيث اقتصرت المشاركات على مفكرين ينتمون إلى اتجاه فكري واحد بصورة أو بأخرى؛ مما أفقد المؤتمر الزخم الموضوعي المنتظر وتقديم حلول أكثر عملية لمواجهة الظاهرة الملموسة بوضوح.

الإرهاب الداخلي في أوروبا فقط إسلامي

     جاءت جلسة (الإرهاب الداخلي في أوروبا) التي أدارها الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني الأستاذ عبدالوهاب بدرخان لتلقي الضوء على أحد روافد الظاهرة؛ حيث تحدث د.سعيد شحاته، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، عن مصادر التطرف الديني في أوروبا ومنها: بعض المساجد التي تنشر فكر التطرف وفتاواه، والمدارس الإسلامية والقنوات التليفزيونية التي تنشر الكراهية للدول الأوروبية، ووسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن هناك عددا من العقبات التي تعرقل مساعي مواجهة التطرف والإرهاب ومنها الأئمة المتطرفون.

الإعلام الغربي والتطرف

     بينما جاءت مشاركة الدكتورة فرانشيسكا بيانكانا -أستاذة التاريخ من إيطاليا- أكثر اتزاناً؛ حيث حملت الإعلام الغربي قدراً من المسؤولية في صناعة التطرف؛ حيث ألقت اللوم على الإعلام الإيطالي والمثقفين في  مسؤولية دعم التطرف ضد الإسلام وصناعته، مشيرة إلى أن هناك العديد من المثقفين الذين يسهمون في تكوين الرأي العام تم منعهم؛ مما أدى إلى شعور الآلاف من الأشخاص بالتهميش والتمييز ضدهم بسبب تحميلهم مسؤولية العنف الذي يحدث، على الرغم من احترام هؤلاء للقيم والثقافة المدنية والإيطالية، وذلك بسبب الاعتقاد الخطأ والسائد بوجود منطقة رمادية بين المسلمين في أوروبا وداعش الأمر الذي أدى إلى عدوانية اليمين الأوروبي تجاه الجاليات المسلمة.

     إلى قريب من هذا المعنى أشار عبد الوهاب بدرخان إلى دور الإعلام والصحافة الصفراء في أوروبا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين من خلال التركيز على نماذج المتطرفين والإرهابيين وإظهار الدين الإسلامي دينَ عنف وجهل، دون إلقاء الضوء على النماذج الناجحة من المسلمين وإظهار سماحة الدين الإسلامي واعتداله.

تعديل المناهج التعليمية

     وفي جلسة أخرى بعنوان (التعليم والتطرف) قال د. حميد شهاب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بغداد: إن التخلف والجهل يؤديان إلى التعصب بمختلف أنواعه سواء كان عرقياً أم دينيا أم طائفياً، وأن التجارب أثبتت ودلت على أن التخلف والجهل والعصبية التي تتصف بها أي نخبة حاكمة هي أسوأ بكثير من الدكتاتورية؛ من حيث الانعكاسات أو المردودات السلبية على المجتمع.

وشدد (شهاب) على أهمية أن تتضمن مناهجنا التعليمية الأفكار والقيم الإنسانية وإبرازها من خلال القيم المشتركة لجميع الأديان السماوية والدنيوية، كما ينبغي أن تتضمن هذه المناهج قبول بعضنا بعضا بغض النظر عن الانتماء الديني أو الطائفي أو العرقي.

الدور الأمني

     وهو المعنى ذاته الذي أكدت عليه د. سلوى الدغيلي، أستاذة القانون الدستوري بجامعة بني غازي من ليبيا؛ حيث أكدت على أهمية وجود دور أمني لمحاربة التطرف، فضلا عن ضرورة وجود قنوات مناسبة للشباب لتفريغ طاقاتهم والمشاركة إيجابياً في مجتمعاتهم، سواء من خلال الأنشطة السياسية أم الثقافية أم غيرها.

الإنترنت في موضع المساءلة

     في الجلسة ذاتها أشار د. شهاب الإدريسى -المدير التنفيذى لمعهد الدراسات المستقبلية بلبنان- خلال جلسة (الفضاء الرقمى والتطرف) التي أكد فيها على أن ما تقوم به بعض المؤسسات الدينية الرسمية التى تُضيق على الإسلاميين والمتطرفين، فيؤدى بالشباب إلى الإرهاب، بل قد يكون إلى الإلحاد.

مؤكداً على أن المتطرفين يستخدمون الحرب النفسية لحشد الشباب، فضلا عن نشاط عملياتى كامل يضم التفخيخ والتسليح وتنفيذ عمليات إرهابية.

وأكد أن الإنترنت ساهم فى انتشار التطرف، وجعله يصل إلى أماكن لم يستطع التوصل إليها، ويستطيع أن يتصل بآلاف الأشخاص فى النصف الثانى من العالم، وخلق مسار للأشخاص للتوجه إلى التطرف شخصيا بدون شخص يقوده.

مشاركة الأزهر

     في المقابل جاءت مشاركة ممثل الأزهر متماشية مع الطرح العام للمؤتمر؛ حيث تطرق د.أسامة نبيل إلى الخطوات التي اتخذها الأزهر لتطوير الخطاب الديني من خلال سلسلة من اللقاءات لصياغة وثيقة الأزهر لتجديد الخطاب الديني، وتبني تجديد الفكر والعلوم الإسلامية، إلى جانب إعلان الأزهر عن خطته لمكافحة الإرهاب بمشاركة 120 دولة إسلامية.

     وأرجع تكثيف دور الأزهر في مواجهة التطرف بحلول 2015 للتحذير من مغبة الإرهاب وأنه لا دين له، ووصفه بالوباء الذي ينخر في عظام الأمة، مشيرًا إلي دور الأزهر في تطوير منظومة التعليم الأزهري، وتدريب الأئمة والدعاة والباحثين حول تجديد الفكر والخطاب الديني، وطباعة العديد من الكتب حول وسطية الإسلام.

الأمن القومي العربي

     من الجلسات التي عقدت أيضاً جلسة نقاشية حول (الإرهاب والأمن القومي)، ترأسها الخبير الاستراتيجي اللواء محمد مجاهد الزيات، وتحدث فيها اللواء مختار بن ناصر- المتحدث السابق باسم الجيش التونسي-، واللواء محمد إبراهيم -مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي السابق بالمخابرات العامة المصرية-، والدكتور أنور عشقي -مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الدولية والقانونية-. وارتكزت الجلسة حول تداعيات صعود الحركات الإرهابية في العالم العربي على الأمن القومي للدول العربية. حيث قال مجاهد الزيات: إن تنظيم (داعش) يلعب دورًا حيويا في عملية تقسيم الدول، وفي بداية الجلسة قال (الزيات): إن العالم العربي يحفل بتطورات خطيرة على أمنه القومي؛ إذ أصبح العديد من الدول الوطنية على شفير التقسيم كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا في إطار تصارع النظام الإقليمي. وأضاف أن الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية يلعب دورًا حيويا في عملية التقسيم هذه، موضحًا أن هذا التنظيم لا يختلف في جوهر أفكاره عن التنظيم الأم القاعدة في غير درجة التوحش والإسراع إلى إعلان الخلافة، متنبئاً بأننا في الفترة القادمة سنتحدث عن العائدين من سوريا والعراق بوصفهم عناصر خطيرة على أمن الدول، وهو ما يعززه فشل التحالف الدولي في القضاء على التنظيم، وهو ما يعني أن ظاهرته ستستمر في السنوات القادمة على الأرجح.

مفهوم الأمن القومي

     وشهدت الجلسة مناقشة حول مفهوم الأمن القومي العربي المشترك وسط خلاف حول جدوى الحديث عن الأمن المشترك الذي عده بعضهم (حديثاً مثالياً) مع ميل إلى حتمية التعامل مع الأمن القومي لكل دولة على انفراد وهو الأمر الذي ثبت مدى خطورته؛ حيث يتجمع المتطرفون من دول عدة عربية بل وغربية على اختلاف درجات التطرف ويشكلون تنظيمات تأخذ الطابع العالمي المتوسع.

مؤتمرات العين الواحدة

     جاء هذا المؤتمر ليؤكد حالة من الاستنساخ الدائم لأفكار معلبة ومحفوظة درجت المؤسسات والمراكز البحثية الغربية على نشرها وتكرار الحديث عنها حتى أصبحت من المسلمات عند هذا القطاع المذكور من المثقفين، ومن آن لآخر تأخذ بعضهم الحماسة لعقد تلك المؤتمرات، التي نستطيع أن نطلق عليها مؤتمرات (العين الواحدة) التي يشبع فيها الكثيرون رغبتهم في الحديث عن قضية في غاية الخطورة كقضية التطرف والإرهاب، والخلاصة تأتي دائما بالتأكيد على الأفكار الغربية في تعريف التطرف والإرهاب وآليات مواجهته دون بذل جهد حقيقي في محاولة النظر المتزنة إلى الواقع الإسلامي في الدول العربية والغربية.

     وكالعادة غاب الشمول عن مفهومي التطرف والإرهاب ليقتصر على توجيه الاتهام إلى ذوي التوجه الإسلامي مغفلاً أنواع التطرف الأخرى التي تضرب العالم مثل موجات الإلحاد والإباحية المتنامية التي تأتي مدعومة من المنظمات الرسمية وغير الرسمية من منظمات المجتمع المدني سواء الغربية أم توابعها في الدول العربية التي تنفق ببذخ لا حدود له في نشر المفاهيم والسلوكيات الغربية، مدعومة أحياناً بقوة السلاح في تدمير الدول العربية والإسلامية لتأتي بعدها مشاريع إعادة الإعمار مصحوبة بمشاريع تذويب الهوية الإسلامية التي تقوم عليها الكثير من منظمات المجتمع المدني.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك