رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالباقي خليفة 9 فبراير، 2015 0 تعليق

مأزق تشكيل الحكومة في تونس: ما الحل؟

لأول مرة في تاريخ تونس تكونت حكومة وتم الإعلان عنها، لكنها لم تحكم، ولن تحكم بتشكيلتها المعلنة، بعد إعلان العديد من الكتل البرلمانية رفضها المصادقة عليها؛ وهو ما أجَّل جلسة البرلمان للمصادقة على حكومة رئيس الحكومة المعين (حبيب الصيد)، التي كانت مقررة الثلاثاء 27 يناير2015 م. فما أسباب تأخر تشكيل الحكومة، ورفضها من قبل العديد من الكتل البرلمانية ذوات الوزن الثقيل وفي مقدمتها حركة النهضة التي تتمتع بـ69 مقعدا داخل البرلمان، بفارق يزيد عن 50 مقعدا عن الكتلة الثالثة؛ من حيث عدد المقاعد في المجلس النيابي؟

     مخاض عسير: مر أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 أكتوبر2014 م، والحكومة الجديدة لم تتشكل بعد. وتعد هذه الفترة مقياسا للورطة التي يجد رئيس الحكومة المكلف (حبيب الصيد) نفسه فيها،بل البلاد بأسرها، ولاسيما إذا علمنا أن حكومة الترويكة التي تكونت بعد انتخابات 2011م لم تستغرق أكثر من شهر. وتعود أسباب تأخر تكوين الحكومة إلى الخلافات التي تشهدها أروقة الحزب الذي نال أكثر الأصوات وهو حزب نداء تونس (86 مقعدا) ثم المشاورات مع الأحزاب السياسية التي استغرقت الكثير من الوقت، ولا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على المشهد العام، وقد زاد الإعلان عن تشكيل حكومة دون توافقات من الأزمة، فقد أشار زعيم حركة النهضة التونسية، الشيخ راشد الغنوشي، إلى أن حكومة (حبيب الصيد) لا تمثل كل التونسيين، وأعرب عن أمله في أن تفضي المشاورات الجارية التي جمدت الحكومة المعلنة في انتظار التعديلات الممكنة، إلى توافقات وطنية حول تركيبة الحكومة وبرنامجها حتى تحظى بأغلبية واسعة عند تقديمها لمجلس نواب الشعب لنيل الثقة. وقال الغنوشي في تسجيل صوتي، إذا حافظت حكومة الصيد على تركيبتها الحالية فإن حركة النهضة لن تمنحها ثقتها؛ لأنها لا تمثل طموحات التونسيين في حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة، وعلى اتخاذ القرارات الصعبة، والقيام بالإصلاحات الضرورية في البلاد.

     وربما لهذه الأسباب وغيرها عبرت حركة النهضة، (69 مقعدا) والجبهة الشعبية (15 مقعدا) وآفاق تونس (8 مقاعد) والمبادرة (7 مقاعد) عن أهمية نجاح المشاورات الجارية، في تغيير تركيبة الحكومة المعلنة، التي يبدو أن التعديلات المقترحة ترضي حركة النهضة، حسب ما أفاد به رئيسها عقب لقاء رئيس الحكومة المعين الحبيب الصيد. دون أن يذكر التعديلات التي عرضت عليه، وهو ما يفيد بحصول تسرع في عملية الإعلان عن التركيبة الحكومية السابقة وأنه تمت مراجعتها.

     مآخذ على حكومة الصيد: المآخذ على حكومة الصيد (المجمدة) متعددة، فإلى جانب تكوينها دون استشارة الكتل المهمة في مجلس نواب الشعب، فضلا عن التوافق حولها، هناك مآخذ على بعض أعضائها، فرئيس (حزب المبادرة) (كمال مرجان) وصف حكومة الصيد التي يجري تغيير تركيبتها بأنها تضمنت أسماء وزراء لا يمتلكون دراية باختصاص الوزارات التي تحصلت عليها، وهو ما سيدفع البلاد إلى تكوين حكومة كل خمسة أشهر فيما أعلن الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، محمد عبو إلى وجود مرشحين تحوم حولهم الشبهات.

      وكان حزب التكتل قد عبر عن الموقف بصورة كاريكاتورية بعد هذه التسميات على رأس بعض الوزارات ما بقي سوى استدعاء الطرابلسية (أصهار الرئيس المخلوع) ليس ذلك فحسب، بل إن قيادات المكتب السياسي لحزب نداء تونس، مثل (ناجي جلول)، أكدوا على أن تركيبة الحكومة فاجأتهم ولا يعرفون من اقترح الأسماء. وكان قد راج في وقت سابق على لسان منسحبين من حزب نداء تونس، أن رئيس الحزب يأتي بالأوامر ويحاول فرضها دون أن يعلموا الجهة التي أصدرتها.

     ويبدو أن وزير الداخلية المقترح، (ناجم الغرسلي)، من أكثر الأسماء المثيرة لحفيظة الحقوقيين ورجال القضاء. وأصدر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، ومرصد استقلال القضاء بيانين على إثر اختيار ناجم الغرسلي، وزيرا للداخلية، وتصريحه بأنه عضو في الجمعية، وأنه كان يدافع عن حقوق القضاة، وكان صوت الحق؛ حيث فندت أقواله وقالت الجمعية لم يكن يوما مسؤولا عن فرع جهوي لجمعية القضاة، وأنه كان يؤدي دورا استخباريا عند حضوره الجلسات التي كانت تعقدها الجمعية، وأنه كان ضمن المجموعة التي قادت انقلابا على جمعية القضاة، وممن استخدمتهم سلطة الاستبداد لاضطهاد القضاة، وتسمية مثل هؤلاء انحرافاً يتعارض مع الإصلاح ورسالة سلبية إلى القضاة، على حد ما جاء في البيان.

     وربما الأغرب من كل ما سبق، أن يتم تعيين وزراء دون علمهم مما دفع بعضهم للاعتذار، مثل (كريم سكيك)، الذي يمتلك شركة اتصالات، وتم تعيينه وزيرا لتكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي، ومثل أستاذ الأقتصاد، (توفيق الراجحي)، وغيرهم.

     سيناريوات متوقعة: من المؤكد أن التشكيلة الحكومية التونسية التي أعلن عنها، وأثارت حفيظة عدد من الأحزاب البرلمانية، من المؤكد أنها ستشهد تغيرا لا يعرف إلى حد الآن حجمه والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه التغيير.

- السيناريو الأول: حكومة وحدة وطنية تضم معظم الأحزاب البرلمانية، وربما أحزاب غير برلمانية مثل المسار، الذي يقال: إنه سيشغل حقيبة الصحة. لكن هذا السيناريو مستبعد؛ لأن الجبهة الشعبية ترفض دخول النهضة في الحكومة إلى جانب التيار اليساري الإستئصالي داخل (حزب نداء تونس) نفسه.

- السيناريو الثاني: حكومة الحزام السياسي كما وصفها أحد قياديي تونس (بوجمعة الرميلي) وهي حكومة تضم الأحزاب السياسية القريبة من نداء تونس، مثل آفاق، والمبادرة، وربما الجبهة الشعبية، التي تلتقي في بعض مفاصل المشروع العلماني مع نداء تونس، لكن الجبهة الشعبية لا تشترط عدم دخول حزب حركة النهضة في الحكم فحسب، بل لها مطالب أخرى، مثل تجميد الأسعار، وعدم رفع الدعم عن السلع الأساسية. ومن المستبعد أن تتنازل عن الشرطين الأخيرين في حال استبعاد النهضة فقط؛ مما يجعل أي حكومة تتشكل دون النهضة والجبهة عرضة للقلاقل وإمكانية تغيير الحكومات كل بضعة أشهر.

- السيناريو الثالث: تشكيل حكومة بـ109 أصوات من أصل 214 صوت هم عدد مقاعد البرلمان، وتضم الحزام السياسي بدون الجبهة الشعبية، والنهضة، وهي حكومة ستكون ضعيفة جدا ومعرضة للسقوط في أي لحظة، وربما لن تعمر طويلا في ظرف اقتصادي صعب للغاية يشهد ضعف نسق نمو الانتاج الخام (2 في المائة) واستفحال عجز الميزان التجاري (13،6 مليار دينار تونس،أي نحو 7 مليار يورو) وانهيار قيمة الدينار (الدولار قرابة دولارين) واستقرار التضخم في مستوى مرتفع (بين 5 و6 في المائة) وقد حصلت تونس على قرض ب500 مليون دولار بفائض قيمة مرتفع جدا وهو ما يعادل 11 مرة قرضا مماثلا سنة 2007 م وهناك حديث عن الحاجة لملياردولار لتعديل ميزانية 2015 م. ولهذه الأسباب قد يتم العدول عن هذا التمشي السياسي ولو بعد حين، أي إمكانية تغيير الحكومة بعد 6 أشهر أو عام كما يروج عن حكومة مؤقتة.

- السيناريو الرابع: تجنب الحكومة المؤقتة، في حال فشل المفاوضات بين الأطراف القريبة من نداء تونس (حزب آفاق، والمبادرة، والوطني الحر، والجبهة الشعبية) أوخروج الأخيرة من المشاورات والتموقع في المعارضة، وإشراك النهضة في الحكم، وهو ما أشار إليه القيادي في حزب نداء تونس، (بوجمعة الرميلي) إذا لم نضمن استقرار الحكومة، فسنشرك النهضة، وهناك من عبر عن هذه الرؤية باستحضار قوانين لعبة كرة القدم الاحتياطيون (النهضة) جاهزون للعب في الشوط الثاني، وذلك في تهديد مبطن لأحزاب (الحزام) إذا ما تمادت في وضع الشروط، التي ترى أن تحالف النهضة والنداء (كارثة وطنية) كما وصفها قيادي في الجبهة الشعبية، (رياض بن فضل). لكن أطرافاً أخرى من داخل النداء وخارجه دعت لإشراك النهضة، فالرئيس الباجي قايد السبسي أشار في وقت سابق إلى أن حزبا حاز على 69 مقعدا داخل البرلمان لا يمكن القول له مكانك في المعارضة ودعوة أحزاب آفاق و التحالف الديمقراطي، والحركة الدستورية، إلى إشراك النهضة، وقد حذر رئيس الوزراء الأسبق (حامد القروي) من مغبة الإقصاء بعدم إشراك النهضة في الحكم وهو ما حرم البلاد العديد من الكفاءات في في عهد المخلوع بن علي، وهو يطال اليوم الحزب الثاني داخل البرلمان (النهضة) واتهم من وصفهم بالزعامات المزيفة بركوب موجة الثورجية بينما همهم الوحيد هو الكراسي. قال أحد أقطاب التحالف الديمقراطي، مهدي بن غربية، في السياق نفسه مشاركة النهضة ضرورة في هذه الحكومة لتحظى بأغلبية مريحة داخل البرلمان.وعلق القيادي البارز في حزب حركة النهضة على دعوات حكومة الوحدة الوطنية بالقول: لا يمكن الحديث عن حكومة وحدة وطنية بدون أن تكون النهضة شريكا فاعلا فيها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك