رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله 12 يونيو، 2018 0 تعليق

ليلة القدر هي أفضل الليالي

ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر -سبحانه- أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال -سبحانه- في أول سورة الدخان: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(الدخان:1-6).

     وقال -سبحانه-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ  سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(القدر:1-5)، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق على صحته، وقيامها يكون بالصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، وغير ذلك من وجوه الخير.

العمل فيها

     وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده؛ فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر».

متنقلة في العشر

     وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائمًا؛ فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين، وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع؛ فمن قام ليالي العشر كلها إيمانًا واحتسابًا، أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها.

مزيد اجتهاد

     وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها. وقالت: كان إذا دخل العشر، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجد وشدَّ المئزر، وكان يعتكف فيها صلى الله عليه وسلم غالبًا، وقد قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:31).

وسألته عائشة -رضي الله عنها-؛ فقالت: يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر، ويجتهدون فيها بأنواع الخير.

المشروع للمسلمين

     فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام -رضي الله عنهم- وبسلف هذه الأمة الأخيار؛ فيحيوا هذه الليالي بالصلاة، وقراءة القرآن، وأنواع الذكر والعبادة، إيمانًا واحتسابًا، حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار، والعتق من النار، فضلًا منه -سبحانه- وجودًا وكرمًا.

     وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر، كما قال -سبحانه-: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}(النساء:31)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»، خرجه الإمام مسلم في صحيحه.

خطر عظيم

     ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين، قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله -سبحانه- مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة، وفي ذلك خطر عظيم؛ فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك، وأن يعزم عزمًا صادقًا على الاستمرار في طاعة الله، وترك المعاصي، كما قال الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر:99)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(آل عمران:102)، وقال -سبحانه-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ  نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}(فصلت:30-32)، ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله، وآمنوا به، وأخلصوا له العبادة، واستقاموا على ذلك تبشرهم الملائكة عند الموت بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن مصيرهم الجنة من أجل إيمانهم به -سبحانه-، واستقامتهم على طاعته، وترك معصيته، وإخلاص العبادة له -سبحانه- والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب الثبات على الحق، والاستقامة عليه، والحذر من الإصرار على معاصي الله -عز وجل-. ومن ذلك قوله -تبارك وتعالى-: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(آل عمران:133-136).

فنسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين في هذه الليالي وغيرها لما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك