رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 18 أبريل، 2016 0 تعليق

{ليس عليك هداهم}

المطلوب من المسلم أن يقوم بما يقدر عليه، ويؤدي ما يدخل تحت وسعه وطاقته من التكاليف الشرعية، ويدع أمر النتائج لله -تعالى

 

يحمل بعض الناس نفسه مسؤوليات ليست مطلوبة منه، ويكلف نفسه تكاليف لم تجب عليه، فيحاسب نفسه على تقصير غيره، ويلوم نفسه بسبب إهمال الآخرين، دون أن يفرق بين ما يدخل تحت وسعه وطاقته فيكون مسؤولا عنه، وما لا يقدر عليه فلا يكلف به، فلا يكلف فرد بواجب دولة، ولا يساءل مواطن عن تقصير حاكم، فتحرير الأوطان مسؤولية الدول، ونصرة الشعوب واجب ولاة الأمر؛ لأن التكليف بحسب القدرة، ولا يخفى أن قدرة الفرد المواطن ليست كقدرة الدول والحكام، فكل مسؤول حسب قدرته ووسعه.

     ومن المعلوم أن التكليف: هو إلزام مقتضى خطاب الشرع، وشرطه العلم والقدرة، قال شيخ الإسلام: «من استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها».

فلابد من أمرين ليتحقق التكليف؛ الأول: التمكن من العلم، والثاني: القدرة على العمل، والدليل على الأمر الأول قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، قال شيخ الإسلام: «بين -سبحانه- أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول».

والدليل على الأمر الثاني قوله سبحانه: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، قال شيخ الإسلام: «تضمن ذلك أن جميع ما كلفهم به أمرا ونهيا فهم مطيقون له قادرون عليه، وأنه لم يكلفهم ما لايطيقون».

وتأمل تكليف الله -تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله، وتبليغ رسالة ربه، وبيان الدين للناس، ولم يكلفه إدخال الهداية في قلوب الناس، ولا حملهم على اعتناق الإسلام رغما عنهم، فهداية القلوب بيد الله -تعالى- وحده.

قال سبحانه: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.

     قال الشيخ ابن سعدي: «أي: إنما عليك- أيها الرسول- البلاغ وحث الناس على الخير، وزجرهم عن الشر، وأما الهداية فبيد الله تعالى». وقال الشوكاني: «قوله: {ليس عليك هداهم} أي: ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه، ولكن الله يهدي من يشاء هداية توصله إلى المطلوب».

      وقال الألوسي: «{ليس عليك هداهم} أي: لا يجب عليك أيها الرسول أن تجعل هؤلاء المأمورين بتلك المحاسن، المنهيين عن هاتيك الرذائل مهديين إلى الائتمار والانتهاء، إن أنت إلا بشير ونذير ما عليه إلا البلاغ المبين، ولكن الله يهدي بهدايته الخاصة الموصلة إلى المطلوب قطعا من يشاء هدايته منهم؛ فقد أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا ألا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية». وأخرج ابن جرير عنه قال: كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت».

وجاءت آيات كثيرة تكلف النبي صلى الله عليه وسلم   بالبلاغ دون شرح صدور الناس للدين، فقال سبحانه: {وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} (آل عمران: 20)

     قال الطبري: «يعني - جل ثناؤه - بقوله: «وإن تولوا «وإن أدبروا معرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام وإخلاص التوحيد لله رب العالمين، فإنما أنت رسول مبلغ، وليس عليك غير إبلاغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي، وأداء ما كلفتك من طاعتي، {والله بصير بالعباد} يعني بذلك: والله ذو علم بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه فيطيعك بالإسلام، وبمن يتولى منهم عنه معرضا فيرد عليك ما أرسلتك به إليه، فيعصيك بإبائه الإسلام».

وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (المائدة: 92).

قال القرطبي: «{فإن توليتم} أي: خالفتم {فإنما على رسولنا البلاغ المبين} البلاغ في تحريم ما أمر بتحريمه، وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يعصى أو يطاع».

وقال الطاهر ابن عاشور: «والمعنى أن أمره محصور في التبليغ لا يتجاوزه إلى القدرة على هدي المبلغ إليهم».

وقال سبحانه: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (النحل: 35)

قال الألوسي: «أي: ليست وظيفتهم إلا الإبلاغ للرسالة الموضح طريق الحق، والمظهر أحكام الوحي التي منها تحتم تعلق مشيئته تعالى باهتداء من صرف قدرته واختياره إلى تحصيل الحق لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (العنكبوت: 69). وأما إلجاؤهم إلى ذلك وتنفيذ قولهم عليهم شاؤوا أم أبوا كما هو مقتضى استدلالهم فليس ذلك من وظيفتهم ولا من الحكمة التي يدور عليها فلك التكليف؛ فإن الرسل -عليهم السلام- ليس شأنهم إلا تبليغ الأوامر والنواهي لا تحقيق مضمونها قسرا وإلجاء».

وقال عزوجل: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (النحل: 82).

وقال سبحانه: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (الرعد: 40).

     قال ابن كثير: «يقول -تعالى- لرسوله: {وإن ما نرينك} يا محمد {بعض الذي نعدهم} أي: نعد أعداءك من الخزي والنكال في الدنيا{أو نتوفينك} أي: قبل ذلك {فإنما عليك البلاغ} أي: إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة الله، وقد بلغت ما أمرت به {وعلينا الحساب} أي: حسابهم وجزاؤهم كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} (الغاشية: 21 - 26).

وقالت رسل الله لأقوامهم: {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (يس: 17).

يقول الشيخ السعدي: «أي: البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها، وما عدا هذا من آيات الاقتراع ومن سرعة العذاب فليس إلينا، وأن وظيفتنا هي البلاغ المبين».

وقوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} قال القرطبي: «أي: ليس له الهداية والتوفيق ولا الثواب، وإنما عليه البلاغ».

     وقال الطبري: «وهذا من الله - تعالى ذكره - تهديد لعباده ووعيد، يقول - تعالى ذكره -: ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم، أيها الناس، بإنذاركم عقابنا بين يدي عذاب شديد، وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم إلا أن يؤدي إليكم رسالتنا، ثم إلينا الثواب على الطاعة، وعلينا العقاب على المعصية».

     فالمطلوب من المسلم أن يقوم بما يقدر عليه، ويؤدي ما يدخل تحت وسعه وطاقته من التكاليف الشرعية، ويدع أمر النتائج لله -تعالى-؛ فإنه يسأل عما كلف به، ولا يسأل عما لا يقدر عليه، فلا يترك العمل لأن الحمل ثقيل، والتكليف شاق في ظنه؛ فيقع في التفريط والإهمال، ولا يحمل نفسه فوق وسعها بسبب سوء فهمه فيقع في الغلو والتطرف، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قَالَ صلى الله عليه وسلم : «الْوَسَطُ: الْعَدْلُ».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك