رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 4 أبريل، 2016 0 تعليق

{لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم}

فلنتأدب بآداب الإسلام الرفيعة، ونضع الأمور في مراتبها، ونترك العصبية الجاهلية وفخرها بالأنساب، ونحرص على بناء أنفسنا بالإيمان والعلم النافع

 

يكثر بعض الناس من الاعتزاز بالآباء والأجداد، ويبالغ في ذلك إلى درجة العصبية المقيتة، والعنصرية الكريهة، مثيرا للضغائن بين الناس، محتقرا من ليس منه، ومواليا من انتسب له بالحق والباطل، ومقدما ذلك على موالاة الله ورسوله والمؤمنين.

والله -تعالى- قد جعل الأنساب للتعارف وليس للتفاخر فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات: 13).

قال ابن كثير: «أي: ليحصل التعارف بينهم، كل يرجع إلى قبيلته»، ثم قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} قال ابن كثير: «أي: إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب».

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفخر بالأنساب على طريقة الجاهلية فقال: «إنَّ الله أذهب عنكم عُبِّـيَّةَ الجاهليَّة وفخرها بالآباء، إنَّما هو مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ، النَّاس كلُّهم بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب» أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

قال الشراح: «قوله: «أذهب» أي: أزال ورفع، «عبية الجاهلية» بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح التحتية المشددة أي: نخوتها وكبرها، قال الخطابي: العبية الكبر والنخوة، «وفخرها» أي: افتخار أهل الجاهلية في زمانهم.

وقوله: «إنما هو» أي: المفتخر المتكبر بالآباء «مؤمن تقي وفاجر شقي» قال الخطابي: معناه أن الناس رجلان: مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه، وفاجر شقي فهو الدنيء وإن كان في أهله شريفا رفيعا.

     وقيل معناه: إن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله، والذليل لا يستحق التكبر؛ فالتكبر منفي بكل حال. وقوله: «الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب» أي: فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر، أو اذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وجه للتكبر؛ لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة، نعم العاقبة للمتقين وهي مبهمة، فالخوف أولى للسالك من الاشتغال بهذه المسالك».

     وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ على نفسه وقرابته؛ فعن أبي هريرة قال: قام رسول اللهصلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل: {وأنذر عشيرتك الأقربين}(الشعراء: 214). قال: «يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» أخرجه البخاري

ووضع لنا الإسلام قاعدة ذهبية فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بطّأ به عملُه، لم يسرعْ به نسبُه».

قال النووي: «معناه: من كان عمله ناقصا، لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل على شرف النسب، وفضيلة الآباء، ويقصر في العمل».

ويؤكد القرآن هذه الحقيقة فيقول تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (فاطر: 18).

     قال ابن كثير: «أي: وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه،{لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى}. أي: ولو كان قريبا إليها، حتى ولو كان أباها أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله، كما قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه.وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}، ويقول الله: {لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا}».

ويبين الله -تعالى- أن ذوي الأرحام لا يغني بعضهم عن بعض شيئا يوم القيامة إلا إن يكونوا من أهل الإيمان وبإذن الله -تعالى- كما قال عزوجل: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم}.

قال الطبري: «يقول -تعالى- ذكره لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودة، فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا، وكفرتم به.

وقوله: «يفصل بينكم» يقول جل ثناؤه: يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معاصيه والكفر به النار».

وقال القرطبي: «بين الرب عز وجل أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئا يوم القيامة إن عصي من أجل ذلك».

     وقال ابن كثير: «أي: قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوءا، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد، ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء».

     قال ابن عاشور: «فلا تنفعكم ذوو أرحامكم ولا أولادكم، ولا تدفع عنكم عذاب الآخرة إن كانوا قد نفعوكم في الدنيا بصلة ذوي الأرحام ونصرة الأولاد». وقال الشوكاني: «أي: لا تنفعكم القرابات على عمومها ولا الأولاد، وخصهم بالذكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنو عليهم.

ومعنى {يفصل بينكم} يفرق بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار. وقيل: المراد بالفصل بينهم أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول كما في قوله: {يوم يفر المرء من أخيه}(عبس: 34).

وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}(البقرة: 166).

قال البغوي: «{وتقطعت بهم} أي عنهم {الأسباب} أي الصلات التي كانت بينهم في الدنيا من القرابات والصداقات وصارت مخالتهم عداوة».

 وقال ابن جريج: «الأسباب»: الأرحام كما قال الله تعالى: {فلا أنساب بينهم يومئذ}.

وقال السدي: يعني الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا كما قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}(الفرقان: 23).

وأصل السبب ما يوصل به إلى الشيء من ذريعة أو قرابة أو مودة ومنه يقال للحبل سبب وللطريق سبب.

ولاينفع عند الله -تعالى- إلا الإيمان والعمل الصالح وما كان لله سبحانه كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}(الزخرف: 67)، قال ابن عباس: «فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين».

وقال الطبري: «يقول -تعالى ذكره-: «المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا، بعضهم لبعض عدو، يتبرأ بعضهم من بعض، إلا الذين كانوا تخالوا فيها على تقوى الله».

     قال الشوكاني: «أي: الأخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم {لبعض عدو} أي: يعادي بعضهم بعضا؛ لأنها قد انقطعت بينهم العلائق، واشتغل كل واحد منهم بنفسه، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء أسبابا للعذاب فصاروا أعداء، ثم استثنى المتقين فقال: {إلا المتقين} فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة ؛ لأنهم وجدوا تلك الخلة التي كانت بينهم من أسباب الخير والثواب فبقيت خلتهم على حالها».

فلنتأدب بآداب الإسلام الرفيعة، ونضع الأمور في مراتبها، ونترك العصبية الجاهلية وفخرها بالأنساب، ونحرص على بناء أنفسنا بالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح والخلق الكريم فهو النافع عند الله تعالى، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك