رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 27 مايو، 2017 0 تعليق

لماذا يغير المرء عقيدته

 

     منذ انقطاعي عن السفر إلى أوروبا، زرت الهند ثلاث مرات، رحلة علمية، واثنتان سياحتيان برفقة صاحبي، زرنا (بومباي، ودلهي)، وأخذنا جولة المثلث الذهبي.

     عدد الديانات في الهند (180) ديانة تقريباً، الأوسع انتشاراً (الهندوسية)، في كل مرة أستأجر مركبة بسائقها، الذي يعمل مرشداً سياحياً أيضاً، لم أكن أهتم بزيارة الأماكن السياحية المشهورة، مثل (تاج محل) وغيره؛ وإنما الأماكن الشعبية.

- ما الذي يمكنك أن تخبرني عنه في الهندوسية؟

- هي أقدم ديانة على وجه الأرض؛ فقد بدأت قبل ميلاد المسيح بـ1400 - 1600 سنة.

- آسف، ولكني أخالفك الرأي؛ فمنذ نزل آدم إلى الأرض، توالت الرسل والأنبياء على البشر، وفي (1400 - 1600) سنة بعث موسى، وهارون، وأيوب، وشعيب، ويوسف، ويعقوب، جميعهم عاشوا في هذه الفترة.

- لم أكن أعلم ذلك، على أية حال الهندوسية لا تنتسب إلى مؤسس معروف، وهي ديانة تؤمن بتعدد الآلهة، لكل شيء إله، حتى وصل عدد الآلهة إلى (33) مليون إله، وهناك إله أكبر لجميع هذه الآلهة، هو (البراهما)، وهو كيان مجهول للبشر، وله ثلاث تجليات (البراهما) الخالق، و(فينشو) الحافظ، و(شيفا) المعاقب.

- وماذا عن باقي الآلهة؟

- هناك مثلا (آدي باراشاكتي)، وهو إله على شكل أم، وهناك (إدهانا ريشفارا)، وهو رمز الإله (شيفا) وزوجته، وهناك (آندرا) إله الحرب، وهناك (باروتي)، وهي بنت جبال الهملايا، وهناك (بهارات ماتا) وهي آلهة تمثل الأم.

- قاطعته.

- الناس جميعهم يعبدون جميع هذه الآلهة؟!

- نعم، يعظمونها، ويتقربون إليها، ويضعون تماثيل وتصاوير ولوحات تمثلها.

- وما معنى تمثال المرأة ذات الأيدي، جالسة متربعة وعلى جانبيها عشرة أيدي في أوضاع مختلفة.

- لو لاحظت تجد في يد السيف، وفي أخرى الدرع، وفي ثالثة طبق الرز، وفي الرابعة القوس، وفي السادسة الصولجان، وفي السابعة الرمح، وفي الثامنة الحربة، وفي التاسعة وردة حمراء، وفي العاشرة زجاجة عطر، ووراءها أسد، أو بجانبها، هذه تمثل حالات الآلهة، وربما تجد الوجه على شكل فيل، وأربعة أيدٍ، أو تجد صورة للآلهة وهي تعزف المزمار وحولها مجموعة من الحملان الوديعة، وربما تبدو لك أنها امرأة، وهي في الحقيقة رجل، ولكن تزين بأحمر، وكحل العين.

- هل تعلم يا (راجو) -وهذا الاسم المختصر الذي ارتضاه مرشدنا؛ لأن اسمه مركب صعب النطق- أن المشكلة في جميع هذه الأفكار والمعتقدات، أنها من صنع البشر، ولا يمكن لبشر أن يشرع لبشر بكل سهولة، ومن المنطقي إذا شرع البشر فإنهم يميزون أنفسهم على غيرهم، ويضعون لأنفسهم امتيازات على غيرهم.

- قاطعني.

- في الهندوسية الناس طبقات: ، البيضاء، والحمراء، والصفراء، والسوداء، والسودريون، البيضاء: هم القساوسة ورجال الدين (البرهميون)، والحمراء: هم الحكام والجنود (الكاشتري)، والصفراء: الفلاحون والتجار (الفيزيون)، والسوداء: هم العمال وأصحاب الحرف (السودرا)، وأدنى الطبقات هم: السودريون، وهم خدم (البرهمين) ويلاقون أسوأ معاملة وأقساها، ويسمون (الشودرا).

- في ديننا الإله واحد، لا يتعدد، ولا يلد، ولم يولد، ولا زوجة له، ولا يحتاج إلى زوجة ولا إلى أحد، ولا يأكل، ولا ينام، ولا يحتاج إلى شيء. قائم بذاته، حي لا يموت، ويقيم السموات والأرض، ويتصرف بهذا الكون بحكمة -سبحانه- يعطي ويمنع بحكمة، وأرسل الرسل ليبينوا للناس ما يجب عليهم تجاه ربهم، وكيف يعبدونه، وكيف يتعامل بعضهم مع بعض، و{ليس كمثله شيء} -سبحانه- لا يمكن وصفه إلا بما وصف به نفسه، ولا يمكن رسمه ولا تخيله -سبحانه- يعلم كل شيء، ويبصر كل شيء، ويسمع كل شيء، حي لا يموت، وكل شيء غيره يموت.

كنا في طريقنا إلى أحد المعابد، معبد الفئران!

- ما قصة هذا المعبد؟

- اسمه معبد (كارني ماتا)؛ حيث يعيش أكثر من (20000) عشرين ألف فأر عيشة ملكية، يقدم لهم أهل هذه القرية كل ما يحتاجونه من طعام ورعاية، وأصل هذه العقيدة أن الفئران تجسد آلهة اسمها (كارني ماتا) امرأة هندوسية عاشت في القرن (14) الميلادي، وعبدها أتباعها لما ظهر عليها من عادات خارقة، ثم ماتت وانتقلت روحها إلى الفئران!!

- هل تؤمن أنت بذلك؟!

- كلا، ولكني أحترم كل دين وكل عقيدة ولا أحتقر أي ديانة مهما كانت.

- وماذا بعد غير الفئران؟!

- طبعا هناك من يعظم البقر، ومن يعظم القرود، في الهند تكاد تجد لكل شيء عبدة وأتباعاً.

- ولكني دعني أسألك بصدق، ألا ينبغي لمن يعبد أن يكون خالقا غير مخلوق؟ ألا ينبغي أن يكون حيا لا يموت؟ ألا ينبغي أن يكون الكل يحتاج إليه وهو لا يحتاج إلى أحد ولا يحتاج إلى شيء؟!

مثلا: عندما تنظر إلى السماء والشمس، ألا تتفكر من خلق هذه السموات؟! ومن خلق الشمس؟! وكيف خلقت الأرض؟!

قاطعني.

- كلا لم تخطر ببالي هذه الأسئلة.

- لماذا تكون بداية تفكيرك القرن السادس عشر قبل الميلاد؟! لماذا لا تذهب إلى البداية المطلقة كيف بدأت الحياة على الأرض؟ من هو آدم؟ ثم كيف أنزل إلى الأرض؟ ولماذا؟! ثم ألا ترى أن الجميع يموت ويدفن؟!

- نعم، الجميع يموت، وربما يدفن أو يحترق.

- وماذا بعد الموت؟ هل تنتهي الحياة بالموت، ثم الدفن أو الحرق ونثر الرماد؟ لا يمكن أن تكون هذه هي النهاية، لابد أن نخرج من قبورنا ونحاسب على أعمالنا؛ فالمظلوم يأخذ حقه من الظالم وينال كل أحد جزاء عمله.

ولكن لنرجع إلى نقطتنا الأولى وهي: أن جميع هذه الديانات التي حدثتني عنها، كلها من تشريع البشر، وأنا بشر، وأنت بشر، لماذا نعبد بشرا مثلنا، يأكلون وينامون ويتزوجون ويتناسلون ويموتون، أن أريد أن اتبع تعاليم من خلقني، وذلك أنه أعلم بما ينفعني وما يضرني؛ ولذلك هو أحق من يشرع لي، وهو الوحيد الذي يستحق أن أعبده، وأسجد له، وأتقرب إليه وأخاف منه، وأرجوه وأدعوه؛ لأن بيده مقاليد كل شيء، أما المخلوق فلا يملك شيئا من ذلك، فلماذا أعبده؟.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك