لماذا يعارضون النصوص الشرعية؟!
الأصل في المسلم هو الاستسلام لأمر الله -عز وجل- الوارد في القرآن الصريح والحديث الصحيح، ولا يتبع هواه فيضله، ولا يتبع الكثرة؛ لأنهم يصدونه عن الحق بل يسلم تسليما.. قال ابن القيم -رحمه الله-: المعارضون للوحي بآرائهم خمس طوائف:
- طائفة عارضته بعقولهم في الخبريات وقدمت عليه العقل، فقالوا لأصحاب الوحي: لنا العقل ولكم النقل.
- طائفة عارضته بآرائهم وقياساتهم، فقالوا لأهل الحديث: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس.
- طائفة عارضته بخصائصهم وأذواقهم، وقالوا: لكم الشريعة ولنا الحقيقة.
- وطائفة عارضته بسياساتهم وتدبيرهم، فقالوا: أنتم أصحاب الشريعة، ونحن أصحاب السياسة.
- وطائفة عارضته بالتأويل الباطن، فقالوا: أنتم أصحاب الظاهر، ونحن أصحاب الباطن.
ثم إن كل طائفة من هذه الطوائف لا ضابط لما تأتي به من ذلك، بل ما تأتي به تبع لأهوائها، كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} (القصص:50)، فجعل النطق نوعين: نطق عن الوحي، ونطق عن الهوى.. فباطل هؤلاء كلهم لا ضابط له، بخلاف الوحي، فإنه أمر مضبوط مطابق لما عليه الأمر في نفسه، تلقاه الصادق المصدوق من لدن حكيم عليم.
- فالواجب على المسلم التسليم للدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتدخل بعقله ويقدمه على الدليل، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65).
- كما لا يجوز للمسلم تقديم القواعد الكلامية والقواعد المنطقية على النصوص كحال بعض مفكري العصر والذين يزعمون أنها تخالف عقولهم.. أليس العقل قاصرا ويتأثر وتستميله الأهواء؟ قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿48﴾وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴿49﴾أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿50﴾إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور:48-51).
- فرق بين المؤمن والمنافق، فالمنافق يدعي الإيمان في الظاهر وهو غير مؤمن في الباطن؛ ولذلك لا ينقاد لأوامر الله وأوامر رسوله، أما المؤمن فإنه ينقاد ظاهرا وباطنا، قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «يا أيها الناس اتهموا الرأي في الدين، فلقد رأيتني يوم أبي جندل أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجتهد رأيي وما أكدت عن الحق». فيوم الحديبية شق على الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم رأوا أن هذا فيه غضاضة على المسلمين، رأوا أن رجوعهم وترك العمرة ومعاهدة المشركين فيه ذلة للمؤمنين وفيه انتصار للكفار.. أصبح عزا للمسلمين وذلا للكفار، قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (الفتح:1).
- وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: «هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الزموا ما يقول»، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أعلى الخف».
ولذلك قال تعالى لنبيه: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص:50).
- والفكر والعقل والعاطفة والكثرة والعوام والدهماء محل نقص وخطأ وزلل، لكن النصوص ثابتة ومعصومة من الخطأ والزلل والنسيان والعواطف؛ لأنها من عند الله العزيز الحكيم.
ولذلك كم آلمني اليوم وأنا أرى من الكتاب ومن بعض من يتصدر المجالس من يقدم عقله وعاطفته ويجيّش الآخرين وفي بيان ساحر ليقلب الباطل حقا.. وهذا منحى خطير ودخيل على الأمة ولا يليق بالمسلم فعله؛ لأنه من الفتن والفوضى ورد الحق، ولذلك كره لنا الرسول القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وأمرنا بلزوم الجماعة وعدم الفرقة، وحثنا على الصبر، وألا نتبع أساليب الجاهلية، وأن علينا بالدعاء والنصيحة لجمع الكلمة.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا جميعا.
لاتوجد تعليقات