لماذا يستثقلون ذرية البنات؟!
- امتدح ربنا عز وجل في كتابه الكريم الذرية التي تكون سببًا في رفعة مقام والديهم في الآخرة ودخولهم الجنة ولم يميّز ذكوراً كانوا أم إناثاً
- لا تتسخط على قدر لم يرده الله عز وجل لك وارض بما قسمه الله لك ولا تستعجل رزقك من قبل أن يُقضى إليك فكم من أنثى كانت سببا في إدخال السرور على والديها
- كم من أنثى كانت سببا في إدخال السرور على والديها وكم من فتاة كانت بارة بوالديها محسنة إليهما ومن الجهالة أن يلوم الرجل زوجته في أنها السبب في إنجاب البنات
شريحة كبرى لا يستهان بها من الآباء قبل الأمهات، يتمنّون أن لو كان البكر من ذرياتهم ذكورا، واحدا واثنين وثلاثة، ثم لا ضير هاتِ نستقبل بعدها إنجاب البنات برحابة صدر! المهم أننا ضمنّا بنين في أُسَرنا وأعقابا لنا نفتخر بهم! وكل همّهم أن نسب العائلة يمتدّ ويستمر.
ربنا -سبحانه وتعالى- حذرنا من عادة كره إنجاب البنات؛ إذ قال -عز وجل-: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل: ٥٨-٥٩)، ولقد كنا نظن أنّ ذلك الكره والرفض واكفهرار الوجه فقط في الجاهلية الأولى وإنْ استمر إلى زماننا هذا فستكون في مجتمعات جاهلة بعيدة عن الإسلام والمسلمين، وإذا بنا نلاحظ وبقوة أنّ الحرج النفسي وضيق النفس من إنجاب البنات كثير ومنتشر بين أوساط المسلمين!مكانة المرأة في الإسلام
عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، على الرغم من ترغيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بفضل تربية البنات؛ إذ قال: «من عال جاريتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضمّ أصابعه» رواه مسلم، وعلى الرغم من أدوار النساء في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدءاً بالسيدة خديجة -رضي الله عنها- وإلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- ومن بعدها من الصحابيات الجليلات التي تعجز هذه المقالة عن بيان مكانتهن وأدوارهنّ ومقامهنّ في الإسلام وفي حياة المسلمين، وعلى الرغم من قول الله -تعالى في أهمية دور النساء-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} (سورة الروم ٢١)، فلا سكن نفسيا للرجل إلا في الزواج من المرأة الصالحة، فعلى الرغم من هذا وذاك من الأدلة سواء الشرعية أم التاريخية في السيرة النبوية وعلى الرغم من رفعة القرآن لمقام المرأة، كما وعلى الرغم من الشواهد الحياتية اليومية التي يشهدها الآباء في مجتمعاتنا العربية المسلمة من حِنّيّة بناتهن عليهم وأدوارها مع إخوانها في سد حاجاتهم وغيرها من الأمور البطولية الإنسانية التي تقوم بها الابنة في أسرتها، إلا أنّ الكثير من الرجال المسلمون يتمنون أن لو كانت ذريتهم كلها بنين كُثُر وبنات قليلات! والشريحة الأقل هي من تُظهر ألا فرق عندي، والأندر منها التي تتمنى أن لو أنجبت زوجته البنات أكثر من البنين.من جهالة بعض الرجال
عزيزتي القارئة ويا عزيزي القارئ، الأعجب من ذلك والأدهى والأمرّ أن الزوج إذا علم ما في رحم زوجته من البنات تعفّر وجهه وضاقت نفسه، وأظهر لزوجته عدم اكتراثه ولا بهجته بابنته الرابعة أو السادسة، بل إن بعضهم يتقصد أن يسميها الاسم غير اللائق ولا بالمقبول اجتماعيا! إنّ من الجهالة أن يتهم الرجل زوجته أنها هي السبب في إنجاب ذرية الإناث دون الذكور، حتى إنهم يتزوجون بثانية وثالثة لا من أجل تكثير سواد أمة الإسلام، وإنما من أجل أن يُكاثر غيره من الرجال بالزيجات وبذرية الأولاد! قال -تعالى-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، وكأن هؤلاء الذكور الذين يكاثر ويفاخر بهم أقرانه، سيدخلونه الفردوس الأعلى لمجرد أنهم ذكور!الذرية الصالحة
أعزائي القراء، ربنا -عز وجل- امتدح في كتابه الذرية التي تكون سببًا في رفعة مقام والديهم في الآخرة ودخولهم الجنة، ولم يميّز ذكوراً كانوا أم إناثاً؛ إذ قال ربنا -تبارك وتعالى- في سورة الطور آية ٢١: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}. إنّ تلك الشريحة من الآباء قبل الأمهات، تجدهم يصلّون في المساجد ويتصدّرون المجالس وهم أسياد في أقوامهم وبين أهليهم بل وملجأ للصلح بين الناس، ولكنهم أصحاب عقليات سطحية حينما يفضلون إنجاب الذكور، بينما الله -تبارك وتعالى- قد ساوى بين الذكر والأنثى في قيمة إنجابه في كونهما نعمة وهبة من عنده -عز وجل-؛ إذ قال ربنا: {لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى: ٤٩-٥٠)، فالهبة الأولى الإناث والهبة الثانية الذكور. أعزائي القراء، إنّ هؤلاء الأزواج تتملّكهم السفاهة حينما يلومون زوجاتهم ويشيرون إليهن بأصابع الاتهام؛ لأنها حملت في رحمها الإناث دون الذكور، وتجاهل أو جهل أنّ الطب قد أثبت بما لا يخفى على أحد أنّ تحديد نوع جنس الجنين ذكرا أم أنثى، يحدده الزوج دون الزوجة، خابوا وخسروا في عقلياتهم الساذجة. أعزائي القراء، كثيرون من الآباء والأمهات تراكضوا وراء إنجاب الذكور، وإذا بهم يُرزقون بذكر معاق من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد لايكون معاقا وإنما قد يبتليهم الله بعقوقه أو بعدم استقامته على الهدى، امتحنهم الله به، ومن خلال زياراتي المتعددة والمتكررة سابقا لدور المعاقين داخل البلد وخارجه، كم من الذرية الذكور تنكّر لهم والداهم لمّا اكتشفوا إعاقتهم فلم يتقبّلوها، وكم غيرهم عجز الآباء عن رعايتهم فأودعوهم دور رعاية المعاقين في شتى دول العالم!طبيعة الإنسان
طبيعة الإنسان لا يعتبر ولا يتعظ إلا بعد وقوع البلاء، فلا تتسخط على قدر لم يرده الله -عز وجل- لك، وارض بما قسمه الله لك، ولا تستعجل رزقك من قبل أن يُقضى إليك، فكم من أنثى كانت سببا في إدخال السرور على والديها! وكم من فتاة كانت بارة بوالديها محسنة إليهما، بينما أخوها هائم على وجهه مع الشباب في الشوارع! وكم من نساء قمن بشرف رعاية الوالدين في كبرهما إمّا لوحدهن وإما جنبا إلى جنب مع إخوانهن، قال -تعالى-: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء:١١)، وقال -عز من قائل في محكم التنزيل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التغابن: ١٤).
لاتوجد تعليقات