رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 7 أغسطس، 2017 0 تعليق

لماذا نحتاج.. الأمـل؟


في ظل ازدياد الشعور باليأس والإحباط عند الكثير في خِضَم تلك الأحداث المتلاحقة، وحالات الاحتقان المتزايدة، والتضييقات المتتابعة، تظهر الحاجة المُلحة إلى بث (بوارق الأمل) في نفوسنا جميعًا للأسباب الآتية:

لأننا بشر

     والإحباط يؤدي بنا إلى اليأس والعزوف عن القيام بالأدوار المنوطة بنا، والواجبات التي في أعناقنا، ولسنا أكرم على الله -عز وجل- مِن صحابة نبيه -صلى الله عليه وسلم - الذين رجعوا مِن غزوة (مؤتة) منسحبين؛ فجلس بعضهم في بيته، ولم يخرجوا إلى الناس، ثم جاؤوا النبي -صلى الله عليه وسلم - وقالوا له: «نَحْنُ الْفَرَّارُونَ يَا رَسُولَ اللهِ، فقال: «بَلْ أَنْتُمُ العَكَّارُونَ» -أي الكرارون- (رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر)، فاحتاجوا إلى أن يبث النبي -صلى الله عليه وسلم - فيهم الأمل مِن جديدٍ.

لأن الطريق طويل

     تظهر الحاجة إلى بثِّ الأمل في نفوسنا؛ لأن الطريق لا يزال طويلًا، ويحتاج إلى إعادة ترتيبٍ للأوراق، وعلاج للأخطاء، فحالنا اليوم كمَن كان أمامه سلم طويل، فصعد عليه درجة تلو الأخرى حتى قطع درجاتٍ منه، لكنه تعجل الوصول بالقفز على درجات السلم أملًا منه في أن يصل إلى نهايته، ويرى قمته بعين رأسه، فلم تتحمله تلك الدرجات فهوى إلى أول السلم مِن جديدٍ، وأصيب بكسور وجروح! فلو أصابه اليأس لمكث مكانه ينتظر الموت، ولو بُث فيه الأمل لسارع في تضميد جراحه، وعلاج كسوره، وانطلق في طريقه نحو القمة مِن جديدٍ، لكن دون تعجل وقفز على درجات السلم، وحرق للمراحل، وعدم مراعاة لطبيعة كل مرحلة وواجبتها، متعلمًا مِن قول القائل: «مَن تعجل الشيء قبْل أوانه عوقب بحرمانه».

هذا فيمن سقط تمامًا فأصابه ما أصابه، فما بالنا بمَن استطاع -بفضل الله عليه- أن يحافِظ على نفسه مِن السقوط، وتشبث ببعض درجات السلم، وإن كانت أدنى مما كان عليه؛ فهو أولى وأولى ببث الأمل؛ ليستمر في المسير.

حتى نتجنب الهزيمة النفسية

     نحتاج إلى بث الأمل؛ لأن تصوير الأحوال بأنها ميئوس منها يكبِّل القدرات عن الانطلاق، ويوحي للنفس بالعجز، فيصنع الهزيمة النفسية الداخلية التي تتلوها حتمًا الهزيمة الواقعية، فيؤدي ذلك إلى المزيد مِن التردي، ويتحول الدور الدعوي الإصلاحي -المفترض لنا القيام به- إلى الدور التيئيسي الإفسادي الذي يساهِم في الهبوط بالمجتمع إلى دركات أخرى أشد سوءًا.

لأنه من صفات أهل الإيمان

     نحتاج إلى بث الأمل «ولو في أحلك المواقف»؛ لأن ذلك مِن صفات أهل الإيمان، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في غزوة (الأحزاب) والمسلمون محصورون في المدينة يواجهون المشاق، والخوف والجوع، والبرد القارس، وقد زلزلوا زلزالاً شديدًا، وبلغت القلوب منهم الحناجر - يبث في أصحابه الأمل، فحينما اعترضتهم صخرة كبيرة وهم يحفرون؛ ضربها الرسول -صلى الله عليه وسلم - ثلاث ضربات فتفتتت، وقال إثر الضربة الأولى: «اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا». ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» (رواه أحمد، وحسنه الحافظ ابن حجر).

بينما اليأس مِن صفات الكافرين، كما قال الله -تعالى-: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87).

لأن دين الله غالب

     نحتاج إلى بث الأمل في النفوس؛ لأن دين الله غالب في النهاية لا محالة، والإسلام منصورٌ لا محالة، وباقٍ إلى قيام الساعة، لا خوف عليه مِن الفناء، كما قال الله -تعالى-: {كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21)، وكما قال صلى الله عليه وسلم : «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وكما قال أيضًا -صلى الله عليه وسلم -: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدِّينِ، وَالنَّصْرِ والتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

اليأس هو الأمل

إنما الخوف علينا نحن مِن الركون إلى الدعة والإخلاد إلى الأرض، وترك الفرص المتاحة أمامنا لإصلاح الأمور، فالفرص لا تموت، ولكن اليأس هو الموت بعينه، يخنق الأرواح، ويحرمنا مِن المحاولة والنجاح!

مشاعل الهداية

إن الأمل يبعث في النفوس الصادقة: التمسُّك بهذا الدين، وبذل الغالي والنفيس في حمل مشاعل الهداية والتغيير دون النظر إلى كثرة الجراح أو التعجل بقطف الثمار التي هي بيد الواحد القهار.

النصرة الحقيقية

     المطلوب هو النصرة لدين الله! بإخلاصٍ وتجرد، وبكل ممكن ومتاح؛ طبقًا للفهم السليم للشريعة الغراء، فقد قال الله -تعالى- على لسان نبيه عيسى -عليه السلام-: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، ولم يقل: «مَن أنصاري»، وكان الرد: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} (آل عمران:52)، وليس: «نحن أنصارك».

فالنصرة الحقيقية لا تكون إلا لله، وعلى مراد الله، وطبقًا لشريعة الله؛ لا على أهوائنا وعواطفنا وآرائنا، فهل سننصر ديننا ونكمل سيرنا، ونحيي الأمل في نفوسنا ونفوس إخواننا وأبنائنا مِن جديدٍ؟!

وهل سنعمل فيما هو أمامنا مِن متاحٍ كبير، بعزم وصدق ويقين؟!

فالأمل بلا عمل مجرد أمانٍ وأحلام، وسراب كبير.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك