رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 27 أكتوبر، 2014 0 تعليق

لماذا نجح نظام الوقف الإسلامي عبر العهـود الإسلامية؟!

لماذا نجح نظام الوقف الإسلامي عبر العهود الإسلامية؟! ولماذا تراجعت أوقافنا ومشاريعها ومخرجاتها في عصرنا الذي نعيش؟!

سؤال تكرر على مسامعي !! مراراً ، ولعلي أجيب عن ذلك السؤال بالآتي :

حقاً ؛ عاشت أمتنا الإسلامية في القرنين السابقين مرحلة التردي في كل مناحي الحياة ، وقد نال العمل الخيري والوقفي على وجه الخصوص الدمار الأكبر .

     لاشك أن هنالك أسباباً جعلت من الوقف الإسلامي خلال اثني عشر قرناً نظاماً نامياً حقق مقاصده في نفع البلاد والعباد، وحافظ على مكانته بوصفه قطاعا أساسيا من قطاعات الدولة الإسلامية التي استمر نفعها ودام عطاؤها؛ واحتل بموارده ومشاريعه وأصوله ونمائه وتوسعه وخدماته المرتبة الأولى على القطاعات الأخرى كالقطاع الحكومي والقطاع التجاري .

والباحث في أسباب النجاح، وأسباب التراجع في مشاريع الوقف الإسلامي، يلحظ أن نجاح تطبيقات نظام الوقف في العهود الإسلامية وعلى مدى أكثر من 1200 سنة يعود للأسباب والمقومات التي ألخصها بالآتي :

1- الوقف تشريع رباني، شرع بالكتاب والسنة  وإجماع الصحابة .

2- امتثال أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم  وصايا النبي  في وقف الأوقاف وتحبيسها.

3- النفع للواقف والموقوف عليه؛ للواقف استمرار الأجر، وللموقوف سد حاجاته .

4- الاستقلالية، فهو من المجتمع للمجتمع بإدارة الأمناء من المجتمع(1). 

5- التنوع؛ فهو إما وقفاً خيرياً أو أهلياً أو وقفاً أهلياً وخيرياً معاً.

6- تعدد مجالاته؛ حيث مست حاجات الإنسان من مهده إلى لحده.

7- حفظ أصله؛ فلا يورث ولا يباع ولا يوهب.

8- اهتمام المحدثين؛ في تخصيص باب في سننهم للوقف وفضائله وأحكامه .

9- اجتهاد الفقهاء؛ منذ القرون الأولى في استنباط ما يدفع في مسيرة العمل الوقفي، واستخراج أحكامه، لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية فيه .

10- القضاة وأحكام القضاء؛ حيث عملا على تحقيق مصلحة الوقف ورعايته وحل قضاياه، وسرعة الحكم في مشاكل النظارة على الوقف.  

11- المسؤولية والرعاية؛ التي أولاها النظار والمتولون على الوقف لحفظ أوقافهم وتحقيق شروط واقفها.

12- المرونة؛ التي اختص بها نظام الوقف، فقد جعله قادراً على الصمود في وجه التحديات والمتغيرات .

13- تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وحفظ الضرورات الخمس: الدين والنفس والعقل والمال والعرض .

14- ديمومة المصدر لسد الحاجات، للأمة والمجتمع والأفراد . 

15- تزايد حاجات المجتمعات لمؤسساته ومشاريعه مع توسع الفتوحات في العهود الأولى، ومتطلبات الدعوة والتعليم وحفظ كرامة الإنسان.

16- ثباته واستمراره وعدم انقطاعه؛ أوقاف استمر عطاؤها لمئات السنين .

17- واكب العصر ولبّى حاجات الأمة؛ الآنية منها والمستقبلية .

18- يضمن مستقبل الذرية وأصحاب الحاجات، ويحفظ المال من الضياع .

19- مصدر مالي وتشغيلي؛ وفر المال للمؤسسات الخيرية والتطوعية، وضمن استمرار عملها وتحقيق أهدافها. 

20- لا يستهدف الربح؛ فإما أن ينتفع من عين الوقف أو من ريعه حسب شرط الواقف.

21- معالمه ومخرجاته الحضارية، الماثلة أمام المجتمع في كل العهود الإسلامية(2).

22- الشراكة التي قدمها لقطاعات الدولة، الحكومي والاقتصادي.

23- الثقافة المجتمعية؛ التي حفظت أصوله وردت أيدي المعتدين عليه .

24- توفير فرص العمل،  فقد استوعبت مؤسساته ومشاريعه في العهود الإسلامية ما يقارب60% من القدرات البشرية، ما أسهم في تحقيق النماء الاقتصادي للبلاد والعباد . 

25- الابتكار والتجديد والإبداع؛ فقد واكب حاجة العصر وتقدمه وفق الشريعة .

     ما سبق يدفعنا إلى سؤال : كيف يمكننا أن نعيد للوقف مكانته في الأمة؟! وكيف السبيل لإعادة العمل الخيري والوقفي لما كان عليه؟! وكيف نوفر الكفاءات البشرية القادرة على إحياء سنة الوقف بمشاريع فاعلة ؟!

     لا ريب أن استمرار كثير من البلدان الإسلاميَّة -ولا سيما العربيّة منها- في استخدام الأساليب التقليديَّة -التي لا تتَّفق مع الواقع المعاصر في إدارة الأوقاف الإسلاميَّة وتنميتها- قد أسهم بطريقة لافتة للنظر في تأخُّر الأوقاف وتخلفها عن تحقيق دورها الفاعل بالنهوض بأدوارها المنشودة، المرتبطة بتفعيل النواحي الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة والعسكريَّة والثقافيَّة، التي تساعد على حلِّ كثير من المشكلات التي تواجه المجتمع الإسلامي في عصرنا الحاضر خاصَّة، الذي أضحت الطبقيَّة الاجتماعيَّة فيه عاملاً من عوامل التأخُّر والتخلُّف؛ الأمر الذي يجعل للوقف دوره الذي لا يُجحد، ومكانته التي لا تُنكر في حلِّ كثير من المشكلات القائمة(3).

نحن على يقين، لن يتحقق نجاح المشاريع الوقفية إلا إذا عملنا على الآتي:

أ- إحياء سنة الوقف الحميدة بين الناس، وجعلها مسؤولية مجتمعية ، يشارك فيها أفراد المجتمع كل حسب إمكاناته وطاقاته من دعاة وقضاة ومؤسسات خيرية ووقفية، والواقفين والموقوف عليهم  . 

ب- إيجاد المؤسسات الوقفية الفاعلة التي تُسهم في حفظ كرامة الإنسان، وتوفير الحياة الكريمة للأسرة المسلمة، وتوفير التعليم المميز، والرعاية الصحية، التي تخفف الأعباء على الدولة، وتحفظ كرامة الأمة . 

ت- الاستفادة لنشر ثقافة الوقف من فرص توافر القنوات الفضائية، وحاجة العديد منها إلى برامج تغطي بها ساعات البث، ولا أعني بذلك المطالبة بإنشاء قناة فضائية عن الوقف، بل المطلوب توفير برامج وثائقية وحوارية وتثقيفية ومصورة حول الوقف ودوره في المجتمع وتقديم هذه البرامج وعرضها للبث في القنوات القيمة.

ث- العمل على تطوير القدرات الشرعية والإدارية والقانونية للقائمين على المؤسسات الوقفية بما يحفظ منظومة الوقف الإسلامي، والتوسع في مفهومه، عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل لبحث سبل نشر ثقافة الوقف ومجالاته، ونقل التجارب والخبرات بين البيئات المختلفة، واستخدام أنفع السبل لنشر ثقافته.

جـ- إصدار مساقات تربوية علمية في الوقف الإسلامي وإدخال مادة الوقف في المناهج الدراسية في المدارس والمعاهد والجامعات، وغرس ثقافته وعلومه في عقول الطلبة والأبناء، تنظيراً وتطبيقاً من خلال بحوث ومسابقات ومعارض ومشاريع يشارك فيها الطالب ويشعر بحاجتها ويتمتع بنتائجها، وأن يوجه طلبة الدراسات العليا لتخصيص بعض دراساتهم ورسائلهم لعلوم العمل الوقفي وما يتعلق به، وأن يُسخر التطور العلمي والعملي الحاصل في المجالات القانونية والإدارية والمالية، وتوظيفه في خدمة القطاع الوقفي والخيري

فمقومات نجاح المؤسسات الخيرية والوقفية والتطوعية في العالم الإسلامي وافرة؛ حيث إن نظام الوقف والعمل الخيري في الإسلام بلغ من الإحكام والإتقان مبلغاً عظيماً فهو نظام إسلامي شُرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وكانت التجربة التاريخية على مر العهود الإسلامية تطبيقا عمليا ومقوما أساسيا للنجاح فكانت الأوقاف والمؤسسات العلمية والصحية والمرافق التي حفظت كرامة الإنسان في حله وترحاله، وقد رعت الإنسان وما دونه من حيوان وبيئة وخلافهما، وبتلك المقومات  حقق الوقف منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى القرن الثاني عشر للهجرة نجاحات ونماء وقوة لم يشهد لها مثيل.

لهذا.. حريٌ بنا أن نعيد الوقف إلى ما كان عليه رافدًا وفيرًا لتحقيق الغايات والمقاصد الشرعية، ومقومًا أساسًا في سد الحاجات وتخفيف معاناة الأمة في مختلف الميادين.

الهوامش:

1 - وقفية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شرّعت لنا استقلالية الوقف قبل أربعة عشر قرناً من الزمان .

2 - الإنتاج العلمي كان يجد سنده الاقتصادي في نظام الأوقاف .

3 - روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية (ص154).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك