لماذا ترعى مراكز الدراسات الطعن في السنة؟
لقيت السنة النبوية قديماً وحديثاً من بني جلدتنا كثيراً، فبعضهم قدم هواه وعقله على صريح النصوص، وآخرون طعنوا في نقلة الدين وحفظته، وبعضهم يرفض القول بها إلى جانب القرآن، وهؤلاء جميعاً حذر القرآن والسنة من مسلكهم، قال الله -تعالى-: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يوشِكُ أنْ يقعُدَ الرجلُ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ، يُحَدِّثُ بحديثٍ مِنْ حديثي، فيقولُ: بينَنَا وبينَكُمْ كتابُ اللهِ، فما وجدْنا فيه مِنْ حلالٍ اسْتَحْلَلْناهُ، وما وجدَنا فيه مِنْ حرامٍ حرَّمْناهُ، ألَا وإِنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ مثلَ ما حرَّمَ الله» صحيح الجامع.
وقديماً ظهرت فرق منحرفة قدمت عقلها على النصوص أو طعنت فيها، وحديثاً تبنى هذا العمل غير المسلمين فظهروا يتبنون من المسلمين من يعمل على الطعن في السن فكان ذلك أمراً مريباً، لكنك -أيها القارىء الكريم- بعد البحث والتنقيب تصل إلى إجابة عن هذا السؤال: لماذا يتبنى الغربيون رعاية الطاعنين في السنة؟
وقف الزحف الإسلامي
أولاً: وقف الزحف الإسلامي إلى الغرب:
إن الصورة التي تسعى المراكز الغربية لاعتمادها صورة ثابتة للإسلام وإقناع الناس بها صورة لا تتعارض مع القيم الغربية؛ فإذا انتشر فهم الإسلام حسب المعايير الموضوعة لذلك، سيتوقف تصدير الإسلام غير الموافق للثقافة الغربية. لقد حاولوا مثلاً أن يبثوا في المسلمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى العرب خاصة، وهو القائل - صلى الله عليه وسلم - «وبعثت للناس كافة». ولما لم يستطيعوا إقناع الناس بذلك عملوا على صناعة صورة أخرى من الإسلام لا يتضررون بوجودها في حال عدم منعها من الانتشار، وهذه الدعوى الاستشراقية (أن الإسلام دين العرب)، نطق بها مستشرقون أمثال الإيطالي (كيتاني)، الذي يقول: «لم يتخطَ محمد بفكره حدود الجزيرة العربية ليدعو أمم العالم في ذلك الوقت إلى هذا الدين». وكذلك (كارل بروكلمان) يقول: «ولقد بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب قبل كل شيء ولكن كان على دينه الإسلام أن يعمل لإحياء ملة إبراهيم الخالصة، التي حرفها اليهود والنصارى ونشرها في أرجاء العالم كله، وليس من الميسور أن نقرر على وجه الدقة ما إذا كان النبي نفسه قد استشعر أنه مدعو لمثل هذه الرسالة العالمية؟».
محاولة فاشلة
لما فشلوا في إثبات تلك الدعوى، عمدوا إلى تعديلها، وتغيير مسارها، ولأن العالم الأوروبي يقطن فيه ملايين المسلمين فالمقصود بإيقاف الإسلام في حقهم هو إيقاف استيراد عملية الفهم التي لا تتوافق مع القيم الغربية، ومن لم يقبل بوقف هذا الاستيراد فهو في نظر المجتمع الغربي متطرف؛ ولذا فإن موقف بعض المسلمين في الغرب بعد حادثة الرسوم المسيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم- قد عُدَّ متطرفاً، أو لم يكن معتدلاً -حسب تعبير الغربيين-؛ لأنه كان يحمل اعتراضاً على الرسوم! يقول أحد المراجع الغربية: «والمثال على ذلك ما حدث في (الدانمارك)، عندما اختير أئمة دنماركيون معتدلون تبين أنهم هم من قادوا الحملة الشعواء ضد الرسوم المسيئة لنبي الإسلام التي امتد أثرها لتعم العالم الإسلامي، ومن ثم تبين في النهاية أنهم غير معتدلين، بعد التحري عنهم عقب الحادث»، فهل لاحظت معي كيف يريدون إيقاف استيراد فهم الإسلام من العرب؟
استراتيجية التخويف
بلغت صورة التخويف مداها حتى ظهر مصطلح (الإسلام فوبيا) بين المجتمعات الغربية، و«بعض الناس يخطئ فيظن أن هذه الظاهرة حديثة النشأة بل يظن بعضهم أنها وليدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة2001 م بينما الحقيقة أن ظاهرة التشويه للإسلام والتخويف منه إنما تعود الي الحروب الصليبية (1096م -1292م) على الشرق الإسلامي التي دامت قرنين من الزمان، بل إن الكاتب الغربي والقائد العسكري الإنجليزي جلوب باشا(1897 - 1986م) يرجع هذه الظاهرة الغربية إلى ظهور الإسلام فيقول: إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد»، وقد عمد أولئك على جمع العالم ضد الإسلام ليمنعوا وصوله إلى الشعوب ولكن أمر الله فوق كل أمر {والله متم نوره} الصف: 8.
ثانياً: فرض الهيمنة الفكرية على العالم الإسلامي
الكلمات السابقة وضحت لنا أن السبب الأول في رعاية الطاعنين في السنة هو وقف الزحف الإسلامي إلى الغرب باستخدام الطاعنين في السنة وتخويف الناس من الإسلام القادم من جهة العرب. بقي سبب آخر لا يقل أهمية عن الأول بالنسبة لهم وهو (فرض هيمنتهم الفكرية على العالم الإسلامي)؛ فالهدف من إنشاء الشبكات المعتدلة في العالم الإسلامي هو هدف إنشاء الشبكات أثناء الحرب الباردة، وهو فرض التبعية والهيمنة الغربية وإحلالها محل الهيمنة الشيوعية، ولا ننكر أن هذا الهدف قد تحقق في كثير من الناس، ممن تبنوا آراء بعد البحث عنها وعن مصادرها يتبين أنها آراء المستشرقين الغربيين حول الثقافة الإسلامية.
تفريغ الإسلام من مضامينه
في سبيل تلك الهيمنة يعمد أولئك إلى التغيير في مضامين الثقافة الإسلامية ومحتوياتها الأصلية بتحريفها عن مواضعها، والترويج لفهم الإسلام على أنه «مجرد صلة روحية أو أنه دين لا يتعدى البعد الفردي للإنسان وحياته الشخصية والمتمثلة في علاقة الإنسان بربه سبحانه و-تعالى-، ومعنى هذا ومؤداه: تفريغ الشخصية الإسلامية من محتواها الثقافي، وفي هذه الحال يرد علينا السؤال التالي: ما الثقافة التي تملأ الفراغ الناتج عن غياب الثقافة الإسلامية؟ لا شك أن أقوى النماذج الثقافية الموجودة في عالم اليوم هي الثقافة الأوروبية بفروعها المختلفة، من اقتصاد وإعلام وتربية وقانون.. إلخ».
المعركة الفكرية مستمرة
في النهاية ينبغي التأكيد على أن هذه الرعاية للطاعنين في السنة مستمرة، والسبب أن الخلاف بين الشرق والعرب والمسلمين وتلك المراكز الغربية خلاف ديني وثقافي وحضاري دائم، يقول أحد مديري المراكز الفكرية الغربية: «إن حلف الغرب سيبقى مجموعة دول لها قيم أساسية مشتركة، وستبقى هذه المجموعة متماسكة معًا من خلال الشعور بخطر خارجي من الفوضى أو التطرف الإسلامي».
لاتوجد تعليقات