رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 24 يونيو، 2020 0 تعليق

لماذا الخوف من المستقبل؟

 

أكثر ما يؤرق الناس عمومًا والمغتربين خصوصا الخوف من المستقبل؛ إذ يجد المغتربون أنفسم أمام مفترق طرق، بين رغبة مُلِحّة للعودة إلى وطنهم الأم، وقلق وهاجس على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم, والتأقلم مع الواقع الجديد وما يحمله من تبعات.

ولا شك أن التفكير في المستقبل والخوف منه يمنع الإنسان من ممارسة حياته ممارسة طبيعية؛ فهو يدمرها, ويجعل منها حياة كئيبة ورتيبة ومملة؛ فصاحب الخوف من المستقبل يخشى دومًا أن تتغير الأحوال إلى الأسوأ، فتراه يخشى الفقر ولو كان غنيا، ويتوقع المرض ولو كان صحيحا.

     وقد منَّ الله -سبحانه وتعالى- علينا بالمنهاج الأمثل الّذي يدفع عنّا الخوف والقلق، وحدّد لنا الخطوات الرّاشدة الّتي تسعدنا دنيا وأخرى، أولاها: الالتجاء إلى الله -تعالى- والتوكّل عليه، قال -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللهِ فَهُوْ حَسْبُهُ} (الطّلاق:2)، فالمتوكِّل على الله حقًّا يعلم أنَّ الله كافلٌ رزقَه، ومتولٍّ شؤونَ حياته جميعها؛ لذا يجب على كل من يخاف المستقبل أن يملأ قلبه ثقة بالله -تعالى-؛ ويعلم يقينا بأن الأمر كله لله، قال -تعالى-:{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (آل عمران: 154).

     وإن مما يزيل القلق والخوف على المستقبل ويبعث على التفاؤل، الإيمان بقضاء الله وقدره، ذلك الركن العظيم من أركان الإيمان؛ فعندما يتأمل المسلم في قول الله -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إن ذلك على الله يسير} (الحديد: 22)، يعلم أن ما حل به من مصيبة إنما هي بقدر الله -تعالى- وأن ذلك مُسطَّرٌ عند الله في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ لذا فليس له إلا أن يستسلم لقدر الله ويرضى به؛ فيؤجر أجرا عظيما؛ فعلام الحزن والقلق؟!

     ومما يزيل القلق والخوف من المستقبل أن يوطِّن الإنسان نفسه على القناعة, وهي الرضا بما آتاه الله -تعالى-؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قال: «لَيس الغِنَي عَن كثْرَةِ العَرضِ، وَلكِنَّ الغنِيَ غِنَي النَّفسِ» متفقٌ عليه. ومعنى الغنى المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه، وقد عبر النبي -صلى الله عليه وسلم - عن هذا المعنى بأبلغ عبارة حينما قال: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه البخاري في (الأدب المفرد) وحسنه الألباني.

     ولا شك أن المبالغةُ في الاهتمام بالمستقبل محاولةٌ لاستباق الأحداث، وجني الثمرة قبل نضجها؛ فإنها حرث لغير زرع، وبناء على الماء، وتجديفٌ للسفينة على اليابسة، وقد ركّز الكتابُ والسنّة على قصر الأمل، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: «إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك» (رواه البخاري، حديث 200)

الحاضر حقيقة فاغتنمها، ولاتمدّ آمالَك أكثرَ من أعمالك، فتسيطر عليك؛ وتجعلك متمسكا بالوهم لاهثا وراء السراب، ومن ثم تفقد رصيدك من السعادة.

الذي يعيش اللحظةَ الحاضرة، ويحصر أمانيَه فيها، ويتخلّص من ضغط الآمال المُتَكَاثِرة، والأهواء المُتَزَايـِدة، ويَدَعُ كلَّ شيء يسير كيفما شاء في جهته الطبيعيّة، كالأشياء التي تنجرف وراءَ مياه السيل طبيعيًّا دونما تدخّل أو إرادة منها، يعيش هادئَ البال، لايُقْلِقه تفكيرٌ، ولايُشَوِّش عليه اللذّةَ همٌّ.

     وأخيرًا، هذه همسة في أذن كل خائف قَلِقٍ: اطمئن، وثق بربك؛ فهو الذي خلقك, وقدر لك رزقك وأجلك، وشقي أو سعيد؛ فسدد وقارب، والتزم أمر الله -تعالى- واجتنب نهيه؛ ففي ذلك سعادة الدارين، ولا تخش شيئا، ولا تحزن، ولا تقلق، واتخذ من نبيك - صلى الله عليه وسلم - قدوة حين قال بثقة ويقين للصدِّيق - رضي الله عنه - وهما في الغار: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك