لماذا التشكيك في مكان المسجد الأقصى ومكانته عند المسلمين؟! (1)
التشكيك مؤامرة لهدم المسجد الأقصى المبارك، وليبني الصهاينة مكانه معبدهم المزعوم
كانت أوضاع المسلمين قبل معركة حطين تماثل من حيث موازين القوى أوضاع العرب حالياً»
كثرت في الآونة الأخيرة المقاطع التي تنشر أقوال - من أسموهم بالأدباء والفلاسفة!! - الذين يشيعون بأن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس، وأنه مسجد في الطائف، وأن مسرى النبي كان إليه، وأن ليس للمسجد الأقصى في القدس أي فضل عن بقية المساجد، أشاع قداسته الأمويون بصفة لعبة سياسية، وأن المسلمين خدعوا بإعطاء القداسة لمسجد القدس على مر العهود والأزمان، إلى أن جاء الفيلسوف، وعَرف ما لم يعرفه حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بشرهم بفتحه، وفعلاً فتح في عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
وتعدى الأمر ليقول هو وأمثاله بأن المعراج حصل بالقلب فقط لا بالجسد والروح، وأن المسجد الأقصى الذي ندعي قداسته في القدس ليس لنا!! وأن لليهود حقاً فيه!! وأننا عندما فتح أخذ من النصارى فهو لليهود والنصارى؛ وفي النهاية قالوا: إن لليهود حقاً في المسجد الأقصى، والمطالبة بإعطاء اليهود حقوقهم في أماكن عبادتهم!! ورد ما اعتدينا عليه من مقدسات اليهود!!
ونستغرب، كيف وصل الحال بهؤلاء أن جندوا أفواههم وأقلامهم لخدمات يعجز عنها كتّاب الصحف العبرية؟! بل توسعوا ليوجهوا سهامهم لكل من دافع عن حقوق المسلمين بمقدساتهم في فلسطين، وأعطوا لليهود حقوقاً في أرضنا ومقدساتنا؛ وأوغلوا في تنظيرهم حتى قالوا بضرورة إعادة صياغة التاريخ، وسرد أحداث نكبة فلسطين ونكستها بطريقة مغايرة؛ لأنهما حدثا بسبب أننا لم نستطع أن نتعامل مع حداثة وتطور الكيان اليهودي!!
وقالوا: لابد أن نعمل لتغيير ثقافتنا العدوانية، وبناء ثقافة بديلة، وهي ثقافة السلام!! لأن الخلل -حسب وجهة نظرهم- يكمن في الثقافة الإسلامية التي يجب أن تتغير!! ولا تتغير إلا بفتح النوافذ والأبواب لهذا لمحتل، وهدم الثوابت وإن كانت من الدين،
لا شك أن كتابات هؤلاء وأقوالهم كانت في السابق أكثر تورية وتقية؛ لأن الأمة الإسلامية لم تكن بهذا الانكسار والضعف كما هي عليه الآن، فصوت هؤلاء وظهورهم يخفت حين تكون الأمة في قوتها، ومكانتها التي كانت عليها، وظهورهم مرهون بضعف الأمة، وتكالب أعدائها عليها، وهذا هو حال كل من أراد السوء لهذه الأمة منذ عهد النبوة إلى الآن!!
فقد جمعوا خلاصة ما كتبه الباحثون اليهود للتشكيك في مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين، وما سطرته مراكزهم العلمية، وما اخترعه مؤرخوهم لخلق تاريخ يخدم كيانهم ووجودهم على الأرض المباركة، وحقاً أن لا مثيل لهؤلاء في كل مراحل التاريخ! فهؤلاء أناس تنكروا لأمتهم وأوطانهم، ودافعوا عن حقوق أعدائهم، وهذا الفكر -للأسف- يجد كل الدعم، وفتح الأبواب ليقولوا ما أرادوا؛ عبر الفضائيات والمنتديات.
كتابات الباحثين اليهود المشككة في مكان الأقصى ومكانته:
وبالمقارنة بما قاله وكتبه هؤلاء، وما كتبه وأشاعه الباحثون اليهود والمستشرقون الحاقدون؛ يجد أنها متشابهة إلى حد المطابقة في فقرات كاملة -أحياناً- وإليك الأدلة:
كتب (مردخاي كيدار) أستاذ التاريخ الإسلامي جامعة (بار إيلان) قسم الدراسات العربية، أن المسجد الأقصى هو مسجد قريب من مكة، فيقول: «القدس ليست لها أهمية تذكر في الدين الإسلامي، والمسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم هو مجرد مسجد صغير يقع في شبه الجزيرة العربية وتحديداً في قرية الجعرانة على الطريق بين مكة والطائف».
ويضيف: «كان الرسول يصلي في أحد مسجدين بهذه القرية الأول هو المسجد الأدنى والثاني هو المسجد الأقصى وفقاً لموقعها الجغرافي». وأن: «واقعة الإسراء والمعراج حدثت في مسجد الأقصى بالجعرانة وليست بالقدس».
جاء في (الموسوعة الإسلامية encyclopacdia Of Islam) تحت كلمة:( L-Kuds ) التي كتبها اليهودي (بوهل Buhl F)، أن «عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة من أجل أن يطاف حولها، ولإضفاء سمة القداسة على المدينة، ولكي تضاهي القدس مكة في شرعية الحج إليها، وربما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظن أن المسجد الأقصى مكان في السماء».
وكتبت (حوا لاتسروس يافه) بحثاً أكدت فيها: أن المسجد المذكور في آية الإسراء قد فهم منذ البداية أنه مسجد بعيد قصي سماوي، ولم يقصد منه ذلك المسجد الذي لم يقم في القدس إلا زمن (الأمويين)!!
ودعمت (لاتسروس) فكرتها بمقال كتبه: (جوزيف هوروفيتش) حول الموضوع نفسه أكد فيه: أن المسجد الذي عنته آية الإسراء إنما هو مصلى سماوي يقع في القدس السماوية العليا، وقال: « ينبغي أن نفهم أقوال مفسري القرآن الأقدمين على هذا النحو؛ حيث يجمعون عادة على أن المسجد الأقصى معناه: بيت المقدس. وأن حسب رأيه - تقصد جوزيف - فإنهم يقصدون القدس العليا، غير أن المصطلحات اختلطت على مر الأجيال، وفُهِمَ المسجد الأقصى الذي في القدس العليا، على أنه موجود في القدس الحاضرة».
وقرر المستشرق اليهودي (إيمانويل يسيفان) في معرض حديثة عن الإسراء والمعراج» بأن محمداً كان يعرف بوجود مدينة القدس، إلاّ أنها لم تلفت اهتمامه، ولم تحظ بقدسية من جانبه، وذهب (يسيفان) إلى حد الادعاء بأن قدسية القدس عدّت في أعين المسلمين بدعة استمدت جذورها من اليهود والمسيحيين الذين استمروا في تقديسهم للقدس، وحاولوا إدخال ذلك إلى التقاليد الإسلامية!!
وللباحث (إيمانويل يسيفان) تعليقات عدة بخصوص قدسية القدس في الإسلام وذلك في معرض حديثة عن الإسراء والمعراج. يؤكّد (يسيفان) بأنّ: «محمداً كان يعرف بوجود مدينة القدس، إلاّ أنّها لم تلفتْ اهتمامه، ولم تحظَ بقدسية من جانبه».
ويزعم كذلك: «أن الأمويين هم الذين أعادوا تفسير القرآن، لإيجاد متسع للقدس عندما بنوا مسجداً فوق الهيكل وأسموه المسجد الأقصى، وأعطوه دوراً بارزاً في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأثر رجعي»!
وزعم الباحث (عوفر ليفينين) في مقدمة تحقيقه لمخطوط (ابن المرّجا) (فضائل بيت المقدس) في تعليقه على أحاديث فضائل بيت المقدس، ونشأتها وتطورها أن:
الأحاديث المتعلقة ببيت المقدس انتشرت انتشاراً واسعاً في العهد الأموي!! هذا بعض ما أشاعه اليهود من أكاذيب، التي تركز على أن قداسة المسجد الأقصى ومكانته مرتبطة بظروف سياسية معينة في حقب التاريخ الإسلامي.
لماذا يشكك اليهود في تاريخ القدس والمسجد الأقصى؟!
لا شك أن هذا التشكيك هو في دائرة المؤامرة لهدم المسجد الأقصى المبارك، وليبني الصهاينة مكانه معبدهم المزعوم ( هيكل سليمان)، ولقطع الرابط بين فلسطين وبيت المقدس ومسجدها الأقصى المبارك، وفي سبيل ذلك أصروا على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك ليقولوا –كاذبين -: بأن القدس لا مكانة لها، ولا رابط دينياً بينها وبين الإسلام، وأن المسجد الأقصى هو مسجد آخر غير مسجد القدس، هو مسجد في السماء، أو هو مسجد قريب من المدينة وسمي الأقصى لأنه البعيد!!
فقد ساءهم تعلق المسلمين بالقدس والأقصى ومحبتهم لهما والنظر إليهما؛ وتاريخهما الزاهر، فعملوا على تقويض إجماع المسلمين على قداسة مدينة القدس، وتعظيم حرمتها وحرمة الأقصى في الإسلام.
يا فلاسفة عرب لماذا يؤرقكم أقصانا؟!
ولعلنا نتساءل لماذا تتكرر على مسامعنا هذه الأكاذيب والشبهات بين فترة وأخرى؟! وما هدف من يتبناها من وسائل إعلامية وفضائية؟! وما السبب في نشر هذا التشكيك في مكان المسجد الأقصى ومكانته؟! ولماذا المحاولات حثيثة من هؤلاء – وهم ليسوا يهوداً - لإدخالها في بعض النفوس؟!
على الرغم أن ما يقوله هؤلاء من العرب - أسموهم أدباء ومفكرين!!- لم يضف جديداً على الدراسات اليهودية والاستشراقية التي تعمل على تقليل أهمية المصادر الإسلامية المتعلقة ببيت المقدس بعد أن فتحها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أو للتقليل من أهميتها ومكانتها في الإسلام والتشكيك في النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة وكتب السير والفقه؛ وذلك بهدف إلغاء الحقائق والتشكيك في الثوابت لكتابة تاريخ جديد لبيت المقدس من وجهة نظر أحادية متعصبة.
ولا شك أننا نعرف دوافع مراكز الدراسات والباحثين اليهود في نشر تلك الشبهات والأكاذيب لإكساب احتلالهم لبيت المقدس شرعية دينية وتاريخية وواقعية وأثرية وقانونية،بل وإنسانية في بعض الأحيان!!
وحقاً فأن تاريخنا في القدس يؤرقهم، وكيف لا يقلقهم وفي طياته الأخبار والسير ما يشيب منه غلمان الحاقدين وأعداء المسلمين من اليهود ومن هواهم؟! ففي تاريخنا أخبار الفتوحات والبطولات، ثم الهزائم والانتصارات، قام بها علماء وقادة، فتحوا الأمصار، وانتصروا على غارات المغول، وردوا حملات الصليب، وكسروا شوكة الاستعمار المعاصر؛ وفي صفحة مؤلمة من صفحات هذا التاريخ - الذي نعيشه - انتكاسة للأمة بأن قامت على أرض فلسطين دولة آثمة ظالمة، سلبت الأرض والمقدسات، وسرقت الخيرات، وتعدت على الحريات والكرامات، لا بقوتها وبأسها، فما كان اليهود أبداً أولي بأس وقوة، ولا كانوا أولي نبل وشهامة، بل بقوة من يقوم وراءها ليحميها ويقويها على باطلها، ويمدها بما يزيد عدوانها.
لماذا لا يؤرقهم تاريخنا؟ وفي صفحاته تفاصيل فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للقدس، وأخبار عماد الدين ونور الدين الزنكي، وانتصارات صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس - رحمهم الله جميعاً – وتحريك الأمة وإحياؤها من جديد على يد علماء ربانيين كالعز بن عبد السلام وابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليهم جميعاً، والخير في هذه الأمة لا يزول إلى قيام الساعة.
حقائق لا بد أن تعرف:
حول دوافع اليهود في دراسة هذا التأريخ كتب الصحفي والباحث (صالح محمد النعامي) على موقعه الشخصي مقالاً بتاريخ 22/10/2009 م، بعنوان: (عمر بن الخطاب يقض مضاجع الصهاينة من قبره)، جاء فيه: (تيدي كوليك) رئيس بلدية الاحتلال في مدينة القدس الأسبق الذي توفي قبل عامين، الذي يُعد أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية على الإطلاق؛ ولم يكتسب (كوليك) مكانته الكبيرة في سلم القيادة الصهيونية بفضل جهوده في مجال تهويد مدينة القدس فقط، ومسؤوليته عن مضاعفة مساحة المدينة مرات عدة منذ العام 1967 ببناء المزيد من الأحياء الاستيطانية، بل أيضاً بفضل سجله الكبير في العمل الأمني والاستخباري، علاوة على حقيقة أنه كان أوثق مستشاري رئيس الوزراء (الإسرائيلي) الأول (دفيد بن غوريون)».
تاريخ المدينة
وكان قد كشف النقاب صديقه رجل الأعمال (يوسي أهارونوش) عن بعض الحقائق بقوله في مقابلة مع إذاعة الاحتلال باللغة العبرية: «إن (كوليك) أقبل في السنوات الأخيرة بعدما أنهى منصبه رئيساً للبلدية على دراسة تاريخ المدينة؛ حيث إن أكثر ما أصابه بالفزع هو نجاح المسلمين في فتح المدينة وبقية فلسطين في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأرضاه، وتمكن المسلمين من الحفاظ على المدينة لقرون طويلة. وينوه (أهارونوش) إلى أن (كوليك) توقف ملياً عند حرص عمر ابن الخطاب على القدوم شخصياً لتسلم مفاتيح القدس، ورأى أن هذه الخطوة الذكية تجعل الأجيال المسلمة حالياً وفي المستقبل ملتزمة بالعمل على إعادة تحرير المدينة وطرد (الإسرائيليين) منها، علاوة على أن خطوة عمر مثلت مصدراً لأسلمة القضية الفلسطينية. ويضيف (أهارونوش) إلى أن دراسة تاريخ المدينة المقدسة جعلت (كوليك) قبل وفاته أقل ثقة بمستقبل المشروع الصهيوني».
وتحت عنوان: (حتى لا يولد صلاح الدين من جديد) كتب أيضاً صالح النامي عن الجنرال (شلومو باوم) الذي يوصف بأنه أسطورة الجيش (الاسرائيلي)، وكان يعده رئيس الوزراء (الإسرائيلي) الأول (دفيد بن غوريون) مفخرة الدولة اليهودية»، بينما كتب عنه (أرئيل شارون) أنه: « آلة حرب متحركة تتجسد في جسم بشري».
يقول (شلومو باول): «عندما حلت ذكرى وفاته نشر الكاتب (الاسرائيلي) (حاييم هنغبي) مقالاً في صحيفة (معاريف) كشف آفاقاً أخرى في شخصية (باوم) ؛ حيث يشير إلى أنه لكثرة ما سمع من إطراء على (باوم) قرر التعرف عليه بعد تسرحه من الجيش للتعرف على الدوافع الكامنة وراء «معنوياته العالية، وشعوره المطلق بعدالة ما يقوم به».
ويضيف (هنغبي) أنه عندما توجه إلى (باوم) في شقته، وجد إنساناً آخر غير الذي سمع عنه، وجد شخصاً قد تملكه الخوف واستولى عليه الهلع واستبد به القلق. ويشير إلى أنه عندما سأله عن سر دافعيته الكبيرة لقتال العرب وحرمان نفسه في سبيل ذلك الراحة لعشرات السنين، فإذا (بباوم) يصمت هنيهة، ثم يقوم من مجلسه ويحضر ملفاً كبيراً يأخذ بتقليب صفحاته، ثم يقدمه (لهنغبي)، ويقول: «هل سمعت عن الحروب الصليبية، هل سمعت عن معركة حطين، هل سمعت عن شخص يدعى صلاح الدين».
العالم العربي ضعيف
يقول (هنغبي): «عندها قلت له مستنكراً: لكن العالم العربي الآن في أقصى مستويات الضعف في كل المجالات»، فيضحك (باوم) ساخراً، ويقول: «لقد كانت أوضاع المسلمين قبل معركة حطين تماثل من حيث موازين القوى أوضاع العرب حالياً». وقال (باوم): «إن أكثر ما أزعجه من دراسة تاريخ الحروب الصليبية هو قدرة صلاح الدين على بعث نهضة العرب من جديد، وتنظيم صفوف قواته بعكس المنطق الذي تمليه موازين القوى العسكرية».
ويواصل (باوم) شرح مخاوفه كما رواها (هنغبي) قائلاً: «منذ عشرين عاماً وأنا أحاول رصد الأسباب التي جعلت المسلمين يحققون هذا النصر الأسطوري وفق منطق العقل والتحليل العسكري، وأن ما جعلني أتعلق بالحرب هو حرصي على أن أقوم بكل شيء من أجل عدم تهيئة الظروف لمولد صلاح الدين الأيوبي من جديد، إنني أعيش في خوف دائم على المشروع الصهيوني».
بعد هذا التمهيد – ولعله مطول – نقف لنكمل في العدد القادم الرد العلمي على من شكك في مكان المسجد الأقصى ومكانته بمشيئة الله تعالى.
لاتوجد تعليقات