رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 21 ديسمبر، 2015 0 تعليق

لماذا التشكيك في مكان المسجد الأقصى ومكانته عند المسلمين؟! (2)

 

كل ما قاله الكتاب العرب ومنظروهم عن موقع المسجد الأقصى هو ترديد لما قاله المستشرقون اليهود

تميز المسجد الأقصى عن كل المدائن التي فتحها المسلمون فهي البلدة الوحيدة التي خرج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة لاستلام مفاتيحها

أجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى

 

بعد أن كثرت المحاضرات والندوات والكتابات والمقاطع المشككة في مكان المسجد الأقصى ومكانته عند المسلمين، تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال أن كل ما كتب من شبهات وأكاذيب أنما هو من منبع واحد ألا وهي مراكز الدراسات الصهيونية والباحثون اليهود والمستشرقون الحاقدون، ودللنا على ذلك من كتبهم وكتاباتهم؛ وأوضحنا دوافع اليهود لهذا التشكيك الذين أساءهم تعلق المسلمين بالقدس والأقصى ومحبتهم لهما والنظر إليهما؛ وتاريخهما الزاهر، فعملوا على تقويض إجماع المسلمين على قداسة مدينة القدس، وتعظيم حرمتها وحرمة الأقصى في الإسلام.

ترديد لما قاله المستشرقون اليهود

     والعجيب أن كل ما قاله هؤلاء من الكتاب العرب ومنظريهم هو ترديد لما قاله المستشرقون اليهود، ولكن الاختلاف فقط هو أن (يوسف زيدان) – الذي كثرت مقاطعه المشككة في مكان المسجد الأقصى ومكانته - وبعض كتّاب العرب يجمعون الشبهات ثم ينطقون بها – وبعضهم جمعت له تلك الشبهات لينطق بها لتكون مدار حديثه وتشكيكه- أما كتّاب الكيان الصهيوني وباحثوه فتقسم بينهم الأدوار، ولكل منهم شبهة يرددها ويعمل على إضفاء الصفة العلمية والبحثية والمرجعية عليها.

      فهؤلاء وما يطلق عليهم بالمثقفين لم يأتوا بجديد ولكن نقلوا ما أخذته وتوصل إليه من أكاذيب وشبهات تلك المراكز البحثية في الجامعات العبرية التي تعمل بمشروع وظيفي هدفه تقليل مكانة المسجد الأقصى وإعطاء اليهود حق في القدس ومكان المسجد الأقصى، وعد المكان مقدساً عند اليهود، وأن قداسته عند المسلمين موضع شك وليس عليها إجماع.

     فأتى من يستهويهم النقل عما كتبه اليهود، ولكنهم يرفضون النقل عن علماء المسلمين الذين أجمعوا على مكان المسجد الأقصى ومكانته في القدس، ليقولوا بأن بعض المفسرين قال: إن المسجد الأقصى هو مسجد قريب من مكة أو بين مكة والمدينة وبعضهم قال في الجعرانة وبعضهم قال: إنه في الطائف وبعضهم أراح نفسه، وقال هو ليس في الأرض بل هو في السماء!

هناك فرق

     وحقاً هنالك فرق بين كاتب يصنعه العلم وبين كاتب يصنعه الإعلام، الذي فتح لهم الأبواب لمقابلتهم وبث محاضراتهم المسمومة! فرأينا من يقول بأن كل ما في فلسطين من مقدسات هي حق خالص لليهود وليس للعرب والمسلمين وأهل فلسطين شأن فيها، وأن النزاع حول القدس والمسجد الأقصى هو نزاع سياسي وليس نزاعاً دينياً! على الرغم أن قادة الاحتلال عملوا وما زالوا لتثبيت أن الدولة يهودية!

      فلله در (المسجد الأقصى)، مع أنه أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد وضع في الأرض، وثالث المساجد التي يشد إليها الرحال، فقد اجتمع على التقليل من شأنه الباحثون اليهود في مؤلفاتهم، وبعض من صنعهم الإعلام وأسموهم بالفلاسفة والمفكرين، وبعض الكتاب الذين جندوا أقلامهم للدفاع عن اليهود وكيانهم الغاصب، والفرق الباطنية في أقوالهم؛ لأن شأنه عظيم ومكانته راسخة في قلوب المسلمين، ومهما عملوا وسطروا إلا أن دفاع المسلمين الصادقين يؤرق مضاجعهم، وتضطرب أمامها أقوالهم وكتاباتهم.

وردنا على كل من شكك في مكانة المسجد الأقصى نلخصه بالآتي:

المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين

      نقول لكل من يشكك في مكانة المسجد الأقصى: - شئتم أم أبيتم- فالمسجد الأقصى هو: أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد وضع في الأرض، وبارك الله فيه وفيما حوله، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعراجه إلى السموات العلى، وصلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم  فيه بالأنبياء إماماً، ويضاعف فيه أجر الصلاة، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم  بفتحه، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى قلت: كم كان بينهما؟ قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله، فإن الفضل فيه».

محل دعوة الأنبياء إلى توحيد الله -تعالى-

      والمسجد الأقصى: محل دعوة الأنبياء إلى توحيد الله -تعالى-، ورباط المجاهدين القائمين، ورغبة المجاهدين الفاتحين، ومنارة للعلم والعلماء؛ دخله من الصحابة جمع كثير، ويرجى - والرجاء رجاء الأنبياء - لمن صلى فيه أن يخرج من خطئيته كيوم ولدته أمه، وهو مقام الطائفة المنصورة، وأرض المحشر والمنشر، وفيه يتحصن المؤمنون من الدجال ولا يدخله.

أثنى النبي صلى الله عليه وسلم  على فضله وعظيم شأنه

      والمسجد الأقصى: أثنى النبي صلى الله عليه وسلم  على فضله وعظيم شأنه، وأخبر بتعلق قلوب المسلمين به لدرجة تمني المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على المسجد الأقصى أو يراه منه، ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا وما فيها، وهذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم  بقوله: «وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً»، أو قال: «خير من الدنيا وما فيها».

مدينة مقدسة منذ القدم

     ولماذا تناسى هؤلاء أن المسجد الأقصى والقدس وفلسطين مقدسة منذ القِدم؟! ألم يسمعوا أو يقرؤوا أن الأرض المقدسة جاء ذكرهما في العديد من الآيات في كتاب الله عز وجل، قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:21). وهو خطاب موسى عليه السلام لقومه، قبل حلول بني إسرائيل في فلسطين، وقبل أنبياء بني إسرائيل الذين يزعم اليهود وراثتهم. والبركة كانت قبل إبراهيم عليه السلام قال تعالى عن إبراهيم ولوط: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:71). وتلك البركة كانت فيها قبل إبراهيم عليه السلام، ولذلك سكن اليبوسيون بجوارها، ولم يسكنوا فيها؛ لأنها محل للعبادة. قال سبحانه: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (الأنبياء:81)، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (سبأ:18).

تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة

     ألم يكن من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يدنيه منها. روى مسلم في صحيحه مرفوعاً: «فسأل الله تعالى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر». قال النووي: «وأما سؤاله – أي موسى عليه السلام – الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها، وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم».

     وقد أفرد البخاري في صحيحه باباً أسماه (باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة). ومما أجمع عليه علماء الأمة أن فلسطين من الأرض المقدسة وتواتر هذا اللفظ عند المحدثين والفقهاء، وفي كتب الصحاح والأسانيد، ولم ينكره أحد. قال ابن بطال البكري القرطبي في شرحه لصحيح البخاري: «وأجمع أهل الشرائع على أن الله قدسها».

أول قبلة للمسلمين

     وكيف تكون مكانته حديثة وهو أول قبلة للمسلمين؟! أخرج البخاري ومسلم بالسند إلى البراء بن عازب رضي الله عنه  قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم صرفنا إلى القبلة». وتحويل القبلة لم يلغ مكانته، بل بقيت مكانته عظيمة في قلوب المسلمين وفي الشرع الإسلامي.

بشر النبي صلى الله عليه وسلم  بفتحه

وبشر النبي صلى الله عليه وسلم  بفتحه قبل أن يفتح، وتلك البشرى من أعلام النبوة، عن عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم  في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدم، فقال أعدد ستاً بين يدي الساعة:- ذكر منها -، ثم فتح بيت المقدس.

أجمع أهل العلم على استحباب زيارته

      وأجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى، وتلك المساجد الثلاثة لها الفضل على غيرها من المساجد فقد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا». قال النووي في شرحه على مسلم: «وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة، وفضيلة شد الرحال إليها، لأن معناه عند جمهور العلماء: لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها».

 وقال الحافظ في (الفتح): «وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم، والثاني كان قبله الأمم السالفة، والثالث أسس على التقوى».

     وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- عن حكم زيارة بيت المقدس والصلاة فيه فقال: «ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال لا تشد الرحال.... وهو في الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقد روي من طرق أخرى، وهو حديث مستفيض متلقى بالقبول، أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق، واتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه».

الصلاة فيه لها فضل كبير

     والصلاة في المسجد الأقصى لها فضل كبير، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكما يصادف حكمه، و ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم  «أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون أعطي الثالثة».

      فالمسجد الأقصى موجود قبل سليمان وموسى وإبراهيم، وجدد بناءه أنبياء الله -تعالى-: إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وسليمان عليهم السلام، ولم يكن في يوم من الأيام معبداً لليهود، ولكنه مسجد لكل أمة مسلمة صَدَّقَت بدعوة نبيها؛ فيعقوب أو داود أو سليمان عليهم السلام هم أنبياء الله، فمن اتبع طريقهم هو أولى بهم، واليهود -كما تحكي التوراة وغيرها- قد خالفوا أوامرهم وسفهوهم.

شد الكثير من الصحابة الرحال إليه

     وقد شد الكثير من الصحابة الرحال للصلاة في المسجد الأقصى، ودخله من الصحابة رضي الله عنهم جمـع كثير، شـدوا الرحال إليه وقصدوه بالسكن والعبادة والوعـظ والإرشاد، منهـم: أبو عبيدة بن الجراح، وكان القائد العام لجيوش الفتح في الشام، وبلال بن رباح، شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب، وأذن في المسجد الأقصى، ومعاذ بن جبل، استخلفه أبو عبيدة على الناس بعد موته، وخالد بن الوليد، سيف الله المسلول شهد فتح بيت المقدس، وعبادة بن الصامت وهو أول من ولي قضاء فلسطين سكن بيت المقدس ودفن فيها، وتميم بن أوس الداري، وعبد الله بن سلام، قدم بيت المقدس، وشهد فتحها، وهو من المشهود لهم بالجنة، وغيرهم الكثير الكثير.

بلدة متميزة

     وتميز المسجد الأقصى وموطنه عن كل المدائن التي فتحها المسلمون؛ فهي البلدة الوحيدة التي خرج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه  من المدينة لاستلام مفاتيحها، وبنى المصلى في ساحات المسجد الأقصى - سنة 15هـ - بعد أن يَسَّر الله للمسلمين فتح بيت المقدس، وأوقف أرضها المباركة لتكون أمانة في عنق الأمة إلى قيام الساعة. بذل أتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  أرواحهم لطرد الروم والصليبيين منه، ودفعوا تسع حملات صليبية عنه، بقيادة نور الدين محمود بن زنكي، وصلاح الدين الأيوبي - رحمهم الله - وغيرهم من الحكام المسلمين الذين قادوا المجاهدين المسلمين حتى تحقق على أيديهم تحرير بيت المقدس بعد 91 عاماً من اغتصابها؛ لأن مكانة الأقصى والقدس في القلوب، وأرض المسلمين المباركة، وهذا من عقيدتنا، ولن ينجح الأعداء في انتزاع هذه المحبة مهما أشاعوا من الأكاذيب.

موضع اهتمام قادة المسلمين وعلمائهم

     وكل تلك المزاعم تنشر على الرغم من اهتمام سلفنا الصالح من علمائنا الأعلام بالمسجد الأقصى والأرض المباركة؛ فمؤلفاتهم ومصنفاتهم التي صنفت في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى، والحض على شد الرحال إليها، وذكر ما جاء في فضائلها في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت وما زالت موضع اهتمام علماء المسلمين إلى وقتنا الحاضر، وما كتبه علماء المسلمين في فضائلها في القرون الأولى، وما تلاها لَدَلالةٌ عظيمةٌ على مكانتها، وما زالت إلى اليوم تدّرس وتحقق تلك المخطوطات؛ التي جرى عليها من الدراسات الإسلامية والدراسات العلمية الأخرى ذات الصبغة العالمية، ما لم يجرِ لأيةِ بقعة إسلامية أخرى.

وسنكمل بمشيئة الله تعالى في الحلقة القادمة الرد على من شكك في مكان المسجد الأقصى، وأدعى بأنه مسجد في الطائف أو السماء أو مكة أو المدينة أو مدينة قاديان في الهند!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك