رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 8 يوليو، 2013 0 تعليق

لك الله يا مصر- بعد إسقاط الرئيس مرسي .. مصر إلى أين؟

أسقط مرسي .. فهل ستسقط مصر؟ سؤال يشغل بال الكثيرين من أبناء الأمة المصرية والإسلامية الحين؛ ولا سيما بعد اشتعال المواجهة بين الجيش وبين أنصار الرئيس محمد مرسي، حالة من اليأس والإحباط تسيطر على الجميع، بعد سقوط أول رئيس منتخب بإرادة شعبية لأول مرة في التاريخ المصري، انتهى الحلم الجميل الذي تنسم فيه هذا الشعب نسمات الحرية بعد سنوات من القهر والاضطهاد والتضييق، لم يكد يهنأ أبناء هذا الوطن بتلك النسائم حتى اغتالتها تلك الأيادي الآثمة التي عبثت بأمن هذا البلد واستقراره الذي عول عليه العالم الإسلامي أجمع؛ أن يكون منطلقًا لصحوة مباركة، ومرتكزًا لعودة الخلافة الراشدة، فهل ضاع الحلم؟

     بداية حتى نقرأ الأحداث قراءة دقيقة وصحيحة، لا يمكن اختزال المشهد فيما جرى خلال الأيام الماضية، وقراءته من خلالها، والقول إنها ثورة ضد رئيس فقد مشروعيته بفشله في إدارة شؤون بلاده، لم تعد هذه القراءة مقبولة عند الكثيرين، ولا يمكن قبولها ولا سيما إذا فهمنا تسلسل الأحداث خلال عام من حكم مرسي، حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه، وإدراك حجم التأمر ضد هذه التجربة الوليدة في مصر، من قبل الفلول والدولة العميقة من جهة، ومن قبل بعض المؤامرات الخارجية من جهة أخرى، ساعدهم في ذلك فشل في كثير من سياسات الحزب الحاكم، في إدارة شؤون البلاد واحتواء أطراف الصراع، إضافة إلى تهاون كبير في الأخذ على أطراف الدولة العميقة من إعلاميين، ومتنفذين، ورجال أعمال وغيرهم، وإن كنا لا نعفي مرسي من المسؤولية فكذلك لا يجب أن نقر بما حدث من قفز على إرادة الشعب بهذه الطريقة غير القانونية، وغير الشرعية.

تسلسل الأحداث

     منذ أن انتخب الرئيس مرسي، لم يستطع ممارسة صلاحياته كاملة؛ بسبب تغلغل الفلول أو ما يسمى بـ«الدولة العميقة» في مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة، والذين وضعوا أمامه العقبات تلو العقبات، وعرقلوا مشاريعه وخططه لإظهاره بمظهر الرئيس الفاشل، ونجحوا في ذلك، فخلقوا الأزمات وتمت مفاقمتها، وضيقوا على الناس في معيشتهم؛ ليصنعوا حالة من الغضب والحنق الشعبي ضد مرسي، وقد نجحوا في ذلك أيضًا، فالمواطن المصري البسيط الذي يجد صعوبات جمّة في حياته اليومية التي لا تكاد تطاق، بسبب الفوضى الأمنية، وانقاطاعات متكررة للكهرباء ونقص الوقود، مع عدم وجود حلول عملية لها، فإنه وبطبيعة الحال يُحمّل السلطة القائمة المسؤولية كاملة عن هذا التدهور في الأوضاع، والمعاناة التي يعيشها، رافق ذلك حملة إعلامية ضخمة كانت تعمل طيلة عام وبشكل حثيث على شيطنة مرسي وحزبه، فاقتنعت قطاعات واسعة من الشعب أن هذه الأزمات التي تعيشها هي نتيجة السياسات الخاطئة والأداء الضعيف لمرسي، فخرج الملايين في مظاهرات حاشدة ضده تلبية لحملة مشبوهة دعمها الإعلام الذي عُرف عنه ولاؤه للنظام السابق، وليس هذا السبب الوحيد لهذه الحشود الهائلة التي خرجت يوم 30 يونيو، فهناك الحشد الطائفي المتمثل في المشاركة العالية جدًا - حسب بعض المواقع القبطية - من الأقباط وبتشجيع من الكنيسة، كذلك يوجد اتجاه في الشارع المصري لا يمكن إنكار وجوده أو التقليل من قوته، وهو يحن إلى نظام مبارك، وكاد أن يفوز شفيق بمنصب الرئاسة بسببه.

انقلاب عسكري

     لم يكن تدخل العسكر في هذه الأزمة بريئا، ولا سيما بعد الإجراءات التعسفية التي تمت بعد هذا الانقلاب، وظهرت بعد إصداره أوامر بالقبض على قيادات الجماعة، وإغلاقه للقنوات المؤيدة للدكتور مرسي، وحله لمجلس الشورى، ومنعه عدد من علماء الدعوة السلفية من أداء خطبة الجمعة على رأسهم الشيخ محمد حسان والشيخ محمد يعقوب، وهناك تسريبات أن سبب المنع رفض المشايخ طلب الجيش طلب تأييد هذا الانقلاب، وهذا يعد مؤشرا واضحا وخطيرا على ديكتاتورية عسكرية قادمة، قد تتحكم بمصر لسنوات طويلة.

تباين المواقف وردود الأفعال

     تباينت المواقف وردود الأفعال تجاه هذا الانقلاب، داخليًا وخارجيًا؛ حيث أكد عدد من المراقبين أن الاعتقالات ترجمة لدولة محكومة بقانون طوارئ وإجراءات استثنائية تتبع عادة الانقلابات، وهذا ما ساعد على تكريس كلمة (انقلاب) في الإعلام الغربي وعواصمه توصيفًا لما حدث يوم الأربعاء الماضي، فقد ظلت تلك الكلمة عنوانًا للتغطية الإخبارية في معظم القنوات وعلى رأسها (سي إن إن)، ولم يخفف منها بعض التدخلات السياسية المصرية مثل تصريحات محمد البرادعي ووزير الخارجية الذي طمأن نظيره الأمريكي على الحريات وحقوق الإنسان.

     تركيا وتونس رفضتا ما حدث، والاتحاد الإفريقي قام بتعليق أنشطة مصر بسبب ذلك، وكذلك الأمم المتحدة فعلت الشئ نفسه، أما فرنسا فقد اعدته -على لسان رئيسها ورئيس ألمانيا- فشلاً للعملية الديمقراطية، ولم ترحب به بريطانيا، وعندما سئل وزير خارجيتها السابق (ديفيد أوين) في (سي إن إن) عن توصيفه؟ رد بأنه انقلاب.

     صراع المصطلحات بين كونه انقلابًا أو ثورة شعبية ربما يمكن معالجته داخليًا بواسطة لغة الإعلام الطاغية، فضلاً عن سيطرة المحتفلين والمنتصرين على الشارع، لكن المشكلة تكمن خارجيًا وتزيد منها الإجراءات الاستثنائية.

     أما الرئيس أوباما فقد تجنب توصيف عزل الرئيس مرسي بأنه (انقلاب)، إلا أن ذلك هدفه قانوني فقط، حتى لا يترتب عليه تعليق المساعدات الأمريكية لمصر وتقدر بمليار ونصف مليار دولار، في الوقت نفسه لم يطلق عليه أي تعريف آخر.

     من ناحيته أكد الفقيه القانوني والمفكر المستشار طارق البشري: أن عملية الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وتعطيل العمل بالدستور، انقلاب عسكري صريح على دستور ديمقراطي أفرزته إرادة شعبية حقيقية.

     وانتقد البشري أن تتم الإطاحة برئيس انتخب على أساس انتخابات حرة ونزيهة، وبشكل حقيقي وليس صوريّاً مؤكدًا أن هذه الثمار نكثت بها إجراءات الانقلاب العسكري الذي جرى في الأيام الماضية على حد تعبيره.

     وعن الظروف السياسية التي أدت إلى اندلاع ثورة 30 يونيو، أوضح البشري أن قسمًا كبيرًا من المصريين كان غير راضٍ عن سلطة حكم الإخوان، وقسم آخر كان راضيًا، وهذا أمر طبيعي في النظم الديمقراطية، وكان الحل أن تجرى انتخابات برلمانية تفضي إلى إنهاء هذا الصراع السياسي بصورة ديمقراطية وفقًا للدستور.

بيان مجلس شورى العلماء

     في بيان مقتضب ودبلوماسي وجه مجلس شورى العلماء نداء إلى الأمة عامة، وأهل مصر خاصة بوجوب تعظيم الحرمات، والعمل على حفظ الأرواح والممتلكات، وعدم الاعتداء على مرافق الدولة والأموال العامة والخاصة، كما ندعو الأشقاء في البلد الواحد للتريث وتغليب العقل ومراعاة مصالح البلاد والعباد وذلك بعدم المواجهة والتربص والتراشق، والسعي لحل المنازعات بالطرق السلمية، والحوار الهادئ الجاد والبناء؛ الذي إذا سَلِمَت معه النيات بنى ولم يهدم، حريصين جميعا على أمن البلاد وسلامة المواطنين.

موقف الدعوة السلفية

     لا شك أن موقف الدعوة السلفية من هذه الأحداث، سبب إشكالات كثيرة نظرًا لأنها كانت طرفاً أساسياً فيها؛ حيث وُجهت إليها سهام الطعن والتخوين والعمالة والتحالف مع أهل الباطل ومظاهرتهم على أهل الحق، إلى غيره من الاتهامات، وبسؤال الشيخ محمود عبد الحميد العسقلاني -عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية عن ذلك، أكد أن على أبناء الدعوة السلفية أن يثقوا في قيادتهم وأن يعلموا أننا لا نعمل إلا من أجل الدين، وأننا لمَّا رأينا الناس قد عزموا على الصدام وأعدوا له عدة، بما يؤدي إلي إراقة الدماء، والدخول في طريق مسدود ونفق مظلم، كانت رؤيتنا بطرح حل قد يراه بعضهم مؤلمًا ولكنه يجنبنا مخاطر كثيرة، والقرار مبني على معلومات قد تكون غير متاحة لكثير من الناس، فعلينا الأناة والإكثار من الدعاء والاستغفار وسؤال الله العافية.

     من ناحيته أكد المهندس جلال مرة - أمين عام حزب النور - على أن اتخاذ هذا الموقف جاء لعدم تجاوب فئات كثيرة مع مجهودات المصالحة التي كنا نتحرك ونسعى إليها مرارًا وتكرارًا، موضحًا « لم نجد استجابة، فلذا جاءت موافقتنا حقنًا لدماء أبناء شعبنا والحالة التي كانت تمر بها البلاد التي ربما كانت تفتح عليها باب الحرب الأهلية، وأضاف أن « هذا الموقف لم نصنعه نحن، بل صنعه الآخرون، ونحن نتحرك لتحقيق مرضاة الله - عز وجل -»، وبسؤاله عن اجتماع السيسي بالقوى السياسية والدينية، قال: «أعلم أن الأمر شديد على الإخوة وأنا جالس في أثناء إلقاء البيان جاء في رأسي أنه ربما كان وجودي سبباً في قتلي وليس فقط في سبي أو شتمي، ولكن تذكرت أن الأمر طالما لله فدمّي رخيص، قد لا يفهم بعض الناس موقفنا ويتهمنا بالعمالة والخيانة، ولكن منذ متى كنا نعبأ بما يقوله علينا الناس، المهم رضا الله في هذا الموقف وهو تقليل الشر والحفاظ على الدستور، قد يتهمنا الناس بمحاوله الحفاظ على الكراسي ومثل هذا الكلام، ولكن كان لابد من وجودي فعندما استطعت الحفاظ على الدستور على عكس ما كان يريد البرادعي وأيدني الجيش والأزهر في الحفاظ على مواد الهوية وهي 2 و219 ومادة تقييد الحريات ومادة عرض التشريع على الأزهر ساعتها فقط أحسست أن وجودي مهم ولو أدى إلى قتلي».

     وكانت الدعوة السفلية قد أصدرت بيانات عدة منذ بداية الأحداث دعت فيها الأطراف المتصارعة إلى تحيكم نداء العقل، وتجنيب البلاد شرور الحرب الأهلية، كان آخرها البيان الأخير الذي صدر يوم الخميس الماضي وجاء فيه:

     فلقد كانت تحركات ومواقف «حزب النور» طوال الفترة الماضية من منطلق الحفاظ على دماء المصريين وأرواحهم، ووحدة النسيج المجتمعي المصري، وقد تحَمَّل «حزب النور» ألم وصعوبة المشاركة في بعض المشاهد؛ حرصًا منه على تحقيق هذا الهدف الذي هو مقصد شرعي ومطلب وطني.

ولكن خلال المتابعة لما يجري على أرض الواقع في اليومين الماضيين لوحظ الآتي:

1- إراقة دماء متظاهرين سلميين في طول البلاد وعرضها.

2- ملاحقة المعارضين السياسيين والقبض عليهم؛ مما يتعارض مع مبدأ الحوار والمصالحة الوطنية.

3- إعطاء غطاء عملي من قبل الداخلية للبلطجية لإعمال القتل والترويع والتحكم في الشارع، وكذلك التعرض لأصحاب السمت الإسلامي.

4- إغلاق بعض القنوات الإسلامية دون سند من القانون.

5- البدء في إصدار إعلانات دستورية وقرارات مهمة دون تشاور مجتمعي أو سياسي.

6- ظهور الانحياز تجاه تيار دون تيار آخر في حين أن المؤيدين والمعارضين هم أبناء وطن واحد.

     و«حزب النور» إذ يعلن رفضه التام لكل هذه الممارسات وتبرأه منها، فإنه يطالب بوقف هذه الممارسات فورًا، وسوف يواصل الحزب جهوده بالتواصل مع كافة القوى السياسية والمجتمعية والشبابية والمؤسسات الدينية؛ من أجل الوصول إلى مصالحة شاملة حقيقية دون إقصاء لأحد، والاتفاق على رؤية مشتركة للخروج من هذه الأزمة التي تمر بها البلاد.

     ويقدر «حزب النور» بيان «الأزهر الشريف» الأخير، وننتظر منه المزيد من المساعي للم الشمل، وحفظ الدماء، وعودة اللحمة للشعب المصري، حفظ الله مصر وأهلها».

مصر إلى أين؟

     أخيرًا لا شك أن هذه الأحداث مرحلة فارقة في تاريخ مصر، بل في تاريخ الحركات الإسلامية كلها، ولا شك أن اشتعال المواجهة بين أنصار الرئيس مرسي، والإسلاميين من ناحية، والجيش والداخلية من ناحية أخرى، ولَّد مخاوف كثيرة من تكرار تجربة الجزائر، أو دخول البلاد في حرب أهلية، سيناريوهات عديدة لا يستطيع أحد التنبؤ بها في ظل إصرار أنصار الرئيس على عودته، يقابله عناد ومواجهة شرسة وغير أخلاقية من الجيش والشرطة التي أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين في محافظة العريش وهم يؤدون صلاة العصر، مما قد ينذر بكارثة لا يعلم مداها إلا الله. لا نملك إلا أن نلجأ إلى الله عز وجل ونسارع بالتوبة والاستغفار، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولنعلم أن كل ما وقع وما سيقع، فبقدر الله ومشيئته، وتذكروا أنه لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله، الأمر صعب والصدمة شديدة، ولكن {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﭟ  } (البقرة:216)، وربما تكشف لنا الأيام عن حكم وعبر ربما لا نرى لها علامات الآن، ولكن تذكروا أن لله في خلقه شؤونا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك