رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد القاضي 23 أبريل، 2019 0 تعليق

لكي يكون البناء متينًا

 

     لو شاهدتَ بناءً محكمًا مِن الخارج؛ فإنك تود في هذه اللحظة أن تراه مِن الداخل، وعندما تدور ببصرك فيه مِن الداخل سيوقفك أي شرخ يسير في الجدار؛ فإن بهاء المنظر الخارجي لابد أن ينعكس على الداخل؛ فأي شرخ ولو كان يسيرًا فسيفقدك متعة المنظر الخارجي.

فهذا البناء الجميل البهي المنظر هو الدعوة ببهاء منهجها وقوة حجتها على المخالف، لكن هذا المنظر البهي يحتاج إلى بناءٍ متماسكٍ ليس فيه شروخ، ولا مسافات بينية توثِّر على تماسكه.

     وهذه الشروخ أو المسافات البينية هي العلاقات البينية بين أفراد الدعوة؛ فالعلاقات الأخوية يجب ألا تتأثر بأي مؤثر، ولو كان مِن جنس الخلافات الشرعية في مساحة الخلاف السائغ، أو مِن جنس الخلافات الإدارية في العمل الدعوي، أو مِن جنس المشكلات النفسية؛ أقصد مشكلات النفوس التي لم يكتمل بناؤها، أو بعبارة أدق: «لم يكتمل تهذيبها».

فأمثال هذه المشكلات - وغيرها كثير- تعد شروخًا في جدار الدعوة، وكلما كان الخلاف بين أشخاص مؤثرين في الواقع الدعوي كان الشرخ عميقًا.

     وكل واقع دعوي قد تكون فيه مشكلات؛ فالعمل الإداري إلا وسيلة لترتيب العمل الدعوي والعلمي وتسهيلهما؛ فعندما توجد مشكلات إدارية تؤثر على المناخ الدعوي بالسلب، أو تحدث شروخًا في العلاقات الأخوية، وإذا كان لابد أن نفتش عن خلل سلوكي؛ فلا يمكن أن يكون العمل لله والنوايا فيه حاضرة والهدف واحد، والكل لا يرى حظًّا لنفسه، ثم بعد ذلك يكون العمل الإداري سببًا لضغينة بين العاملين أو شقاق -لا قدَّر الله بينهم-.

     لابد أن ننظر إلى العمل الإداري ولو كان به قصور هنا أو هناك على أنه وسيلة تنبيه وتحفيز للأوجه التي بها قصور لتكميلها، ولإتمام العمل على الوجه الأكمل دون أن تكون هناك غضاضة في قبول النصيحة من الآخرين لتكميل النقص أو القصور، ولاسيما أن كل واحد منا لا يخلو مِن أوجه خلل، أو قصور في ناحية من النواحي.

     لابد أن تتغلب معاني الأخوة على هذه الخشونة الإدارية، حتى يكتمل العمل ويسير مِن حسنٍ إلى أحسن، ولابد أن نستوعب جميعًا أننا لن نصيب الحق دائمًا، ولن نصل إلى الكمال مِن كل وجه، بل لابد أن يكون هناك نقص وقصور عند كل واحد منا فيحتاج إلى مَن يرشده إليه.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا» (متفق عليه)؛ فإن لم تبلغ السداد فهناك باب كبير للمقاربة.

     ولابد أن نتصف بخصال يحبها الله ورسوله في العمل الإداري، كالقسط والعدل؛ فمثلًا: إذا وقع أخوك في خطأ إداري أو قصور؛ فلا يمكن أبدًا أن تسوِّد صفحته بالكامل، كأنه لم يعمل خيرًا قط! بل التجرد والإنصاف في الحكم على الرجال وعلى المواقف سمت الصالحين الذين يخشون الله في السرِّ والعلن، وما ولوا، ويخافون مِن الوقوف غدًا بين يدي الله بمظلمةٍ لأحدٍ.

وفي الحقيقة: لابد أن نعي أن الإتقان مطلوب، والإحسان في العمل مراد، ولكن لابد في الوقت نفسه أن تكون هناك رحمة في العمل الدعوي، نتراحم بها جميعًا دون إفراطٍ أو تفريطٍ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك