رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 22 أبريل، 2013 0 تعليق

لـماذا لم يسقط طاغية الشام بشار ..؟


يؤكد الخبراء أنه لولا الدعم الخارجي الإيراني والروسي، ولولا الدعم اليهودي لانتهى هذا النظام خلال شهور من بداية الثورة

أمريكا شئنا أم أبينا طرف فاعل في هذا الصراع، والفيتو الأميركي السري هو المؤامرة الدولية الحقيقية على سورية

من الأمور التي تعزز أيضًا السلطوية الدموية الراهنة لنظام الأسد‏،‏ تفكك قوي المعارضة وانقساماتها الحادة

لن يتراجع الشعب السوري قيد أنملة عن مطلب إسقاط النظام طال الزمن أم قصر

الواقع يشهد بأن بشار لم يعد رئيسًا بنظر شعبه، ولا بنظر العالم، وأنَّ مسار الأوضاع في سورية يتجه بخطى واثقة نحو التغيير والحرية

سقوط نظام الأسد سيرتد بالإيجاب على مستقبل لبنان الدولة والشعب، وليس كما يروجه بعض الساسة اللبنانيون المرتهنون لنظام الأسد

لماذا لم يسقط طاغية الشام حتى الآن؟ سؤال يتردد كثيرًا الآن بعدما أصبحت سوريا قاعًا صفصفًا أو تكاد, وبكلمات أخرى‏:‏ ماالعوامل التي تساعد هذا الطاغية على الاحتفاظ بالسلطة رغم العقوبات الدولية والإقليمية التي جرى فرضها عليه، ورغم التسارع الهائل في وتيرة الثورة الشعبية السورية التي تُعدّ واحدة من كبرى الانتفاضات في التاريخ السوري والعربي الحديث‏,‏ ثمة عدد من العوامل والمتغيرات المحلية والإقليمية أدت دورًا يبدو محوريًا في استمرار تماسك نظام الأسد‏,‏ وهي العوامل والمتغيرات نفسها التي من المرجح أن تجعل في مقدرة هذا النظام البقاء في السلطة على المدى المتوسط أو القصير على أقل تقدير‏.!!!‏

     يؤكد الخبراء أنه لولا الدعم الخارجي الإيراني والروسي، ولولا الدعم اليهودي لانتهى هذا النظام خلال شهور من بداية الثورة، كما حدث مع غيره من الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا واليمن، فالثورة السورية قدمت أضعاف تضحيات تلك الدول، وما من محافظة إلا وقدمت فاتورة الدم، وعندما تسلحت الثورة ضربت في عقر النظام واصطادت رؤوسه ولم يقف أمامها مقر أمني ولا كتيبة ولا مطار.

     والواقع المرير يؤكد أن الشعب السوري لا يخوض حربًا ضد نظام استبدادي فقط، ولكنه يقاتل على جبهات عدة داخلية وخارجية، فالصامدون في حلب وغيرها، لا يقاتلون جيشًا مهترئًا وإنما يقاتلون جيشًا مدعومًا بأحدث الأسلحة والخبرات الروسية والإيرانية، وصمودهم إلى اليوم هو هزيمة ثلاثية لقوة استبدادية وقوتين احتلاليتين، لكن بين قوة شعب ثائر وقوة ائتلاف دولي نتج وضع قائم يمنع حتى الآن، أي طرف من حسم المعركة، وإذا نظرنا إلى تأخر سقوط هذا الطاغية نجد أن ذلك يرجع إلى عدة عوامل أهمها:

الفيتو الأميركي السري

     أمريكا شئنا أم أبينا طرف فاعل في هذا الصراع، والفيتو الأميركي السري هو المؤامرة الدولية الحقيقية على سورية وليس فقط الفيتو الروسي المعلن، وهو السبب الرئيس في إطالة أمد هذا الصراع من خلال منع دخول السلاح النوعي،  ويرجع الدعم الأمريكي لهذا النظام إلى ثلاثة أسباب رئيسة:

- أولها: الخوف على أمن إسرائيل، فوصول السلاح النوعي إلى يد الثوار يعني استخدامه ضد الجيش الإسرائيلي فيما بعد.

- ثانيهما: التخوف من تنظيم القاعدة التي من المؤكد أنها ستستخدم هذا السلاح ضد المصالح الأميركية في المنطقة سواء عسكرية أم مدنية.

- ثالثهما: أن من مصلحة أمريكا والغرب إطالة أمد الحرب حتى تخرج سورية منهكة وغير قادرة على أداء دور في الصراع العربي الإسرائيلي.

دعم الطائفة العلوية

     ومن هذه العوامل دعم الطائفة العلوية‏، التي تشكل -مع الطائفة الدرزية- حوالي ستة عشر في المائة من سكان البلاد حسب تقديرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية‏,‏ فيما يشكل المسلمون السنة حوالي أربعة وسبعين في المائة‏، وتشير تقديرات أخرى إلى احتمال أن تتراوح نسبة العلويين وحدهم بين ثمانية واثنتي عشرة في المائة‏,‏ وبذلك تصبح الطائفة العلوية ثاني أكبر الطوائف في الدولة السورية ‏(‏فالطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد ما زالت تدعم هذه العائلة السلطوية‏,‏ ومازالت تشكل أحد أهم الدروع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية التي تحتمي بها بنية النظام المستبد السوري‏).

طوائف أخرى

     كما يحظي نظام الأسد إلى حد ما بدعم الطائفة النصرانية وتأييدها وهي التي تخشي بشدة من أن تتحول سوريا إلي نسخة جديدة من العراق على الصعيد الطائفي، بمعنى أن تتفجر في البلاد موجات تلو أخرى من أعمال العنف الطائفية التي قد يكون النصارى أكبر ضحية لها، ويذكر في هذا الصدد أن العراق شهد ومازال يشهد موجات متتابعة من فرار النصارى إلى خارج البلاد بعد تنامي استهدافهم منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام ألفين وثلاثة، وهو السيناريو الذي يخشاه نصارى سوريا‏،‏ أكثر من ذلك فإن الأسد يتمتع إلى حد ما بتأييد لافت من الطائفة الإسماعيلية وحتى من جانب الأكراد أو على الأقل فإن هاتين الطائفتين تحجمان عن الانضمام للثوار للأسباب نفسها التي جرى ذكرها في شأن النصارى‏.‏

حزب البعث

     برغم أن الأغلبية الكاسحة من الثوار هم من السنة، إلا أن هذا لا ينفي أنَّ جانبًا من الطائفة السنية يقف إلى جانب النظام لا سيما هؤلاء الأعضاء في حزب البعث الحاكم‏,‏ وفي الجيش‏,‏ وفي المؤسسات الأمنية الذين سيصبحون على الأرجح أكبر الخاسرين إذا انهار نظام الأسد الذي يمثل وجوده لها مسألة حياة أو موت‏,‏ ومن ثم فإن مصالحها قد تتحطم كليًا أو جزئيًا أو قد تصبح مجرد جماعات مهمشة تفتقر إلى الأمن السياسي والاجتماعي إذا ما جرت الإطاحة بنظام الأسد‏.‏

المعارضة السورية‏‏

     ومن الأمور التي تعزز أيضًا السلطوية الدموية الراهنة لنظام الأسد‏، وتمثل نقطة قوة داعمة لهذا النظام‏,‏ تفكك قوى المعارضة وانقساماتها الحادة، فقد عجزت هذه المعارضة عجزًا فاضحًا عن إظهار اتحادها أو تضامنها واجتماعها على أهداف واضحة فيما بينها، وتبدو هذه المعارضة كما لو كانت بلا قيادة موحدة‏,‏ كما أنها لا تتمتع ببرنامج سياسي اجتماعي اقتصادي قادر على إقناع المواطن السوري العادي بأن هؤلاء المعارضين في وسعهم إدارة دولة كبيرة مثل سوريا، وبحيث يكونون بديلاً ناجعًا لنظام الأسد عند انهياره‏‏، ولعل هذا ما قد يدفع الكثير من السوريين إلى الخوف من تكرار النموذج الليبي أو حتى العراقي في بلادهم أي بمعنى احتمال تحول البلاد إلى ساحة حرب أهلية هائلة‏.‏

الموقف الإقليمي

     أيضًا من بين العوامل التي تصب في صالح نظام الأسد ـ فضلاً عن تراخي الموقف الدولي ـ تلك الانقسامات وحالة الغموض التي تنتاب الموقف الإقليمي إزاء الثورة السورية‏.‏

     ففي بداية الثورة السورية‏,‏ كانت أغلب الدول العربية لا سيما دول الخليج تخشى من اتساع المشكلة المتفاقمة,‏ ومن ثم فإنه خلال هذه الفترة لم تعمد دول الخليج ذات الثقل السياسي والمالي في المنطقة إلى مساندة الثورة السورية مساندة واضحة ومحددة‏،‏ ولكن شرعت أغلب هذه الدول فيما بعد في التحرك السياسي القوي ضد النظام السوري ولاسيما مع تفاقم دوامة العنف ضد المواطنين السوريين‏،‏ وأخذت هذه البلدان في انتقاد قمع نظام آل الأسد للمعارضين السنة في المحافل العربية والدولية‏.

     كما أن بعضهم وجد بأن الأزمة السورية تشكل فرصة ذهبية لدول الخليج لقلب الطاولة الإقليمية على إيران من خلال السيطرة على عملية إعادة تشكيل المشهد السياسي والاستراتيجي السوري بصورة تلحق أسوأ الضرر بالنظام الإيراني الذي يعد الحليف الإقليمي الكبير الوحيد للأسد‏.

تداعيات السقوط

     ثمة ثلاثة محاور سياسية في المنطقة ستتأثر لا محالة بسقوط نظام الطاغية بشار الذي أصبح مؤكدًا لا محالة في ظل المشاهد المروعة والانتهاكات الجسيمة التي يقترفها أزلام العصابة المسلحة ضد خيارات الشعب السوري في الحرية والتغيير والعدالة.

- المحور الأول: يتعلق بالحلفاء الاستراتيجيين لنظام الأسد، وفي مقدمتهم النظام الإيراني وميليشيات حزب الله، ولا سيما أن الثورة السورية عرَّت دورهم وفضحت زيفهم، بل وأظهرت حجم النفاق والرياء الذي تعاملوا به مع الثورتين المصرية والتونسية، بالوقت الذي أدارا ظهريهما لثورة الشعب السوري؛فإيران تستميت الآن دفاعًا عن نظام بشار أسد الذي تعده تابعًا لها، ولأجل بقائه في الحكم، تبدي استعدادها أن تقف معه حتى النهاية، لأن سقوط النظام السوري، سيجعل إيران ومعها حزب الله، الخاسر الأكبر جراء هذا السقوط.

- المحور الثاني: ويتعلق باليهود الذين يحتمون بنظام الأسد، وهذه الحقيقة ليست خافية على أحد، فالدعم اليهودي لنظام الأسد، تجلى بداية من خلال التفاهمات السرية المبرمة بينهما منذ تاريخ التوقيع على اتفاقية فصل القوات عام 1974؛ حيث يظهر تعهد النظام السوري بعدم فتح أي جبهة حرب أو مقاومة في هضبة الجولان، ولعل تصريحات رئيس الحكومة اليهودية الأسبق (أرييل شارون) التي قال فيها، إننا نفضل التعامل مع نظام ضعيف نعرفه كنظام الأسد، خير من تعاملنا مع نظام جديد لا نعرفه، هذا يؤكد بوضوح وبما لا يدع مجالاً للشك، الغطاء الواسع الذي يوفره اليهود للنظام السوري، مقابل صمته وسكوته، فالغارات الصهيونية فوق قصره دون أي رد، خير شاهد على ذلك التواطؤ، أما التواطؤ الأكبر فقد تجلى بتصريحات اخطبوط الاقتصاد السوري رامي مخلوف ابن خال بشار، بأن أمن اليهود واستقرارهم من أمن النظام السوري واستقراره، فعندما يجد الشعب السوري نفسه أمام نظام مخادع، ليس أمامه من خيار سوى إسقاطه مهما بلغ حجم التضحيات.

كارثة تقضي على «تل ابيب»

     حذر الجنرال (عاموس جلعاد) - رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع «الصهيونية» - من أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على «تل أبيب»، نتيجة لظهور إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط.

     ونقلت إذاعة الجيش «الصهيوني» (جالي تساهال) التصريحات التي أكد فيها الجنرال «الصهيوني» (عاموس جلعاد) أن «تل أبيب» ستواجه كارثة وستصبح مهددة دائمًا بالحرب مع الإسلاميين في مصر وسوريا والأردن، إذا نجحت الثورة السورية في الإطاحة بنظام بشار الأسد، الذي يمثل وجوده مصلحة لـ«تل ابيب».

- المحور الثالث: يرتبط بلبنان بوصفه بلداً مجاوراً لسورية، فمشكلات لبنان الداخلية، لا تنتهي عند مرحلة بعينها، وهي إلى حد ما مرتبطة بتطورات الأوضاع في سورية، وذلك نظرًا للعلاقة التاريخية بين البلدين، ولا شك أن سقوط نظام الأسد سيرتد بالإيجاب على مستقبل لبنان الدولة والشعب، وليس كما يروجه بعض الساسة اللبنانيون المرتهنون لنظام الأسد.

وننقل هنا بعض التصاريح التي أطلقها قادة هذا النظام الدموي وحلفاؤه لندرك من خلالها القلق البالغ الذي ينتابهم في حالة سقوط هذا النظام:

اكتمال (القوس السني)

     أما رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي (مارتن ديمبسي) فقد أكد أنه بسقوط نظام الأسد في سوريا، ستأتي حكومة بها غالبية سنية في دمشق، وبهذا يكتمل قوس الإسلام السني في المنطقة، والنقطة المهمة هنا أنه عندما يكون هذا القوس مهددًا بعدم الاستقرار، سيأتي دور مصر لتصبح لاعباً مهم في هذا المجال للتهدئة، لذلك من المهم حقًا بالنسبة لأمريكا الاستمرار في بناء العلاقة مع مصر في صورتها الجديدة؛ لأن مصر ستصبح أكثر أهمية لواشنطن والمنطقة في هذا الوقت.

مخاوف الحكومة العراقية

     أكدت التقارير الواردة من العراق التي تتحدث عن مخاوف الحكومة العراقية من احتمالات سقوط النظام السوري والتي تزداد يومًا بعد آخر، ولفت الانتباه إلى أن لسقوط نظام بشار الأسد تأثيرات وتداعيات ملحوظة على الساحة العراقية.

     فالحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، التي دعمت نظام بشار من خلال جعل العراق جسرًا لوجستيًا عسكريًا اقتصاديًا لمد دمشق بأسباب الصمود والبقاء طوال هذه الفترة، جعلها إحدى حلقات أو لبنات الجبهة الداعمة للنظام السوري، وهي في نهاية الأمر جبهة ذات بعد طائفي واضح، مما يشكل بالضرورة خطورة على أمن العراق واستقراره بعد سقوط الأسد الذي بات وشيكًا، ولابد للحكومة العراقية أن تبحث عن مخرج مناسب لهذه الأزمة.

افهموها كما شئتم

     وكان من أخطر التهديدات التي صدرت في هذا الشأن ذلك التصريح الذي نقلته قناة «المنار” التابعة لحزب الله اللبناني والذي حمل تهديدًا مباشرًا لدول الخليج العربي، حيث عدّ رئيس مجلس الشورى الإيراني على لاريجاني سقوط نظام بشار الأسد في سوريا مقدمة لسقوط الكويت، دون أن يحدد المعنى المراد من عبارة (سقوط الكويت) سوى قوله: «افهموها كما شئتم”، ولكنه أكد في الوقت ذاته أن نصف الشعب الكويتي موالٍ لولاية الفقيه – على حد زعمه-، وأن الكويت تشكل لإيران عمقًا استراتيجيًا، «ولن نتنازل عنه”، ناصحًا دول الخليج بألا تعرقل طموحات إيران «العظمى” وإلا فإن العرب سينحسرون إلى مكة كما كانوا قبل 15 قرنًا من الزمان.

حتمية السقوط

     أخيرًا وليس آخرًا، فإن الواقع يشهد بأن بشار لم يعد رئيسًا بنظر شعبه، ولا بنظر العالم، وأنَّ مسار الأوضاع في سورية يتجه بخطى واثقة نحو التغيير والحرية، وفتح صفحة جديدة في تاريخها المعاصر، عنوانها ثورة العزة والكرامة، ولن يتراجع الشعب السوري قيد أنملة عن مطلب إسقاط النظام، طال الزمن أم قصر، والثورة السورية تمشي.. تقطع طريقها، والأكيد أن الطريق وعرة، لكن من يمش لا بد أن يصل في النهاية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك