لزوم الحذر من مخالفة خير البشر صلى الله عليه وسلم
أمر الله -عز وجل- بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعه، وجعل ذلك سبيلًا وطريقًا إلى محبته -سبحانه وتعالى- ورحمته وهدايته، فقال -تبارك وتعالى-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران:31)، وقال -تعالى-: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النور:56)، وقال -تعالى-: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف:158)، وجعل الله -سبحانه وتعالى- طاعة الرسول من طاعته، فقال -عزَّ مِن قائل-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80).
المؤمن الصادق
والمؤمن الصادق في محبته لله -تعالى- ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - يتميز عن غيره في ذلك، بأن محبة الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تظهر على جوارحه وأركانه؛ إذ يقدِّم البراهين على ما قلبه مِن صدق الإيمان، وليس فقط مجرد القول وادعاء المحبة، فـ«المحبة يدعيها كل أحد، فما أسهل الدعوى وأعز المعنى؛ فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان، وخداع النفس إذا ادَّعت محبة الله -تعالى-، ما لم يمتحنها بالعلامات، ويطالبها بالبراهين» (مختصر منهاج القاصدين).
براهين محبة الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم
- ومِن أعظم تلك البراهين الدالة على محبة الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدم الخروج عن أمره ونهيه، وتعظيم سنته الشريفة، والسير على خطاه، فكلما كان المؤمن ملتصقًا بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومتبعًا ومعظمًا لها، كان أقرب إلى محبة الله ورضوانه، ولذلك سميت هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، بآية المحنة، قال أبو سليمان الداراني -رحمه الله-: «لما ادَّعت القلوب محبة الله، أنزل الله لها محنة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}»، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: «ادَّعى قوم أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}».
أدلة القرآن والسنة
- وقد دلت الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية على لزوم اتباع السنة النبوية الشريفة، وعدم الخروج عنها في حياته وبعد مماته - صلى الله عليه وسلم -؛ قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء:59)، قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: «الرد إلى الله هو: الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو: الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته»، وقال -سبحانه وتعالى-: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65)، فنفى -تبارك وتعالى- الإيمان عمن لا يتحاكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يرضَ بحكمه.
التحذير مِن البدع
وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة، التحذير مِن البدع، والتصريح بأنها ضلالة؛ تنبيهًا على خطرها وعظيم ضررها على الأمة، وتنفيرًا منها، ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (متفق عليه)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه مسلم)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (رواه مسلم)، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
بدعة الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم
وقد انتشرت في زماننا كثير من البدع والتي منها بدعة الاحتفال بمولده الشريف - صلى الله عليه وسلم - في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وما يقع في هذا اليوم من تخصيصه ببعض العبادات كالصيام، وشراء الحلوى وألوان الأطعمة والأشربة، ونحو ذلك.
مع أن مولده -عليه الصلاة والسلام- غير ثابت أو مقطوع به في هذا اليوم، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته الكرام -رضي الله عنهم- مثل هذا الاحتفال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- هو أنصح الناس للناس، وقد بلَّغ الرسالة غاية البلاغ، فلو كان تعظيم هذا اليوم والاحتفال به مِن دين الإسلام؛ لم يكن ليترك - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أمته على فضيلته، وإنما دلهم على صيام يوم الاثنين؛ لأنه وُلد فيه وبعث فيه وأنزل عليه القرآن فيه -عليه الصلاة والسلام-، ولكان الصحابة -رضي الله عنهم- أحرص الناس على الاحتفال بهذا اليوم لو كان مما شرعه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا لم يفعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة -وهم خير القرون-، ولم يقع شيء مِن ذلك؛ عُلم أن الاحتفال بهذا اليوم وتعظيمه ليس مِن الإسلام في شيء.
فالحذر الحذر من الوقوع في البدع التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة أمره؛ فقد عظم الله -تعالى- ذلك، وحذَّر -سبحانه وتعالى- من مخالفة أمره -عليه الصلاة والسلام- والخروج عن طريقته وسنته، فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63)؛ فلولا أن أمره - صلى الله عليه وسلم - واجب وحجة لما توعد الله -عز وجل- على مخالفته بالفتنة أو العذاب الأليم؛ إذ بيَّن في هذه الآية الكريمة أن المعرض عن طريق الرسول وأمره والمخالف له معرَّض لذلك.
لاتوجد تعليقات