لا تذهب رونق حديثك
كشفت دراسة جديدة قام بها باحثون في جامعة فلوريدا الأمريكية أن الإشاعات والنميمة الاجتماعية قد لا يؤذيان طلاب المدارس المراهقين جسدياً، إلا أنهما يؤديان إلى نتائج ضارة على صحتهم النفسية، وقد تمتد معهم لفترة طويلة من حياتهم ومن المحتمل أن تصل إلى مرحلة الشباب. قال بعض الفصحاء: فمُ العاقل ملجم إذا همّ بالكلام أحجم، وفم الجاهل مطلق كلما شاء أطلق .
لقد تفشت في المجتمع آفة جسيمة وهي آفة الكلام بما يضر ولا يفيد، والكل يتكلم ويدلي بدلوه، وبعضهم تصدر منصّبا نفسه ناطقا ومتحدثا رسميا ينوب عن غيره ومجتمعه!! وآفة الكلام بما لا ينفع ويضر ينتج عنها الوقوع في المشكلات والأزمات والمواقف المحرجة وإن تفاقمت هذه الآفة فقد تصيب المجتمعات بالخلافات والعداوات.
كثيرا ما نرى في اللقاءات التلفزيونية والبرامج الحوارية والمقابلات الإعلامية بأنواعها من يصرح ويتكلم باسم البلاد وشعبها! بينما هو مفتقر إلى الحس المسؤول عما يدلي به ويصرح فهو غير معني بما يقول وليس لديه أدنى مراعاة لآداب وشروط وضوابط الكلام.
إن علماء النحو عرّفوا الكلام لغة بأنه: الأصوات المفيدة، فلنضع تحت كلمة «المفيدة» ما شئتم من الخطوط. وعلماء اللسان أيضا عرّفوا الكلام بأنه المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بألفاظ، والكلام بالمعنى العام: هو تعبير عما في نفس المتكلم من معاني .
عزيزي القارئ، إن علم اللسان من العلوم الراقية المهمة في حياة الإنسان، فنحن بهذا العلم نستطيع التواصل مع غيرنا، وبه نتمكن من إثبات العقائد الإسلامية بإيراد الحجج ودفع الشبه عنها ، فهو إحدى الوسائل التي بها نستطيع الدفاع عن مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا .
إن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر، فعلى العاقل أن يحترز من زلل لسانه بضبطه وانتقائه لمفردات هو مسؤول عنها كل المسؤولية، كما يحرص على الإقلال منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد قال بعض الفصحاء: اعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تشكرها .
عزيزي القارئ، لا يخفى عليك أن كل أمر من أمور ديننا ودنيانا مقيد بآداب وشروط وضوابط, وبما أن الكلام من أهم وسائل الاتصال ما بين الأشخاص فلا بد من معرفة آدابه وشروطه، وأولها: أن يكون الكلام لداعٍ في اجتلاب نفع أو دفع ضرر، وثانيها: أن يكون الكلام في موضعه فلا تغرد خارج السرب، الناس في وادٍ وأنت في واد آخر، ثم أن نقتصر من الكلام على قدر الحاجة حتى لا يصبح مملاً ثقيلاً على من يسمعه، قال حكيم: من كثر كلامه كثرت آثامه، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: من كثر كلامه كثر سقطه. وانتبه، فعليك أن تتوخى الحذر كل الحذر في اختيار الألفاظ والكلمات التي تريد أن تتكلم بها؛ لأن اللسان عنوان الإنسان يترجم عن مجهوله وهويته بتقويم لسانه واختيار ألفاظه، واعلم أن من البيان لسحرا كما أخبرنا المصطفى[؛ فمن أجل جاذبية حديثك مع الآخرين احرص على ما يلي:
- امدح ولا تتجاوز بالمبالغة ولا تكذب في ثنائك.
- إن تكلمت ووعدت فعليك بالوفاء بما تعد وتقول .
- لا ترفع صوتك مستنكراً؛ فقد نهانا الله عن رفع الصوت.
- تجنب مقاطعة حديث الآخرين وبتر كلامهم.
- قدم كبيرك في السن في الحديث على نفسك.
- عليك بالتأني في الكلام وعدم الإسراع؛ فإن العجلة في الحديث مظنة عدم فهمك.
عزيزي القارئ، قال الأديب أبو عثمان الجاحظ: "للكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية، وما فضل عن مقدار الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والملال فذلك الفاضل هو الهذر".
عزيزي القارئ، تذكر دوما أن الله تعالى خلق لنا أذنين ولساناً واحداً؛ ليكون ما نسمعه ضعف ما نتكلم به.
لاتوجد تعليقات