رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد حمدي 24 يونيو، 2017 0 تعليق

لا تدري أيهم أقرب نفعًا؟ الدعوة وبذل النفس للناس أولى من الخلوة والاعتكاف

هناك سؤال يتردد على ذهن كثير مِن الإخوة الملتزمين خصوصًا في رمضان والاعتكاف، وعمومًا في أحوال أخرى عن كيفية التوازن والجمع بيْن البناء والتربية الذاتية، وقراءة القرآن، وأوراد الذكر والدعاء، وبيْن الدور الدعوى والإداري المكلف به في برنامجٍ محددٍ موضوع له ضمن منظومة عمل في اعتكاف أو غيره، بيْن إفراط وتفريط، بيْن مَن يهمل حظ نفسه مِن العبادة والخلوة، وينشغل بالأدوار التنظيمية والإدارية، وبين آخر ينشغل بالعبادة تاركًا أي دور دعوي يكلف به؛ فلابد مِن تحقيق التوازن بيْن الأمرين.

      سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن إخوة ودعاة وطلاب علم، جاؤوا مِن كل أنحاء المملكة تاركين مساجدهم لاعتكاف العشر الأواخر مِن رمضان في الحرم؛ لإدراك ثواب (ليلة القدر) في المسجد الحرام، والصلاة بمائة ألف صلاة؟ فنصح الشيخ -رحمه الله- عموم الدعاة وطلاب العلم أن العلم أن يفك اعتكافه، ويذهب إلى بلده وقريته لإحياء السُّنة، وتعليم الناس الشعائر والفقه، وإذكاء روح الإيمان في نفوس المسلمين.

فهناك خير قاصر على العبد، وهناك خير متعدٍ بالدعوة والعمل الاجتماعي، وربما ثوابه أعظم عند الله.

تخيل معي: لو أن المعتكفين جميعهم جلسوا لقراءة القرآن، والدعاء، والصلاة؛ مَن سيحضر لهم طعام الإفطار والسحور، ويرتب الاعتكاف؟!

     فلابد أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، فإذا كان بعض إخوانك ينشغلون بترتيب الأمور وتنظيمها وإعدادها لراحتك، وتوفير جو العبادة المناسب لك؛ فلابد أن تتعاون معهم حتى تساعدهم على توفير بعض الوقت لطاعتهم الذاتية، قال الله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(المائدة:2).

     وفي يوم مِن الأيام كان بعض الصحابة صائمين، وبعضهم كان مفطرًا؛ فسقط الصائمون مِن الحر والتعب، فقام المفطرون بإعداد الطعام والخيام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ» (متفق عليه)، والسهم الواحد يدخل به ثلاثة الجنة؛ فلا بد أن يتحمل الكل جزءًا مِن المسؤولية.

وتخيل معي: لو أن كل العلماء، وطلبة العلم، والدعاة والمربيين أغلقوا هواتفهم، وخلوا بأنفسهم؛ مَن سيفتي الناس؟ ومَن سيربيهم ويعلمهم أمر دينهم؟!

     وقبْل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم انشغل بالدعوة إلى الله، وإرشاد العباد إلى الله، ومخالطة الناس والصبر على أذاهم، وآثر ذلك على خلوات تعبده لربه، مع أنها محببة إلى نفسه؛ لعلمه بأن تعليم الناس الخير ودعوتهم، وتعبيد الناس لربهم أحب إلى الله وأكثر ثوابًا، وخيره متعدٍ.

     وفي الحقيقة: لا تعارض، ويمكن الجمع لو حدث تعاون، وتحمَّل الجميع المسؤولية، وتم توزيع الأدوار بطريقة صحيحة، فمسؤول الاعتكاف يقوم بتقسيم المعتكفين إلى مجموعاتٍ، ويقوم كل أخ مسؤول بتعهد مجموعته الخاصة مِن قراءة القرآن، وقراءة الأذكار، وقيام الليل، ومتابعتهم في النوافل، ويفعل هذه العبادات والطاعات معهم.

     كذلك يقوم معهم بتحضير الطعام والسحور لباقي الإخوة المعتكفين في اليوم المحدد لهم؛ فلو التزمت كل مجموعة بالعمل المطلوب منها؛ سيتم الجمع -بإذن الله- بيْن التعبد والعمل الإداري؛ علاوة على أن أبواب الجنة ثمانية، ليستْ بابًا واحدًا، منهم: باب الصدقة وإطعام الفقراء، والأيتام والأرامل، والتكافل والمواساة، والجود، والعمل الاجتماعي، وكذلك حسن الخلق، والعلم والدعوة، والقرآن، والصيام، والصلاة، والجهاد؛ فأوجه البر كثيرة، والمهم القبول مِن الله.

      «جَاءَ سَائِلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ لابْنِهِ: «أَعْطِهِ دِينَارًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكَ يَا أَبَتَاهُ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنِّي سَجْدَةً وَاحِدَةً، أَوْ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنَ الْمَوْتِ، أَتَدْرِي مِمَّنْ يَتَقَبَّلُ اللَّهُ، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(المائدة:27)» (التمهيد لابن عبد البر).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك