رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 17 يناير، 2016 0 تعليق

لا تختـلفــوا

     الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح، وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم قال تعالى: {فاختلف الأحزاب من بينهم } (مريم)، وقال تعالى:{يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}(البقرة)، وقال تعالى:{وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات}(البقرة)، وقال -تعالى-: {وما اختلفتم فيه من شيء}(الجاثية).

     أما الخلاف فهو مصدر من خالف إذا عارضه، قال -تعالى:{وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} (هود)، وقال -تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره}(النور)، وجاء بصيغة المصدر قال تعالى{لا يلبثون خلافك إلا قليلاً} (الإسراء)، وقال -تعالى-:{وأرجلهم من خلاف} (المائدة).

والانحراف يبدأ عندما يترك المسلم الوحيين الكتاب والسنة، فيعيش في الضلال والباطل، ويلهث وراء فكرة تناقض الحق والاستقامة ليعيش في فوضى معرفة الحق ومقاييسه.

     وهذا يعني أن هناك مسائل يسوغ فيها الخلاف، وقد تكون محلا للاجتهاد وقد سكت الشارع الحكيم عنها رحمة بالناس، ولا بد أن تكون مساحة الرفق كبيرة بين المسلمين، فضلا عن إحسان الظن، والتراجع عن الموقف إذا تبين له خلاف رأيه، وعدم الدخول في النوايا؛ لأن الخلاف من أجل الخلاف يؤدي إلى تشتيت الجهد وتبديد الوقت، والإضرار بالصحة، ويدخل الناس في مسائل جديدة وتصنيفات وصكوك لإخراج من يريد عن دائرة السنة وكأنها حكر على هذا أو ذاك.

     إن رسولنا صلى الله عليه وسلم حرص الحرص كله على تآلف القلوب والحب في الله والنصيحة، ففي الأثر: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : «الخلاف شر»، وخرج صلى الله عليه وسلم ذات مرة على رجلين اختلفا فقال: «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب».

     إن هدف الاختلاف بين الصحابة -رضي الله عنهم- الوصول إلى الحلول، ومرجعيتهم في ذلك الكتاب والسنة، والتسليم التام والخضوع لحكم الله -عز وجل- مع شيوع الاحترام والوقار والبعد عن التعصب والالتزام بالتقوى  وتجنب الهوى، وانتقاء أطايب الكلام والابتعاد عن الألفاظ الجارحة، وقبول الحق وتقديمه ولو كان من صغار السن، والنظر إلى مقاصد الشريعة وكلياتها وغاياتها ومواجهة التحديات.

يقول ابن تيمية -رحمه الله-: «من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أوما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع» الفتاوى 172/ج ع.

ويقول الذهبي -رحمه الله-: «ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور» سير أعلام النبلاء 322/19.

ويقول محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-: «إن كانت المسألة إجماعا فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار فيمن يسلك الاجتهاد» الدرر السنية 43/1.

قال الشاطبي -رحمه الله-: «الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان: أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعا، وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه.

والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه؛ لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي، فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره؛ لأنه ضد الحق الذي أنزله» (الموافقات 4/167).

وقد يكون الخلاف واقعاً في رتبة الاجتماع، أو فهم النصوص، أو فهم العلة، أو الجهل بالدليل لعدم بلوغه، أو عدم الوثوق  بصحة الدليل الذي عند الآخرين، أو الاختلاف في دلالات الألفاظ والنصوص.

قال يونس الصدفي -رحمه الله-: «ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا، ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟!».

نسأل الله أن يصلح ذات بيننا، ويجمع كلمتنا على الحق والدين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك