رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 9 يونيو، 2015 0 تعليق

لا تحاســدوا

دعا الإسلام أهله إلى المحبة والألفة والتعاون البناء والتعامل بالرحمة، ونهى عن الكراهية وعن كل ما يوغر الصدور ويؤزم الأمور، وحرم الغل والضغينة على المؤمنين؛ لأن ذلك يصدع بنيانهم، ويهتك سترهم، ويضعف شوكتهم ويدك حصونهم، وينخر جسدهم.

     فالحسد هو الداء الذي أخرج إبليس من الجنة، وحسد ابن آدم أخاه فقتله، وهو الداء الذي حاد باليهود عن الحق والعدل وجعلهم يتآمرون على الأمة الإسلامية، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة: 109)؛ ولذلك حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم منه بقوله: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» أخرجه الترمذي، وأحمد من طريق الزبير بن العوام.

ما أقبح الحسد، وما أسوأ نتائجه؛ نفوس تتحطم، وبيوت تتهدم، وأسر تتشرد، وصلات تتقطع، وأعراض تتهم، وصور مضيئة تشوه، ومجتمعات تتردى.

وأكثر أهل القبور ممّن حَسَدَ أو تأثر بالحسد؛ ولذلك جاء النهي في الحديث الصحيح: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا».

     فالحاسد يتمنى زوال النعمة التي وهبها الله للناس {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}(النساء: 54)، وقال سبحانه: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَات}(الزخرف: 32).

     ولاشك أن الحسد لا يؤثر إلا بقضاء الله وقدره؛ ففي الحديث: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين بقوله: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة». ورقى جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين حاسد، الله يشفيك باسم الله أرقيك».

والحسد من كبائر الذنوب؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : «علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة» أخرجه ابن ماجه. أي يقول اللهم بارك فيه، وبارك له فيما رزقته، وإذا رأى شيئا من الدواب والبيوت والخير فليقل: «ما شاء الله لا قوه إلا بالله».

وإذا طلب أخوك ماء الوضوء فأعطه ولا تتردد، حتى يغتسل منه؛ ليبرأ بإذن الله -عز وجل-.

وحذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عوارتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته» أخرجه أحمد.

فلا يكون همك تتبع العثرات، وتصيد الزلات، والنفخ في الهنات والهيئات، والتشهير بها عبر المجالس والاجتماعات.

ومن المعلوم أن غالبية الحسد يأتي من أقرب الناس؛ فيحسد الإنسان جاره أو قريبه أو صديقه، أو رحمه -والعياذ بالله-؛ فالأصل في الإنسان أن يقتنع بما رزقه الله، ويرضى ولا يغضب ولا يكره ولا ينتقم، بل يوطن نفسه إذا رأى شيئا يعجبه أن يبارك لأخيه ما رزقه الله.

     وهناك الغبطة التي أباحها الله -عز وجل- ففي الحديث: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل» أخرجه البخاري.

والحاسد دائما يعيش في قلق وهم ومرض، وقلبه مليء بالأخلاق السيئة والنوايا الخبيثة، حتى إنه يمنع الخير مثل بناء المساجد أو أي عمل صالح.

فأقول لنطهر قلوبنا من الرجز والأفئدة من المرض، وكفانا تمزيقا وجروحا، ولابد أن نسعى للصلاح والإصلاح، وننزع البغضاء ونزيل العداء، ونرضى بالمحبة والإخاء والتسامح والتراحم والتناصر والتلاحم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك