لا تتــوقـف
من يرد أن يزرع فعليه أن يتخير أرضاً طيبة، فيقلبها ثم يسقيها ويرويها، وكلما وجد حجراً بين طينتها تلقفه ورماه، ثم يُلقي فيها البذور ويتعاهدها يوماً بعد يوم، وشهوراً بعد شهور، وكلما رأى عشباً غريباً بين زرعه نزعه برفق وهدوء، وطوال العام وهو يتحرك يمنة ويسرة، يقوّي زرعه ويسقيه ويتعاهده خوفاً من الآفات.
وهكذا المؤمن عندما ينشغل بالصالحات من الأعمال، فيختار منها ما يناسبه من علم وعمل وصدقة وجهاد، يضع كل شيء فى موضعه، ويتعاهد أعماله وكأنه خادما لها، إذا وجد نزوعاً لآفة ما التقطها بعين باصرة، وخلَّص نفسه من شوائبها وأمراضها، وطوال حياته وهو يمارس هذا الدور، لا ينخلع عنه أبدا، وبعد فترة من الزمن، تسكن له نفسه، وتسمو روحه، ويتخلص من غالب ما يؤذيه، ويقضي عليه؛ فيتبقي معه الخير الكثير.
- فيا أخي الكريم: لا تنشغل عن زرعك، ولا تضيع هذا الخير الكثير الذي بين جنبيك، لقد طال بك زمن جاهدت فيه نفسك، وبكت فيه عينك على طاعة أقمتها بعد أن كانت عصية عليك، وتخلصت من ذنوب كانت عبئاً ثقيلاً عليك، حتي إنك كنت تهيم على وجهك سائلاً ربك أن ينزع من قلبك الرغبة في ذنبك! فآواك ربك وأيدك وتاب عليك، رحمة بك، فإياك أن تنسي هذه الأيام وتلك الليالي.
اعلم أن قلبك حزين، وتشعر بوخز الضمير ومعه طعنة السكين، لكن ما زلت حياً ومكلفاً، تحتاج إلى أرضك وإلى زرعك وإلى ماء السُقيا؛ فإن الأرض إذا جفت تشققت، وأصبحت مرتعاً للفئران وأحياناً للثعالب والحيات.
لا تفقد أرضك، واحمل فأسك، وأحسن في صلاتك، واقرأ ورْدَك، وقم لفجرك واستعد لقبرك، وارفع رايتك ولا تركن لظالم وتعمْلَق، وكن عابداً أو قم مجاهداً أو كن عالماً، لكن لا تتوقف.
أخي الكريم: إياك أن تعلل توقفك بفعل غيرك، وتأبى شرب الماء من النبع؛ لأن الهر ولغ فيه!، هناك أعمال كثيرة ومتعددة خاصة بك، واجبات وسُنن، فيها رحمة ومنن، فلا تخسر نفسك، ولا تتخلّي عن اسمك ورسمك؛ فإنك يوم القيامة ستُسأل وحدك!.
لاتوجد تعليقات