رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد المحسن بن حمد العباد البدر 28 مارس، 2011 0 تعليق

كيف يكون مستقبل الدول الإسلامية خيراً من ماضيها؟

 

الحمد لله خالق كل شيء وبيده ملكوت كل شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

       أما بعد، فكلٌ يعلم ما حصل في بعض البلاد الإسلامية من أحداث وتغيرات سبقها مظاهرات ذهب فيها دول وحلَّ محلَّها دول، وبمناسبة هذه الأحداث والتغيرات أكتب هذه الكلمات لكل من له ولاية في بلاد المسلمين ممن هم باقون في ولايتهم ومن وصل إلى الولاية بعد تلك الأحداث:

1ـ لا أعلم في الشرع ما يدل على جواز الاعتصامات والمظاهرات التي استوردها كثير من المسلمين من بلاد الغرب وقلدوهم فيها، ويترتب على هذه المظاهرات مفاسد أقلها التضييق على الناس في طرقاتهم، يصاحبها أحياناً مظاهرات مضادة ينتج عنها وجود قتلى وجرحى، وقد ينتج عن ذلك سلب ونهب وإخافة للآمنين، ولا يعني حصولها من بعض المتظاهرين تأييد الشعوب لها، ولاسيما إذا كان المتظاهرون لهم توجهات معينة ومآرب خاصة، قال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي[ مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم» مجلة البحوث الإسلامية (38/210)، وقد وصف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله المظاهرات بأنها من عادات الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب وتتنافى مع قوله[: «خير الهدي هدي محمد[» السلسلة الضعيفة (6531).

2ـ الأمر لله من قبل ومن بعد؛ وقد قال الله عز وجل: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}.

3ـ إن ما حصل لبعض البلاد الإسلامية من تبدل ولاتها لا يعدو الأمر فيها أن يكون مجيء وجوه بدل وجوه إلا إذا حصل عون من الله وتوفيق لمن تكون بيده ولاية الأمر بالالتزام بدين الله وتطبيق شرعه في جميع شؤون الحياة، قال الله عز وجل عن أهل الكتاب: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}، وقال: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون}، وما وعد الله به أهل الكتاب لو أقاموا التوراة والإنجيل هو للمسلمين إذا قاموا بتطبيق كتاب الله وسنة رسوله[، والمسلمون ليسوا على شيء حتى يقيموا ما أنزل إليهم من ربهم في كتابه وسنة رسوله[؛ قال سفيان بن عيينة رحمه الله: «ما في القرآن آية أشد عليَّ من {لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}» فتح الباري (8/269)، وقال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.

4ـ إنما يكون مستقبل الدول الإسلامية جميعها خيراً من ماضيها بالالتزام بدين الله وتطبيق شريعته في جميع شؤون الحياة والتخلص من القوانين الوضعية المستوردة من الدول الغربية وغيرها، وكيف يليق أن تُحكم البلاد الإسلامية بغير شريعة الله الكاملة المنزلة من العليم الحكيم سبحانه وتعالى التي الفرق بينها وبين القوانين الوضعية كالفرق بين الخالق والمخلوق؟! فالمتعين على كل وال يلي أمر المسلمين الحكمُ فيهم بشرع الله والابتعادُ عن القوانين الوضعية، وقد قال الله عز وجل: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، وقال: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا}، وقال: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}، وقال: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}، وقال: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}، وقال: {قل إن الهدى هدى الله}، وقال: {فماذا بعد الحق إلا الضلال}، وقال: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}،، وقال: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، وقال: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}، وقال: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}، وقال: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}، وقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، وقال: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، وقال: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}، وبعد تذكير الولاة بهذه الآيات أذكرهم بقول الله عز وجل: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}، وقوله: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم}، وقوله: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}، وقوله: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}، وقوله: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.

5ـ وبتطبيق ولاة المسلمين شريعة الله عز وجل ونصرة دينه يحصل لهم النصر وتثبيت الأقدام والتمكين في الأرض والاستخلاف فيها كما قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، وقال: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}، وقال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}، وقال[: «احفظ الله يحفظك» أخرجه الترمذي (2516) وقال: حديث حسن صحيح، وبإعراض ولاة المسلمين عن تطبيق شرع الله وركونهم إلى أعدائهم يظفرون بالخذلان والذلة والهوان كما قال الله عز وجل: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}، وقال: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}، وقال[: «وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري» رواه أحمد (5114) وغيره وسنده حسن، وقال قتادة رحمه الله: «من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه» تفسير ابن جرير (21/407).

      وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين في كل مكان حاكمين ومحكومين للفقه في الدين والثبات على الحق والخروج من الظلمات إلى النور، إنه سميع مجيب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك