رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 7 أكتوبر، 2019 0 تعليق

كيف يكون التطرف بوابة للتغريب

 

الإسلام دين الرحمة واليسر والوسطية، ومحاولات تغريبه ثقافياً لا تتوقف، ودعاة التغريب من خارج بلداننا الإسلامية أو داخلها يتحينون الفرص، ويصنعون الأدوات لأجل إتمام عملية التغريب، وهذا أيضاً نوع من التداعي الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل». ومن هذه الأدوات، ظهور تيارات العنف والتطرف؛ حيث يستخدم هذا العنف بوابة للتغريب، بل وللاستعمار أحياناً.

أولاً: العلاقة بين العنف والتطرف

     العنف في اللغة ضد الرفق، يقال: هو في عنفوان شبابه أي في شدته، فكلمة العنف تتضمن الشدة، سواء كانت تلك الشدة في قول أم فعل، وكما جاء في الحديث الشريف: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» رواه مسلم، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - العنف نقيض الرفق، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم. ومن الواضح الآن أن العنف يتعلق بالأفعال، وأما (التطرف) فيتعلق بالفكر والمعتقدات وهو بمثابة المنبع والمغذي لعملية العنف، فقد يكون الفرد متطرفاً فكرياً دون ممارسة أفكاره، فإن مارسها كان ذلك هو العنف والإرهاب.

الفوارق بين التطرف والعنف

- أولاً: التطرف يتعلق بالمعتقدات، ويرتبط بالفكر مالم تتم بلورته في ممارسات وأفعال، والقانون يعاقب على الأفعال لا على الفكر، بينما يتعلق الإرهاب بالممارسات والأفعال ويعاقب عليه القانون.

- ثانياً: يُعالَج التطرف بالحوار والفكر وبيان الحجة، بينما الممارسات الإرهابية تعالج بالقانون؛ من حيث التجريم والعقاب المناسب، بخلاف التطرف الذي لا يزول إلا بتفنيد الشبهات وبيان الحق، لكن تبقى تلك الفوارق نظرية؛ فالتطرف والعنف قرينان وصديقان، ومتلازمان؛ ذلك أن التطرف يقود دائماً إلى العنف ولو كان بمجرد الكلام.

كيف تخدم جماعات التطرف ملف التغريب؟

     يرى الباحثون الغربيون أن سبب تطرف الجماعات المنتسبة إلى الإسلام هو الدين، ومن ثمّ تتم الدراسات الغربية بناء على ذلك، فيبدأ الاستشراق بجمع النصوص التي تبترها جماعات العنف ليستخدمها وسيلة للاختراق الثقافي للعالم الإسلامي، وقد نُقل في بعض الدراسات الغربية ما يلي: «الدين يسهم في تسهيل مبدأ استخدام العنف، ولاسيما عندما تنظر العامة إلى التهديدات الخارجية بمنظار ديني». ومن خلال تلك الممارسات التي تنتهجها تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام أصبح اتهام الإسلام بالعنف صريحاً وواضحاً؛ لأن تلك التيارات تنسب أفعالها إلى الإسلام.

افتراءات بسبب جماعات العنف

     تنتشر الدعوى التغريبية عبر وسائل التواصل المتنوعة مع الجماهير، التي تقول إن الإسلام دين ذو طبيعة إرهابية، يتخرج فيه -بسبب اعتناق مبادئه- المتطرفون، وأن الإرهابيين ما هم إلا تطبيق عملي للنظريات الإسلامية. وفي ذلك يقول أحدهم: «الكثيرون يعتقدون -وبالتحديد الإسلاميون التنويريون- أننا نتجنى على الإسلام عندما نقول: إنه دين إرهابي، بدأ إرهابيا واستمر إرهابيا وسينتهي إرهابيا». ويروج التغريبيون إلى أن الحركات الإرهابية ترجمة صحيحة للنصوص الدينية، وفي ذلك يقول سامي لبيب -أحد العلمانيين-: «لابد أن نذكر الحقيقة المؤلمة، أن داعش تفهم الإسلام والقرآن أكثر من كل المسلمين، داعش أكثر التيارات الإسلامية وعياً وفهما لجوهر الإسلام والقرآن وأكثرها جرأة في التعبير عن إيمانها؛ فهكذا هو الإسلام بلا زيف ولا مناورة ولا مراوغة». ويقول آخر: «معظم المعلقين يحاجون بأن الإرهاب الإسلامي انحراف عن تعاليم الإسلام الصحيحة، إلا أن مثل هذا التحليل يبتعد عن الحقيقة؛ فطبيعة التهديد الإرهابي إسلامية، بطريقة واضحة، ولا تشكل انحرافاً كبيراً عن التقاليد الإسلامية». فبهذا يتضح أن الممارسات التي تنتهجها التيارات المتطرفة قد صنعت حملة عنيفة على الإسلام، فتجرأ غير المسلمين على النداء بصناعة ما يسمى بالإسلام المعتدل.

هل صنع الغربيون التيارات المتطرفة؟

     إن من المسلَّمات في التعامل مع الاستراتيجيات الغربية تجاه العالم الإسلامي أن (قاعدة فرق تسد) وسلتهم للسيطرة الفكرية والاقتصادية على مقدرات عالمنا الإسلامي، وتأتي تلك القاعدة في مقابل نصوص دينية تدعو إلى الوحدة والأخوة، كقول الله -تعالى-: {إنما المؤمنون إخوة} الحجرات: 10، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه مسلم. وهذه القاعدة (فرق تسد) تُذكر بترجمتها الحرفية في تقارير غربية مثل: كشف مستقبل الحرب الطويلة الصادر عن مؤسسة راند، الذي صُدِّرت مقدمته بالإشارة إلى أنه تم إعداده لوضع السيناريوهات المحتملة لأجل القضاء على كل عملية من مقصودها جمع الأمة في عالم متوحد أمام الهيمنة الغربية؛ فيقول التقرير في ملخصه شارحاً مفهوم (الحرب طويلة): التي فسرها بعضهم على أنها نضال ملحمي ضد الخصوم العازمين على تكوين عالم إسلامي موحد يحل محل الهيمنة الغربية. وبمجموع تلك النصوص الغربية نجد أن هناك استراتيجية توصي بخلق تيارات العنف في المجتمع المسلم من أجل صناعة حالة من الفرقة والنزاع، وهذا ما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم- حين قال: «انظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» متفق عليه. وقد أوصت بعض الدراسات الغربية دعم التيارات المسلحة وعدم عزلها عن المجتمع، ومن ذلك: دراسة كشف مستقبل الحرب الطويلة التي أشرنا إليها آنفاً؛ حيث تؤكد على تقسيم التيارات المتطرفة بين الأطراف المسلمة لأجل الاستفادة من هذا الصراع. والنصوص في هذا الباب لا تحصى، وهي تؤكد على أن الغربيين إما يصنعون التيار المتطرف أو يدعمونه.

كيف يستفيدون من الصراع؟

يستفيد الغربيون من حالة الصراع في العالم الإسلامي من أوجه متعددة، ومنها:

1- أن النزاع يؤدي في النهاية إلى الضعف والفشل، قال -تعالى-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} الأنفال: 46.

2- الانشغال بالتناحر بين التيارات عن الأمور المهمة؛ فإذا لم تصل نتيجة الخلافات إلى الحروب فإنها ستصل حتماً إلى تزايد التيارات المتناحرة بوصفها ظاهرة غير صحية؛ لأن التيارات التي يزرعها الفكر الوافد بين المسلمين تختلف اختلاف تضاد لا اختلاف تنوع، ومن ثم ينشغل العالم الإسلامي بحل المشكلات وفض النزاعات عن الرسالة الكبرى التي خلق من أجلها وعما يقل عنها أهمية أيضاً.

كيف نقضي على التطرف؟

لقد تسبب العنف في وجود حالة من النزاع والخلاف لا تخفى على ذي عينين، وحتى تتم عملية القضاء على هذا التطرف لا بد من:

- أولاً: بيان التدليس الذي تركن إليه التيارات المتطرفة في بترها للنصوص الدينية وفهمها على غير مقصودها، وهذا يتطلب مجموعة من العلماء ممن برعوا في الرد على تلك الشبهات .

- ثانياً: إشاعة الحوار بين طوائف المجتمع بتياراته حتى يسود الوئام وتنكشف الحقائق، وتدحض الأباطيل، فإن لم يشع الحوار بين طوائف المجتمع ولاسيما بين المختلفين تزكو أسباب الخلاف وتعْظُم الفتنة.

- ثالثاً: تفعيل مواثيق الشرف الدعوية التي تجمع القيادات الإسلامية، وتؤكد على القواسم المشتركة؛ وهي كثيرة؛ مما يؤسس للتعايش على مشتركات تجمع ولا تفرق.

- رابعاً: متابعة الأمور الداعية إلى الكراهية ورصدها من بعض المنتمين للتيار ودحضها بالحوار، والعمل على محو آثارها السلبية أولاً فأول.

الاختلاف قائم لا محالة

وفي النهاية نؤكد على أن الاختلاف قائم لا محالة، والعمل على محو آثاره وتقليل حدته وتحويله إلى منبع إثراء للأمة مهم جداً قبل أن يتحول إلى نزاع من نوع آخر.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك