كيف يحقق المسلم الشهادتين قولاً وعملاً واعتقادًا؟
الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
مفتى عام المملكة العربية السعودية
سُئل فضيلة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، كيف يكون المسلم محققا لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قولا وعملاً واعتقادًا، لتكون له السلامة والنجاة بإذن الله-تعالى-؟ فأجاب فضيلته قائلاً:
سؤال ذو شأن عظيم
لقد أجاد السائل في سؤاله، ولقد أتى بسؤال ذي شأن عظيم وخير كثير، فهو سؤال من أهم الأسئلة، والجواب عنه من أهم الأجوبة؛ لأن هذا يتعلق بأصل الدين وأساس الملة، وكل ما تعلق بأصل الدين وأساس الملة كان سؤالا مهما، وكان الجواب عنه أيضا مهما.
هي كلمة التقوى
- نقول: شهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي أفضل الكلام، وأعلى شعب الإيمان، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق» لا إله إلا الله كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، هي أحسن الحسنات وأعظمها، كلمة لا إله إلا الله، يدخل بها الكافر والوثني في دائرة الإسلام.
اجتمعت عليها الرسل
هذه الكلمة، هي الكلمة التي اجتمعت الرسل كلهم على الدعوة إليها، وما من رسول أرسله الله إلا ويفتح دعوته بلا إله إلا الله؛ لأنه يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وهذه هي معنى لا إله إلا الله، قال -جل وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}، إذًا فالرسل كلهم أوحي إليهم بلا إله إلا الله، وقال -جل وعلا- لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، فأعلمه بلا إله إلا الله، مع أنه الداعي إليها، والمنادي لها، والمناضل عنها، لكن لأهمية هذه الكلمة ولعظيم شأنها ولكبير قدرها أعلم الله نبيه بها، وبين -جل وعلا- أيضا أن المشركين (عباد الأوثان) يرفضون قول لا إله إلا الله؛ لأن هؤلاء الوثنيين الذين بعث فيهم محمد- صلى الله عليه وسلم - عرب أهل فصاحة وبيان، يعلمون معاني الكلام وما يفيده. قال الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}، إذًا فكفار قريش علموا معنى لا إله إلا الله، وأن حقيقتها براءتهم من كل معبود سوى الله، وإخلاص عبادتهم لله، قال -جل وعلا- عنهم لما قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}، والعجاب عندهم أنهم فهموا من دعوة النبي توحيد الله بالعبادة، وألا يكون مع الله شريك في أي نوع من أنواع العبادة.
تحقيق لا إله إلا الله
فلا يكون العبد محققا لشهادة أن لا إله إلا الله علما وعملا واعتقادًا، إلا إذا صدَّق ذلك فعلم أن لا إله إلا الله، وعمل بمقتضى هذا العلم، واعتقد هذا العلم، وأتى بما يدل على ثبوت ذلك العلم في قلبه بأن يكون موحدا لله: ذبحه لله، ونذره لله، ولا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يخاف الخوف الحقيقي إلا من الله، ولا يعظم الرجاء إلا في الله، ففي قلبه تعلق بالله حبا وخوفا ورجاء، فتراه معلقا أمله بالله، يعلم أن النفع والضر والحياة والموت والأرزاق كلها بيد الله -جل وعلا-، ويعلم أن الله محيط به وبأحواله كلها، ويعلم أن الله خالقه ورازقه ومن أوجده بعد العدم، ورباه بالنعم، ويعلم فضل الله عليه في حواسه كلها، ويعلم عظيم نعم الله عليه، فتحقيق معنى لا إله إلا الله، بأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن كل من عبد من دون الله فبالباطل عبد، لا الأنبياء ولا الملائكة ولا الصالحون والأولياء، كل أولئك لا حق لهم في العبادة، العبادة بأنواعها حق الله -تعالى- وحده.
دعاء الله -تعالى
فالدعاء إذا أردت أن تدعو، ادع سميعا قريبا مجيبا بصيرا عالما قادرا على تنفيذ ما أراد، لا تدع وثنا، ولا شجرا وحجرا، فالإنسان لا يدعو جنا وغائبين، لا يدعو أمواتا، فارقت الأرواح الأجساد، لا يدعو من لا يسمع الدعاء ولا ينفع لو سمع، بل أدعو من يسمع كلامي ويرى مكاني، ويعلم سري وعلانيتي، أدعو من هو قادر على أن يجيب دعائي، ويحقق رجائي قال الله -تعالى-: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، وقال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.
إخلاص الدين لله
وأُخلص الدين لله؛ فلا أجعل المخلوق شريكا في عبادته؛ لأني أعلم أن المخلوق لا يفيدني شيئا، وإنما ينفعني إخلاص ديني لفاطري وخالقي، هذه الكلمة متى استقرت في القلوب، واستنارت بها الأفئدة، هذه الكلمة من لقي الله بها وكانت آخر ما يقول فإنه يدخل بفضل الله الجنة فضلا من الله ورحمة، «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»، القائل لا إله إلا الله ولو ارتكب شيئا من المعاصي والمخالفات، لكن مآل الموحدين والمخلصين دخول الجنة فضلا من الله، ووعدا صادقا وعده عباده المؤمنين، «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل» فأكثروا منها وكرروها، وتلذذوا بلفظها، وذللوا ألسنتكم بها، أسأل الله أن يثبتني وإياكم عليها.
تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله
وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، بعد الإيمان به حقا أنه عبد الله ورسوله وخاتم أنبيائه ورسله، عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، يطاع فيما أمر، ويجتنب ما نهى عنه وزجر، ويصدقه في كل أخباره التي أخبر بها عن رب العالمين قال -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فشهادة أن محمدا رسول الله تتضمن مع الإيمان به واتباع سنته والعمل بشريعته اعتقاد أن طاعته طاعة لله ومعصيته معصية لله، قال -تعالى-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه}، نحكمه في القليل والكثير، ونرضى بحكمه، وتطمئن به نفوسنا، وتنشرح به صدورنا قال الله -عز وجل-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، نقتدي به ونجعله إماما وقدوتنا وأسوتنا - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
ليس لنا إلا طاعته - صلى الله عليه وسلم
إذا أمرنا - صلى الله عليه وسلم - بأمر فلا خيار لنا في ذلك، نسمع ونطيع، وإذا نهانا عن شيء فلا خيار لنا، ننتهي ونسمع ونطيع قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، نسمع لأوامره ونطيع، قال -جل وعلا-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، نقدم سنته على قول كل قائل كائنا من كان، ولا نعارض سنته بآراء الرجال وأهوائهم، بل نخضع الأقوال والأعمال للناس بعرضها على سنته، فما وافق سنته فهو المقبول، وما خالف سنته فهو المرفوض، ونكثر من الصلاة والسلام عليه دائما وأبدا، ونعتقد أن الله منحنا على يديه الفضل الكثير والخير العظيم، ونسأل الله له الوسيلة، وهي أعلى منازل الجنة، ونسأل الله أن يبلغه تلك الوسيلة التي وعده الله إياها، فنحن دائما على علاقة بسنته، نتذكرها في صلاتنا وصومنا وحجنا وزكاتنا، وفي بيعنا وشرائنا، وفي أكلنا وشربنا ومنامنا ويقظتنا وكل أحوالنا، فسنته المسيطرة علينا والحاكمة علينا، ونحن بها راضون وإليها مطمئنون ومصدقون وموقنون، نسأله -جل وعلا- أن يجعلنا ممن يرد حوضه، ويشرب من ذلك الحوض الكريم، ونسأله أن يجعلنا ممن يلتقي به في دار كرامة الله وعفوه ورضوانه، فصلوات الله وسلامه عليه أبدا دائما إلى يوم الدين.
من يرفض سنته - صلى الله عليه وسلم
ولا يكون محققا لشهادة أن محمدا رسول الله من يرفض سنته - صلى الله عليه وسلم - ويعارضها ويطعن في أحكامها، ويقدم آراء الرجال عليها؛ فحري بالمسلم أن يقتدي بهذا النبي الكريم، ويحبه فوق محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
لاتوجد تعليقات