رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 6 فبراير، 2019 0 تعليق

كيف نوجه أبناءنا للتعامل مع الخدم والعمال؟

اقتضت حكمة الله -تعالى- ومشيئته أن يجعل بعض عباده أغنياء وبعضهم فقراء، وسخر كلاً من الطائفتين للأخرى، قال -تعالى-: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}(الزخرف:32)، والخدم نعمة من الله -تعالى- على المخدومين لتسهيل أمور دنياهم؛ فيتحملون عنهم أعباء الأعمال وهمومها؛ ليوفروا على مخدوميهم بعض الراحة والتخفيف من المتاعب والمشاق، والتفرغ للقيام بأعمالهم التي غالباً لا يحسنها الخدم ولا العمال طبقاً لسنة الله -تعالى- في تفاوت العباد وتكامل وظائفهم، ومن كمال الشريعة أنها نصّت على حقوق الخدم والعمال، بل وعلى آداب التعامل معهم حال قيامهم بعملهم، كإطعامهم واحترامهم وإكرامهم.

     وجود الخدم والعمال نعمة من الله -تعالى- تماماً كوجود سائر التخصصات بين البشر التي ينتفع بها بعضهم من بعض، ومن هنا يجب أن ينظر الأبناء إلى الخدم على أنهم نعمة من الله -تعالى-؛ نظراً لما يقومون به من إصلاح شؤوننا وقضاء حوائجنا التي لا تستقيم الحياة من دونها؛ وبذلك نتمكن من أداء أعمالنا ونتفرغ لها؛ وبهذا الفهم تتجلى حقيقة العلاقة بين الخادم والمخدوم، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فعن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر بِالرَّبَذَةِ وعليه حلة وعلى غلامه حلة؛ فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «يا أبا ذر أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم»، قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): الخَوَل ـ بفتح المعجمة والواو ـ هم الخدم، سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها، ومنه الخُولي لمن يقوم بإصلاح البستان، ويقال: الخول جمع خائل وهو الراعي، وقيل: التخويل التمليك، تقول: خولك الله كذا، أي ملكك إياه. وفي تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالأخوة. وقوله:  تحت أيديكم، مجاز عن القدرة أو الملك. اهـ.

هدْي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة الخدم

     لقد ضرب رسولنا صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في معاملة الخدم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أُفٍ قط، ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلّا فعلت كذا؟ - رواه مسلم كتاب الفضائل باب/31، رقم: 1516- . قال ابن حجر في الفتح: «وقوله: «والله ما قال لي أُفٍ قط» قال الراغب: أصل (الأف) كل مستقذر من وسخ، كقلامة الظفر وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكل مستخف به، ويقال أيضاً عندما تكره الشيء، وعند الضجر من الشيء» .

وفي ظل هذا الهدْي لكريم هناك الكثير من الآداب التي يبرزها المربي لأبنائه من خلال تعاملهم مع الخدم أو العمال، مع حرصه على ذكر الآيات والأحاديث التي تؤكد عليها ليعظّمها الأبناء ويمتثلون لها، مثل:

المساواة بين الناس

-  المساواة بين الناس في أصل الخلقة، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم؛ فهم جميعا أبناء آدم» (رواه المنذري).

  معيار التفاضل

التأكيد على أن المعيار الذي يتفاضل به الناس عند الله -تعالى- هو التقوى، قال -تعالى-: {إنّ أكرمَكُم عندَ اللهِ أتقَاكُم}(الحجرات: 13)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم»(رواه مسلم).

سير الفقراء وتراجمهم

إبراز سير بعض الفقراء والضعفاء الذين تركوا أثراً في تاريخ المسلمين؛ حيث رفعهم الله -تعالى- بسبب تقواهم لله وإخلاصهم واجتهادهم في الارتقاء بأنفسهم علماً وعملاً.

النصوص الشرعية

     إبراز النصوص الشرعية التي تعلي من قيمة هؤلاء، وتخوّف من ظلمهم وأكل حقوقهم او البغي عليهم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : «أبغوني ضعفاءكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم»(أخرجه الترمذي) وفي رواية (ابغوني) بهمزة الوصل، وقوله صلى الله عليه وسلم : «رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»(أخرجه مسلم).

توجيه الأبناء

توجيه نظر الأبناء إلى حكمة الله -تعالى- في تفاوت الأوضاع الاجتماعية للخَلق لتتكامل أدوارهم في الحياة، ولنطرح عليهم سؤالا: ماذا سيحدث لو تعطلت الخدمات التي يقوم بها هؤلاء في المجتمع؟

وهكذا نساعد الأبناء على تثبيت خلق إسلامي أصيل يتميز بالرحمة والتوازن في الوقت ذاته في تعاملهم مع الخدم أو العمال؛ فيؤدي ذلك إلى أن يقوم الخدم بأعمالهم بنفوس طيبة تؤدي ما عليها وتأخذ حقوقها كاملة، كما أمر الله -تعالى.

 

ما التصرف مع الخدم المسلمين وغير المسلمين؟

استشارة: في العقود الماضية ظهرت في مجتمعاتنا العربية ظاهرة استقدام الخدم من بلاد أخرى، وقد يكونون مسلمين أو غير مسلمين؛ فما التصرف السليم للمربي تجاه هذه الظاهرة؟

-الجواب: الأولوية للخادمة المسلمة ولا شك؛ فقد بدت من استخدام غير المسلمين شرور كثيرة، من أهمها التأثير السلبي على الأبناء، وتأثرهم بعقائدهم وعاداتهم، وإليكِ أهم التوجيهات في هذا الجانب:

     علاقة الأبناء بالخدم أو العمال غالباً ما تسير على منوال علاقة الأم والأب بهم؛ فالضبط والتوازن يبدأ من قيادة المنزل أي من الوالدين، وكلما كان المربي واعياً بدوره ومسؤوليته، كلما حقق هذا التوازن؛ فعلى الأم أن تعرف دورها ولا تتهاون في القيام بمسؤوليتها اعتماداً على وجود الخادمة في المنزل، أو تظن خطأ أن الخادمة تشاركها تربية الأبناء، بالطبع لا، ولكن دور الخادمة ينحصر في توفير الوقت والجهد لصالح الأم حتى تتمكن من رعاية أبنائها ومتابعة تفاصيل حياتهم اليومية، ولاسيما لو كانت موظفة، أو لديها عمل تتكسب منه.

الخادمة تعمل تحت رعاية وإشراف الأم وإدارتها وإشرافها، وصلب الإدارة هو المتابعة، ومراقبة الأداء، والتصحيح، والتوجيه، وهكذا

يجب أن تحرص الأم دائماً على أن تكون مصدر التعليم والتوجيه والتلقي لأبنائها، ولا تسمح أبداً بأن تتجاوز الخادمة إطار عملها وتتدخل في ذلك.

     التدخل الفوري للتصحيح والتوجيه إذا لزم الأمر ورأت الأم أي تصرف من شأنه أن يشوش على الأبناء أفكارهم، أو ينقل لهم سلوكاً رديئاً، أو خلقاً سيئاً، وفي الوقت نفسه يلزم الأم أن تتدخل بالحزم نفسه إذا رأت من أحد الأبناء تعاملاً غير لائق مع الخدم مثل الاستكبار، أو السخرية، أو توجيه السباب، وما شابه ذلك.

     الأمر الذي يضمن نجاح هذه المنظومة سواء – في المنزل – أم في اي مؤسسة، هو أداء حقوق العامل والإحسان إليه في المعاملة، كما أمرنا الله -تعالى- وكما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «ما ضرب رسول الله  صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط؛ فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله؛ فينتقم لله -عز وجل-» (رواه مسلم).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك