رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 25 أغسطس، 2020 0 تعليق

كيف نعيد الحق إلى نصابه الطبيعي؟

 

الحق ينتزع، وحتى ينتزع لابد من مزاحمة، والمزاحمة تحتاج إلى انضباط في النية، وانحياز للدليل الشرعي، ومراعاة المصالح، وضبط الحذر وبث روح الأمل، وهذا كله لا يتأتى إلا بأمرين: علم بالشرع، وعلم بالواقع، كما قال ابن القيم – رحمه الله-: «الدين يقام على ساقين، ساق الشريعة وساق فقه الواقع».

     وعدم تحقيق العلم الشرعي يؤدي إلى الذوبان وعدم التمايز في الطرح والأسلوب، ويؤدي إلى انحراف عن المسار؛ إذ كيف بطالب الحق لا يعرف الحق وأدلته؟ وكيف يصابر ويرابط عليه وهو جاهل به؟ ومعرفة المنهج وتفاصيله تساعد وتثبت في مواجهة التحديات والعقبات والمستجدات.

تجاهل الواقع

     وكذلك تجاهل الواقع وعدم التعرف عليه جيداً ربما أدى إلى تشويه صورة الحق، وتوهم أمور غير حقيقية، وفي هذه الحال تكون المزاحمة ضررها أكثر من نفعها، وتؤخر ولا تقدم، وتفسد ولا تصلح؛ فمن أقوى أسباب انتصار الحق وانتزاعه، قراءة الواقع قراءة جيدة ومستفيضة، وهو أمر الشريعة التي أمرت به، وتأمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم  حينما قال لعائشة -رضي الله عنها-: «لولا أن أهلك حديث عهد بشرك لهدمت الكعبة وجعلتها على قواعد إبراهيم».

فقه الواقع

     وفقه الواقع يشبه الحواس، من فقدها كان كمن فقد السمع والبصر، وهنا يتأكد دور العلماء وورثة الأنبياء قال -تعالى-: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، ولماذا الرجوع للعلماء؟؛ لأن العلماء عن بصيرة تكلموا، وعن فهم للواقع أفتوا ووجهوا ونصحوا.

أمور تعيد الحق إلى نصابه

ونخلص إلى أمور عدة تساعد على انتزاع الحق ورده إلى نصابه الطبيعي:

اليقظة والوعي

- أولها: اليقظة والوعي في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الأمة؛ فاحذر أن تقدم على شيء دون تفكير عميق، وفهم دقيق، واستشارة، واستخارة، وصدق من قال: «لا تقل من غير تفكير، ولا تعمل من غير تدبير»؛ فالخطأ سيكون تاريخيا والنجاح كذلك.

الحذر من الاستعجال

- ثانيها: الحذر من الاستعجال وحرق المراحل، والتفكير في المآلات وعواقب الأمور كثيراً أمر في غاية الضرورة، ورحم الله عمر بن عبد العزيز حينما قال: (أخشى أن أفرضه كله فيردوه كله)، وقانون التغيير البطيء والتدرج والتأني وهو أمر في غاية الأهمية ولكن الإفراط مفسد كما أن التفريط مضر جداً «وإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» وليس المعنى أن نترك الفرص بحجة عدم الاستعجال، والمقصود هو التنبيه على مضرة الاندفاع والتهور، وهناك فرق بين الهداية والغواية؛ فقد قال موسى لرجل بني إسرائيل: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، ولاشك أن موسى كان يريد نصرة الحق، ولكن قاتل الله التعجل والتهور.

الحكمة

- ثالثها: الحكمة وهي وضع الأمور في نصابها، وهذا يحتاج إلى قوة تركيز، ووجود على الأرض ولاسيما بين الناس ومعايشتهم، وتحليل مستمر للواقع، ورصد الظواهر والمستجدات؛ فأخطر الأمور السطحية في التفكير والانشغال بالمصالح المتوهمة، لكن صاحب الحكمة عقله راشد، وقلبه عامر ومتغلغل بين الناس، ويرى ما لا يراه الناس، وإذا أقبلت الفتنة عرفها وحذر منها، وأما غيره لا يعرفها إلا بعد ما يفتن ويندم؛ حيث لا ينفع الندم «إن الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل»، وصاحب الحكمة يعرف متى يتقدم، ومتى يقف وقوف المحارب المستعد غير المتراخي، ويعرف متى يتراجع خطوة للوراء ليقفز بعدها خطوات للأمام .

تجنب المعارك الجانبية

- رابعها: عدم الانجرار إلى معارك جانبية تبعدنا عن المقصود، وأول من يخسر فيها نحن، وتؤخر انتصار الحق، وتضيع أوقات وطاقات ومساحات كان الأولى بنا ألا نبذلها ونقدم عليها، والعاقل يقصد البحر ويخلي القنوات ، ومن أراد شجرة؛ فليفكر في الحديقة؛ فإن أتاها وجدها ممتلئة بالأشجار والثمار، وهناك عقدة إذا حلت، حل معها عقد كثيرة، وفي الحقيقة الباطل محترف في جر أصحاب الحق إلى معارك جانبية وشغلهم بها، قال -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا»، وقال -تعالى-: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

قبول النقد والتفكر

- خامسها: قبول النقد والتفكر فيه؛ فإن كان حقا قبلناه وعملنا به، وإن كان غير ذلك لا نعبأ به ولا نلتفت إليه، والأجمل من ذلك أن ننقد أنفسنا نقدا ذاتيا وموضوعيا، والنقد الذاتي البناء علامة من علامات الصحة والفلاح، والنقد إعلان عن بقاء من يمثل الصواب، والدعوات والمؤسسات لا تسقط عندما تخطئ، ولكن عندما يُسوغ الخطأ ويزين، ولا نريد أن نتعامل بنفسية أن كل من ينقد حاقد وحاسد ومريض ولا يحب الخير لنا؛ فهذا يعني الاعتداد بالرأي وأنني صواب دائماً؛ فهذا ينافي طبيعة الإنسان، ويجعل الكثير يمتنعون عن تقديم النصح مخافة أن يتهموا بالسوء والقصد السيئ وما شابه ذلك، وهذا مفسدته عظيمة وعاقبته وخيمة، ومقدمة انهيار، ومن كلام السلف: رحم الله رجلاً أهدى إلي عيوبي.

طلب العون من الله

- سادسها: وإن كان الأصل أن يكون مقدما، ولكن التأخير مقصود، والسبب أننا نحتاج إلى ذلك الأمر المهم في أول الطريق وفي أثناء السير وفي نهايته، وهو طلب العون من الله دائماً، والإنابة والافتقار إليه، والانطراح بين يديه، والتبرؤ من الحول والطول وتجريد الإخلاص، وتحقيق الإيمان والتوحيد، والاتباع ومراعاة نبل المقاصد، وشرف القضية والصبر عليها وطول النفس، وعدم الملل قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، وتأمل يهدون بأمرنا، وهذا لا يأتي إلا بعلم الشرع وفقه الواقع.

الأمر إلى خير -بإذن الله تعالى.

وأخيراً الأمر إلى خير -بإذن الله تعالى-، ونحن عندنا أمل، وأنوار الرجاء تبدد ظلمات اليأس. اللهم حبب إلينا الحق، واجعلنا له منقادين، واجعلنا من العاملين المهتدين، والحمد لله رب العالمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك