رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أماني زكريا الرمادي 8 أكتوبر، 2019 0 تعليق

كيف نربي أبناءنا في زمن الانفتاح الإعلامي؟! (1)

 

 إن مهمة تربية الأبناء في هذا الزمن – زمن العولمة والانفجار المعلوماتي أو الفيضان الإعلامي – قد أصبحت مهمة صعبة أو تكاد تكون مستحيلة، بل إنها أيضاً مُحبِطة ومخيبة لآمال كثير من الآباء والأمهات والمربين الجادين الذين يحبون الحق ويهتمون بمصلحة أبنائهم أو من يقومون بتربيتهم، ليس فقط في عالمنا العربي، وإنما على مستوى العالم كله، وفي هذه السلسلة محاولة لمساعدة هؤلاء المربين على تربية أبنائهم بطريقة تساعدهم على أن يقوموا بحماية أنفسهم من مخاطر وسائل الإعلام المختلفة، وفي الوقت نفسه الإفادة من مزاياها.

أهمية الموضوع

     إن اللعب -كما أشار العلماء ومنهم عالم النفس الروسي (كارل بيولر)- له أهمية كبيرة في النمو العقلي للطفل، ويؤكد العالم الروسي (ماكارينكو) على أن اللعب له تأثير بالغ في تكوين شخصية الطفل، كما أنه يساعد الطفل على تصريف طاقته الزائدة، ويحقق تكاملاً بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية، كذلك فإنه من الناحية الاجتماعية يساعد على تعلم النظام والإيمان بروح الجماعة واحترامها، وإذا استطاع إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين؛ فإنه سيبتعد عن الأنانية والعدوانية والتمركز حول الذات، كما أن اللعب يساهم في تكوين النظام الأخلاقي المعنوي لشخصية الطفل، فمن خلال اللعب يتعلم الطفل من الكبار معايير السلوك الخُلقية كضبط النفس والصبر، فضلا عن أن القدرة على الإحساس بشعور الآخرين تنمو وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من حياته.

الرسائل التربوية الموجهة

     وفي أثناء اللعب يمكن للآباء والأمهات أن يرسلوا إلى عقول أبنائهم كثيراً من الرسائل التربوية التوجيهية بطريقة غير مباشرة؛ حيث تكون درجة الاقتناع بها عالية جداً؛ لأنها غير مباشرة وأتت في جو محبب إلى نفوسهم، ومن ثم فإن ما يشعرون به من سعادة أثناء اللعب يرتبط بهذه الرسائل، فيتقبلونها بصدر رحب.

الإبداع والتطوير

     كما يسمح اللعب للأطفال بأن يستخدموا إبداعهم، ويطوروا مخيلاتهم ومهاراتهم الجسدية والمعرفية والانفعالية، وهذا مهم للتطور الصحي للدماغ، فمن خلال اللعب يرتبط الأطفال ويتفاعلون مع العالم من حولهم في عمر مبكر جدًا، كما أنه يهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات والقيود والقواعد؛ لذا فهو يخفف من الصراعات التي يعانيها الطفل مثل التوتر والإحباط، كما يساهم في تنمية أساسيات الابتكار عند الطفل؛ فالأطفال المبتكرون هم الذين يلعبون أكثر، ويفكرون فيما يلعبون، كما أن اللعب غير الموجَّه يعلم الأطفال العمل ضمن مجموعات، والمشاركة، والتفاوض، وكيفية حل النزاعات، ومهارات الدفاع الذاتية، ويدربهم على مهارات اتخاذ القرار.

الإفادة من مميزاتها

     ومادامت ألعاب هذا الزمان تتجه إلى أن تكون إلكترونية في معظمها، فإن أضرار هذه الألعاب ينبغي ألا تحرم أبناءنا من الإفادة من مميزاتها، ومادامت حماية الوالدين أو المربين لا تستمر كثيراً ولاسيما حين يصل الطفل إلى مرحلة المراهقة، لذا فإن تربيته على أن يكون واعيًا وقادرًا على أن ينتقي الجيد ويترك الرديء، وعلى أن يكون ذا شخصية مستقلة وليست تابعة، مع رفع مستوى التقدير الذاتي للأبناء، يمكن أن يجعلهم قدوة في حُسن استخدام وسائل الإعلام المختلفة.

لماذا ينبغي أن نحميهم؟

- أولاً: لأن أبناءنا أكبادنا تمشي على الأرض، وإن كانوا يُولَدون على الفطرة، إلا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «فأبَواه يُهوِّدانه وُينَصِّرانه ويُمَجِّسانه».(صحيح مسلم)، وإذا كان أبواه مؤمنَين، فإن البيئة المحيطة، والمجتمع قادرين على أن يسلبوا الأبوين أو المربين السلطة والسيطرة على تربيته؛ لذا فإننا نستطيع القول بأن المجتمع يمكن أن يهوِّده أو ينصِّره أو يمجِّسه إن لم يتخذ الوالدان الإجراءات والاحتياطات اللازمة قبل فوات الأوان!

هم الرعية

- ثانياً: لأن أولادنا الرعية التي استرعانا الله -تعالى- إياها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». (صحيح مسلم )، ولأننا سوف نُسأل عنهم حين نقف بين يدي الله -عز وجل-، فهم أمانة استودعها الله -تعالى- إيانا؛ لذا نرجو أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله -تعالى- في حياتهم دينياً، ودنيوياً.

وسائل الإعلام

- ثالثاً: لأن وسائل الإعلام بشتى أنواعها تجعل أبناءنا يعتمدون على أنفسهم في اكتساب ما يريدون من معلومات والإجابة -بأنفسهم- عن تساؤلات كثيرة قد تدور بمخيلاتهم الغضَّة، وفي هذا خطورة تربوية ونفسية كبيرة؛ لأن الطفل يعرف ما لا ينبغي أن يعرفه، ويدرك أكثر مما ينبغي له ان يدركه.

المضمون الثقافي

- رابعاً: لأن الطفل يتلقى رسائل الإعلام بعفوية تامة، ويتفاعل مع ما ينقله من مضمون ثقافي بسذاجة واضحة، وهو أكثر أفراد المجتمع استجابة لمعطياته، ووقوعاً تحت تأثيره،والإعلام بهذه الصفة من أهم الوسائل تأثيراً على تربية الطفل وبنائه الثقافي، وأشدها مزاحمة للأسرة والمدرسة على وظيفتهما التربوية الثقافية.

مرحلة بناء المعارف

- خامسا: لأن الإنسان في مرحلة الطفولة - التي تعد مرحلة بناء المعارف وتأسيس القيم - يستمد، في الأغلب، خبراته ومعارفه عن طريق حاستَي العين والأذن، ومن ثم تبقى المادة الإعلامية المصورة في مقدمة ما يجذب انتباه الأطفال، وتعود هذه الجاذبية إلى أن آليات فسيولوجية معينة في العينين والأذنين والدماغ تستجيب للمثيرات المنبعثة على شاشة التلفزيون بصرف النظر عن المضمون المعرفي للبرامج؛ لذا فإن التلفزيون يأخذ وقتاً طويلاً من حياة الطفل.

دراسات علماء الاجتماع

- سادساً: أن نتائج دراسات علماء الاجتماع والنفس قد أكدت تأثير التلفاز على ثقافة الأطفال ومعتقداتهم واتجاهاتهم وقيمهم، ومن هذه الدراسات دراسة أجريت في دولة عربية لمعرفة أثر التلفاز على الأطفال من سن 1-14 سنة، تبين أن 1.76% من عينة البحث التي بلغت (5001 من الأطفال) يميلون إلى تقليد البطل الذي يشاهدونه في الأفلام والمسلسلات، وأجاب 8.57% من العينة بأنهم يريدون أن يكونوا مثل البطل، وهذه النتيجة توضح أن الطفل لا يميل فقط إلى تقليد البطل بل يرغب في أن يتصف بصفاته، ويتجه اتجاهه، الأمر الذي يعكس خطورة ما تبثه أجهزة التلفاز من برامج على شخصية الطفل سلباً وإيجاباً، كما أظهرت بعض الدراسات أيضاً أن بعض الأطفال كانوا يقلدون ممثلي مسرحية (مدرسة المشاغبين) لفترات طويلة في التمرد على النظام التعليمي وعدم احترام المدرس والأب.

مشاهد العنف والجريمة

- سابعًا: لأن أبناءنا يتعرضون من خلال هذه الوسائل لمشاهد العنف والجريمة، والأخلاقيات السيئة سواء لأطفال أم كبار، مما يكون لها أثر سيئ على تصرفاتهم وسلوكهم سواء في مرحلة الطفولة أم ما بعدها؛ حيث تحدث بلبلة في عقول هؤلاء الأطفال، ويتولد لديهم انطباعات خطأ عن المجتمع وكأنه مكان لممارسة العنف، مما يولِّد لدى الأطفال عدم توازن عاطفي.

عدم الحركة

- تاسعًا: لأن هذه الوسائل تضر أبناءنا أضرارًا صحية سواء بسبب عدم الحركة لفترات طويلة أم للعادات الغذائية الضارة التي تنتج عن مشاهدة التلفاز مثلاً أو استخدام الإنترنت، كما أن هناك أضرارا أخرى تنشأ من إدمان التجول عبر الإنترنت، وسوف نتحدث عنها لاحقًا.

جزء من التمييز بين المعلومات

- تاسعاً: إن الأبناء – دون الثامنة من العمر- لا يستطيعون التمييز بين المعلومات الدقيقة وبين المعلومات الإعلانية التجارية؛ مما يشوش على تفكيرهم وحكمهم على الأشياء بطريقة صحيحة؛ فالأطفال دون الثانية عشرة أحد أهم أهداف شركات الدعاية والإعلان.

التوجيهات والإرشادات

- عاشراً: إن التوجيهات والإرشادات والرسائل التي يتلقونها بطريقة غير مباشرة من وسائل الإعلام - سواء كانت إيجابية أم سلبية - قبل السادسة من العمر تتسلل إلى العقل اللاواعي لديهم؛ مما يؤثر على طريقة تفكيرهم وسلوكهم واتجاهاتهم في المستقبل، وعلى سبيل المثال فإن الدراسات أثبتت أن مشاهد العنف المتكررة تؤدي إلى أن يعتقد الطفل أن العالم مكان أكثر عنفًا وسوءًا مما هو عليه، وأن العنف سلوك طبيعي؛ مما يجعل من الطفل لاحقاً إما ضحية أو معتديا في المجتمع؛ لأنه يعتقد أن هذه هي الحياة الحقيقية، ومع الأسف فإن من الصعب تغيير هذه الأفكار فيما بعد في المستقبل، وجدير بالذكر أن مشاهدة العنف مثلاً على شاشات التلفزيون تكون أقل أثراً من ممارسته من خلال ألعاب الفيديو، وهكذا كلما شارك الطفل في العنف، كان التأثر به أكثر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك