رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أماني زكريا الرمادي 14 أكتوبر، 2019 0 تعليق

كيف نربي أبناءنا في زمن الانفتاح الإعلامي؟ (2)


بعد أن تحدثنا في العدد الماضي عن الأسباب التي تجعلنا نسعى لحماية أبنائنا من الانفتاح الإعلامي؛ حيث قلنا إن مهمة تربية الأبناء في هذا الزمن - زمن العولمة والانفجار المعلوماتي أو الفيضان الإعلامي - قد أصبحت مهمة صعبة أو تكاد تكون مستحيلة، نتحدث اليوم عن الآليات التي يمكن من خلالها حماية أبنائنا من خطر هذا الانفتاح.

     إن الوقاية دائمًا تكون خيراً من العلاج؛ لذا ينبغي أن يبدأ الوالدان البداية الصحيحة كما سنبين في الأسطر التالية، فإن كان الوقت قد فاتهم، فلا ينبغي لهم أن يقنطوا أبدًا من رحمة الله، بل يبدؤوا فورًا في محاولة إصلاح ما فسد، والله لن يضيِّع سعيهم أبدًا، وكما قيل: هناك دائماً فرصة للإصلاح It is never too late!

مفهوم التربية

     ومن وسائل الحماية أن يعي الآباء والأمهات والمربون أن التربية لا تقتصر على الإطعام والكساء والتعليم؛ فكل ما سبق يُعد رعاية، أما التربية فتعني تقويم الأخلاق وتهذيبها وزرع حب الخير والحق والجمال في نفوس الأبناء؛ فضلاً عن تدريبهم على تقوية الإرادة، وإرشادهم إلى تحديد الهوية والانتماء لأوطانهم ودينهم، فضلاً عن تدريبهم على تذوق الجمال واستنكار القُبح في كل شيء، وتنمية مهارات التفكير الإبداعي والنقد البنَّاء، وتحديد الأهداف والسعي لتحقيقها، فلا يصح أن نفترض أن كل الأساليب التي اتبعها أهلونا ومعلمونا في تربيتنا كانت صحيحة؛ فإن أولادنا خُلقوا ليعيشوا في زمان غير زماننا؛ ولذا فهم في حاجة إلى تربية متطورة غير الطريقة التي تربينا عليها.

البداية الصحيحة

     إن البداية الطيبة تكون دائمًا نهايتها طيبة بإذن الله؛ لذا ينبغي أن تكون البداية هي إخلاص النية لله -تعالى- في الزواج، بأن يتزوج الرجل وتتزوج المرأة بنية العِفة، وإنشاء أسرة مسلمة تعبد الله وتطيعه وتعين الآخرين على طاعته -سبحانه-، هذه النية تستلزم حُسن اختيار الزوج والزوجة، بأن يكونا طائعَين لله حقاً وليس بالمظاهر والقول دون الفعل.

إخلاص النية لله -تعالى

     بعد ذلك ينبغي إخلاص النية لله -تعالى- في تربية الأبناء، ومن ثم فإن كل التعب والجهد والمشقة والإنفاق تكون صدقة جارية للوالدين ويكون سعيهم كله في سبيل الله، كما فعلت امرأة عمران حين قالت وهي حامل: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} آل عمران -35؛ فكانت النتيجة أن قال رب العالمين: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِساب} آل عمران37؛ لذا ينبغي أن تكون البداية هي أن ينوي الوالدان أن يربيا أبناءهما ليكونوا عباداً طائعين لله، ومن يربي لله فلن يقنط أبداً مهما كانت الشرور حوله، ولن تفتُر قوته أو حماسه، ولن يقلق على أولاده مهما كانت الظروف.

اليقين في رحمة الله

     بعد ذلك يأتي اليقين في رحمة الله ولطفه، بأن الله لن يضيع أجر الوالدين ولا تعبهما ولا جهادهما في تربية أولادهما وأن الهداية تأتي من عند الله -تعالى- كما قال سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} البقرة -272، وأن الله -سبحانه- سيحمي أبناءهم كما حمى موسى -عليه السلام- في اليَم، ويحفظهم كما حفظ إبراهيم -عليه السلام- في النار، ويرعاهم رعايته لمريم -عليها السلام- وهي مقهورة، ويتولى أمرهم كما تولى أمر هاجر وإسماعيل -عليهما السلام- في صحراء مكة، بل واليقين في أن الله -تعالى- هو خير حافظاً كما كان يقين يعقوب -عليه السلام- حين وثق في نصر ربه ورعايته لابنه، وقال بقلبه قبل لسانه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

التوكل على الله -تعالى

     ثم نعلم تمام العلم أن التوكل على الله -تعالى- يعني بذل الجهد أولاً، ثم اليقين في نصر الله وإجابته، عندما فعلت أم موسى قبل أن تُلقي وليدها في اليم بأن أرضعته وأرسلت أخته تتتبع أخباره، وكما فعل إبراهيم عندما كان يدعو ربه وهو في النار: حسبنا الله ونِعم الوكيل، وكما فعل حين زود امرأته والرضيع بزاد ثم تركهما في صحراء مكة في رعاية الله، وكما فعلت مريم بأن هزت جذع النخلة لتأكل ورضيعها، ثم نذرت للرحمن صوماًوامتنعت عن الكلام.

بالرُّقية والدعاء

     وبعد أن تضع الأم، فإن على الوالدين أن يُعوِّذا الأبناء بالله من الشيطان الرجيم، سواء بالرُّقية أو بالدعاء كما فعلت مريم -عليها السلام-: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (آل عمران 36).

سياسة واحدة للتربية

     وبعد ذلك ينبغي للوالدين أن يتفقا على سياسة واحدة للتربية حتى لا يتشتت الطفل بين سلطتين مختلفتين؛ فتكون النتيجة هي شعوره بالقلق، وعدم الاستقرار النفسي، واضطراب سلوكه، ومن ثم ضياع جهود الوالدين هباءً! وغنيٌّ عن القول أن السياسة الواحدة هي الهدي القرآني والنبوي في التربية (يمكن الاطلاع على كتاب الدكتور عبد الله ناصح علوان تربية الأولاد في الإسلام لهذا الغرض).

الاستعانة بالله -تعالى

بعد ذلك ينبغي للوالدين أن يستعينا بالله -تعالى- على هذه المهمة، بالقلب، ثم باللسان، ومما ينفع في هذا الشأن الدعاء: «اللهم إني أتبرأُ إليك من حَولي وقوَّتي وعِلمي في تربية أبنائي، إلى حَولِك وقوتك وعِلمك، فأعِنِّي».

وسائل حماية الأبناء

وفيما يلي نورد وسائل حماية الأبناء من وسائل الإعلام - في تدرج - وفقاً للمراحل العمرية المختلفة:

السنتان الأوليان

- أولاً: في الشهور الأولى من عمر الطفل وحتى سنتين: يشير التربويون وعلماء الأجِنَّة إلى أن الجنين يتأثر بما حوله، وأن للجنين ذكاء؛ فما بالنا بالوليد والرضيع؟! لذلك ينبغي ألا نظن أن الطفل لا يفهم، بل على العكس هو يفهم ويستجيب، لذا ينبغي أن نولي الطفل الرعاية الكافية؛ لأنه في مرحلة التأسيس الأخلاقي والعقَدي والاجتماعي، وينبغي أن نعطي هذه التربية الأولوية على غيرها من الأعمال التي تهمنا ونراها ضرورية مثل التحضير للدراسات العليا مثلاً أو العمل أو غير ذلك، ولنتذكر أن الله -تعالى- قد تكفَّل برزقنا ورزق أولادنا؛ فلا ينبغي أن ننشغل بما تكفل الله به عن مسؤولياتنا تجاه أبنائنا، ولا ينبغي أن نسعى وراء الرزق الذي يشتري الكماليات لأبنائنا على حساب تربيتهم في الوقت المناسب؛ لأن أكثر سنوات العمر تأثيرا ًفي مستقبل أبنائنا هي السنوات الخمس الأولى؛ لذلك ينبغي أن نعطيهم حقهم من الرعاية والاهتمام والتربية حتى نرتاح فيما بعد، ونراهم كما رجونا إن شاء الله، مع ملاحظة أن التربية والرعاية والاهتمام ليس من واجب الأم فقط، وإنما واجب الأبوين معاً، فإن لم يكن هناك سوى الأم، فالله المستعان.

القصص الملونة

     وبعد أن يتمكن الطفل من الجلوس تستطيع الأم أن تشتري له القصص الملونة المصنوعة من القماش أو البلاستيك غير الضار، وتحكي له الحكايات من هذه الكتب الملونة، وتتركه يلعب بها ويضعها في فمه - بعد التأكد من نظافتها- بل ويصحبها معه وهو يأخذ حمام الصباح ليلهو بها مع الماء والصابون ! وفي هذا تحبيب له في القراءة، تلك الهواية الممتعة والمفيدة في الوقت نفسه، ولكن ينبغي أن نفحص ما يقرؤه أطفالنا جيدا في شتى مراحله العمرية، حتى نطمئن أن هذه المواد القرائية خالية من الأفكار الدخيلة.

وسائل الإعلام الترفيهية

     وأما بخصوص بقية وسائل الإعلام الترفيهية، فلا ينبغي للأم أن تفرح بأن طفلها مشغول بمشاهدة قنوات الرسوم المتحركة (الكارتون)؛ لأنها تريد أن تقوم بأعمال المنزل، أو إجراء محادثة تليفونية أو غير ذلك؛ لأن التليفزيون هو أسوأ جليس للطفل، سواء بسبب الإعلانات المُغرضة، أم أفلام الرسوم المتحركة التي تكتظ بالمخالفات الأخلاقية والعقَدية، وقبل أن نسمح له بمشاهدة أحد هذه الأفلام ينبغي لنا أن نشاهدها بأنفسنا، وندرسها بعناية، فإن لم تكن صالحة لأن يشاهدها أبناؤنا فلنشتر لهم أفلام الفيديو التربوية الهادفة، وفي الوقت نفسه الممتعة، منها على سبيل المثال: سَلام وفرسان الخير، وسلسلة الابن البار، التي تمتعه وتربيه في الوقت نفسه. مع الحديث معه حول ما يدور في هذه الأفلام والإجابة عن تساؤلاته الكثيرة بصبر وحكمة وبما يتناسب مع عمره.

الحاسب الآلي

     وجدير بالذكر أن الكثير من الآباء يتركون الأطفال في هذه المرحلة يلهون بالحاسب الآلي، ويشترون لأبنائهم ألعابا ًتربوية، ولكن في رأيي أن الطفل سوف يستخدم الحاسب الآلي كثيراً في المراحل القادمة من عمره، فلماذا نتعجل ونعرِّضه للإشعاع والمجال المغناطيسي الصادر عن هذا الجهاز، ونغامر بتعرضه للمخاطر الصحية المختلفة؟! إنه حينما يرى الوالدين يستخدمانه سوف يقبل عليه، ولكن ينبغي أن نخبره أنه حينما يكبر أكثر فسوف يستطيع استخدامه.

العطف الحازم

     فتربية الطفل ينبغي أن تتسم بالعطف الحازم كما يوصي الدكتور ياسر نصر -مدرس الأمراض النفسية بكلية الطب جامعة القاهرة، واستشاري التربية والتوجيه النفسي-؛ فكلمة (لا) التي نقولها للطفل لا ينبغي أن تُقال بحدة حتى لا تأتي بنتائج عكسية، وإنما ينبغي أن نقلل نبرة الحدة في الصوت، وننظر إليه بحنان ولكن مع الحزم... وفي الوقت نفسه لا ينبغي أن نوفر له البديل، مع تشجيعه على الاختيار حتى لا يشعر بأننا نحرمه مما يريد أن يفعله، ونفرض عليه ما نريد.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك