رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 13 نوفمبر، 2018 0 تعليق

كيف نحُلُّ مشكلة المربي المشغول؟


لا شك أن أسعد اللحظات في حياة كل أب هي تلك الأوقات التي يقضيها مع أبنائه، يتفقد أحوالهم، ويتولى بنفسه تربيتهم وإسداء النصائح لهم فيما يعرض لهم من مواقف مختلفة، كما أمرنا الله -عزّ وجل-، وأوْصى المربين في كتابه العزيز، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6).

 

     ولا شك أن ضغوط الحياة تضطر الكثير من الآباء أن يواصلوا العمل ليلاً ونهاراً سعياً وراء الكسب الحلال الذي يوفرون به الحياة الكريمة لأبنائهم؛ وقد لا تتيح لهم هذه الظروف فرصة اللقاء اليومي مع الأبناء، وقد يأخذهم الانشغال بعيدا عن متابعة المسار اليومي لحياة الأبناء؛ فكيف يستطيع الأب المشغول أن يوازن بين عملين مهمين، متابعة الأبناء ومواصلة العمل من أجلهم؟ وهل يفقد الآباء المشغولون الأمل في إمكانية الاحتفاظ بأدوارهم الأسرية آباء ومربين؟

     بالطبع لا، فبعد الاستعانة بالله -تعالى-، وبقليل من التركيز ومحاولة الموازنة بين المهام والحرص على بعض المتابعات اليومية للأبناء يمكن أن يتحقق ذلك، وهذا ما نتعرف عليه بالتفصيل من خلال هذه السطور.

روح الأب في البيت

     أعزائي المربين:  قد يكون العمل مسوغاً للغياب الجسدي للأب، ولكنه ليس مسوغاً إطلاقاً لغياب روح الأب في البيت، وشعور الأبناء والعائلة بأن والدهم يشاركهم كل لحظة، وإن كان مشغولاً، من خلال اهتمامه بشؤون أبنائه، ومعرفته الدقيقة بتفاصيلهم، ووضع الخطط والبرامج - بمشورة الأم والأبناء أحياناً -  لمتابعته خط سيرهم على مدار اليوم والليلة!

أمر مزعج

     إنّ غياب الأب عن البيت يمثل أمراً مزعجاً جداً للأبناء، وعلى الآباء أن يدركوا ذلك جيداً؛ فلا يكون غيابهم إلا على قدر الضرورة، وعند تواجدهم لا يكون الأب (الحاضر الغائب) الذي وإن تواجد في البيت فلا يشعر أبناؤه بوجوده لعدم إعطائهم الاهتمام المطلوب!

     فالابن قد يقدر لأبيه غيابه، لكنه إن احتاجه فعليه ألا يتأخر في تلبية احتياجه، أو على الأقل إشعاره بأنه يتابع ما يحدث له، وما يحتاج إليه، وليس أتعس من أبٍ فضَّل وسائل التواصل الحديثة والإنترنت أو الجلوس على القهوة ولعب الشدة مع أصدقاء السوء، على جلسة مع أبنائه يتابع فيها شؤوتهم ويشعرهم بحبه لهم وتودده وتقربه منهم.

ستغلال الأوقات التي تجمعكما

     ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحسنة في اهتمامه بشؤون أبنائه، وأحفاده، والناشئة من الصحابة -رضي الله عنهم- رغم مشاغله الكثيرة في حمل الرسالة وتبليغها، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يستغل كل دقيقة تجمعه بهم في التوجيه والتعليم أو الوصية، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي: «يَا مُعَاذُ؟ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قُلْتُ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ اَلنَّاسَ؟ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا» (متفق عليه)، ويستطيع المربي تطبيق هذا النموذج مثلاً في استغلال الأوقات التي تجمعه بأبنائه أثناء ركوب السيارة لتوصيلهم إلى المدرسة، أو مرافقتهم لزيارة عائلية أو زيارة طبيب، حتى لو توفرت تلك الفرص على مسافات زمنية بعيدة فإنّ استغلالها من الأب يترك أثره في نفس الابن.

كيف يمكن للمربي أن يوازن

     إذا كان ضيق الوقت وكثرة الانشغال أول ما تعتذر به، عن انشغالك عن أبنائك، وأنت معذور في ذلك إلا أن هناك الكثير من الأفكار والمقترحات التي تناسب وقتك المشغول، وتحقق لك متابعة مهمتك التربوية من خلال الأوقات القليلة التي تقضيها مع أبنائك.

في البيت

1- استغلال فترة الغداء لإبراز المواقف التي واجهها كل فرد منهم، وشرح كيفية مواجهتها.

2- استغلال عطلة نهاية الأسبوع  في التوجيه والمتابعة، وترك ما سوى ذلك بقدر الإمكان.

3- بالقدوة الحسنة نوفر وقتاً للإرشاد  وزرع  القيم، وباهتمامك الكبير بتربية ابنك الأول سيزيد من فرص القدوة الجيدة لباقي الأبناء في غيابك.

4- ناقشهم دائماً عمّا يفكرون به، واسألهم دوماً عن وجهة نظرهم وآرائهم من خلال مناقشتهم في موضوعات عامة وموضوعات تهمهم.

5- احرص على أن تجلس مع الأبناء في غرفهم بين الحين والآخر؛ فهذا مما يسرّهم ويسعدهم.

6- إذا كنت تقوم ببعض أعمالك في المنزل فحاول أن يكون الأبناء حولك؛  فإن ذلك يشبع إحتياجهم النفسي إليك.

7- إن لم تسمح ظروف عملك بالعودة إلى المنزل في الظهيرة، فاحرص على الاتصال تليفونياً بالبيت ومحادثة الأبناء ولو لدقائق تطمئن عليهم فيها وتبثهم اهتمامك بهم وشوقك إليهم.

وقت قبل النوم

8- لا تنس اغتنام فترة قبل النوم، ولاسيما إذا كنت تعود إلى منزلك في وقت قريب من موعد نومهم، فإنه وقت غنيمة تربوية؛ فاجعل ديدنك أن تستغل هذا الوقت جيداً؛ فهو وإن كان قصير إلا أنه مؤثر جداً في نفوس الأبناء، وتذكر أن قصص ما قبل النوم سبب قوى لغرس الأخلاقيات والقيم، وإشاعة جو من الحب والحنان؛ ولذلك فإن كل ما تقوله لهم، مثل: حكاية أو حديث حول ما دار أثناء يومهم وأنت غائب، أو تفعله معهم، مثل قبلة على جبينهم أو ربتة على أكتافهم أو تعاهد أغطيتهم، ينطبع تماماً في عقولهم ولا ينمحي من ذاكرتهم؛ فبإمكانك إذاً أن تفعل الكثير مع أبنائك حتى لو لم يتح لك غير هذا الوقت لرؤيتهم.

مشاركة الأنشطة

8- يمكنك تعويد الأبناء على القراءة، بتوفير كتب مفيدة وشيقة  تناسب أعمارهم، ثم مناقشتهم فيما قرؤوه من كتب واستخلاص الفوائد منها في فرص اللقاء القصيرة بينكم.

9- تعويد الأبناء على تلاوة القرآن وحفظه، يجعله المصدر الأساسي لاستقاء الأخلاق، ولاسيما إذا عهدت بهم إلى محفّظ ماهر وموثوق في دينه وخلقه.

10 -  شجّع أبناءك على شراء الكتب المفيدة واقتنائها، ودعّمهم في ذلك مادياً ومعنوياً.

10- كافيء صاحب المواقف الأخلاقية الحسنة من أبنائك؛ فإن ذلك يدعو الأبناء للتنافس في حسن السلوك أثناء غيابك عنهم على أمل الحصول على المكافأة.

11- السفر والرحلات الخلوية فرصة جيدة للارتباط بأبنائك أكثر، كما أنها فرصة لبث القيم الإسلامية فى نفوس الأبناء من خلال الحوارات، ومن خلال احتكاكهم مع الآخرين، كما توفر الرحلات أوقاتاً طويلة تجمع الأسرة عبر مسافات السفر، يمكنك التجهيز لها بالاشتراك مع الأبناء، فتبدأ بقصة ثم مسابقة ثم أحاديث مفيدة متنوعة.

متابعة علاقاتهم

12- تعرف على أصدقاء الأبناء عن قرب، واستضفهم في منزلك ولو على فترات.

13- اترك لأبنائك فرصة للاقتراب من شخص تثق به، ليحدثوه عن مشاعرهم ومشكلاتهم إن كانوا لا يبوحون لك.

14- لا مانع أن يشاركك أحد الأقرباء المتفرغين من الموثوق بدينهم وأخلاقهم في العملية التربوية.

15- اصطحبهم معك إلى صلاة الجماعة و مجالس الكبار ودروس العلم.

     وهكذا ترى.. عزيزي المربي أنك تستطيع-  مهما كنت مشغولاً-  أن تتابع أبناءك، وتمنحهم الكثير من العناية، وتقوم بدورك بطريقة أفضل مفعمة بالحب والدفء الأسري.

 

 

أعمل فترتين يوميًا، ووقتي لا يكفي للجلوس مع أبنائي فما الحل؟

- ضع قائمة بأولوياتك وفقاً لظروفك الحالية، وقم بعمل جدول زمني للمهام المطلوبة منك يومياً، ويمكنك الاطلاع على كتب في إدارة الوقت.

- استثمر مدة الساعات التي يقضيها الأبناء في المدرسة أو الحضانة أو النوم في الانتهاء من العمل والمهمات التي وضعتها في جدولك.

- حاول أن تأخذ قسطاً وافياً من النوم، لأن عدد ساعات النوم غير الكافية تقلل من كفاءة ما تفعل، إلى جانب أنها تؤدي إلى العصبية.

- اترك هموم العمل على عتبة المنزل، واجعل ذهنك مركزا في عملك مع الأبناء، وعند عودتك للمنزل استقبلهم بحب وترحاب، وأشعرهم بأنك مشتاق إليهم.

- استفد من كل الدقائق التي تكون موجوداً فيها مع الأبناء، اجلس معهم وحاول أن تستغلوا الوقت في عمل أشياء تتضمن التوجيه والمتعة والفائدة للأبناء.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك